الوجه الآخر لمُحسنة توفيق.. لماذا قدم الرئيس عباس واجب العزاء فيها؟

الوجه الآخر لمُحسنة توفيق.. لماذا قدم الرئيس عباس واجب العزاء فيها؟
شيّعت مصر قبل أيام من الشهر الجاري جثمان الفنانة، محسنة توفيق، التي عُرفت بالجمع بين الإبداع الفني والالتزام الوطني والسياسي، منذ بدء مسيرتها، واعتُقلت في الستينات دفاعاً عن أفكارها ومواقفها، ثم تصدّر اسمها الساحة بعد ظهورها في فيلم "العصفور" للمخرج العالمي، يوسف شاهين، الذي صوّر بجرأة غير محسوبة، عمق جرح هزيمة العرب عام 1967 في حربهم مع إسرائيل، حيث مثلت دور "بهية" التي غنى باسمها الشيخ إمام عيسى أغنيته الشهيرة "مصر يامه يا بهية"، ما حدا بالسلطات إلى حظر الفيلم وقتئذ، فتم تهريبه ليشاهد سراً في بيروت والعواصم الغربية، كما واصلت محسنة توفيق مسيرتها، حيث عارضت اتفاقية "كامب ديفيد"، والتحقت بلجان مقاومة التطبيع مع إسرائيل، وبلجان دعم الثورة الفلسطينية، كما عرف عنها أنها، رغم ظروفها الصحية، كانت بمقدمة الصفوف في تظاهرات يناير 2011.

وعبّرت أصوات واسعة في الوسط الثقافي والفني والسياسي المصري، عقب إعلان خبر رحيل محسنة توفيق (80 عاماً) عن إحساسها بالصدمة، وافتقاد فنانة صاحبة موقف وقضية، كما نعتها رسمياً وزارة الثقافة المصرية من خلال بيان قالت فيه: "إن الإبداع الدرامي فقد إحدى علاماته التي تميزت بالأداء الفني الصادق".

وقالت محسنة توفيق في آخر ندوة سينمائية شاركت فيها بأسوان، إنها استُبعدت من المشاركات في الأعمال التلفزيونية بسبب مواقفها السياسية، وأضافت: "طُلب مني تغيير مواقفي السياسية، لكنني لم أفعل، فقد كنت دائماً أسأل نفسي عن سبب تظاهر العمال والطلبة منذ أن كنت صغيرة، وعرفت أنهم عانوا من الضغط والكبت وسوء المعيشة، وظلت حكايات كتلك تلازمني في حياتي، ودائماً أنظر إلى الظروف والأوضاع وآخذ بالأسباب". وقالت "قررت أن أعيش وسط الناس، وذهبت للمخيمات الفلسطينية، وتعلمت منهم الإصرار والتحدي".

وروت محسنة توفيق خلفيات أدائها لدور "بهية" في فيلم "العصفور"، الذي ميزها في السينما العربية، فقالت إن "لقاءها بيوسف شاهين كان محطة فارقة، إحساس (جو) بالناس عالٍ جداً، قال لي أثناء تصوير دور (بهية) لا تبكي، اصرخي وهاجمي فقط لكن لا تبكي، فالتزمت بذلك، لكن بمجرد إطفاء الكاميرا بكيت بحرقة"، وتابعت توفيق "كنت أعرف أنه لابد من أن أتماسك أمام الكاميرا لأعبر عن تماسك شعبي لحظتها".

وقال الكاتب الصحافي أمين حزب التحالف الشعبي، مدحت الزاهد: "تشاركنا مع الفنانة محسنة توفيق في تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، بعد مبادرة (الرئيس السابق أنور) السادات بزيارة إسرائيل وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وذلك في مواجهة التطبيع وتزييف الوعي الوطني، وقد عبرت عن ضمير الوطن والشعب".

وتابع الزاهد "تشاركنا مع الفنانة الجميلة في قوافل دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني، التي انطلقت من القاهرة إلى العريش ورفح محملة بالأغذية والأدوية إلى الشعب المحاصر، وحرقت معنا أعلام إسرائيل، وداستها معنا بالأقدام، وهتفت معنا مليون علم لفلسطين".

وتشاركنا في مواجهة الغزو الأميركي للعراق، وفي شعار عيش حرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية في ثورة يناير، وفي كل معارك الدفاع عن الشعب والوطن.

وقال الشاعر، تميم البرغوثي، في رثائها "أراها (محسنة توفيق) واقفة إلى جانب أمي (تميم ابن الكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي، والكاتبة الراحلة المصرية رضوى عاشور)، يدها على جبيني تقيس حرارتي إثر مرض مفاجئ وأنا طفل في الـ12، وأراها واقفة مع الملايين في تظاهرات جمعة الغضب في 28 يناير 2011 ويدها على عكازها، تقع وتقف ثانية ولا تعود للوراء".

عزلها أنور السادات من التمثيل بسبب موقفها من كامب ديفيد، وحاول الرئيس السابق حسني مبارك أن يحاصرها ويعزلها عن الناس فازدادت من الناس قرباً، مشهدها في فيلم "العصفور" وهي تصيح في الشوارع "حنحارب" بعد هزيمة 1967، عاشته في الحقيقة، عاشته في ذلك اليوم من يونيو 67 ولـ50 عاماً بعده.

وكتب سامر الشغري عنها: "لم تكن الفنانة المصرية محسنة توفيق نجمة على الشاشتين الذهبية والفضية فحسب بل إن حياتها كرستها للكفاح وللنضال الوطني والقومي على غير صعيد إلى جانب امتهانها للفن وكيف لا وصرختها لم تزل مدوية في أعقاب نكسة حزيران 1967 (حنحارب) بوجه دعاة الاستسلام والانهزامية".

وأضاف سامر: "ابنة النيل التي شربت من مائه وكتب لها شاعر المحكية الأول في مصر أحمد فؤاد نجم هبت حالما وقع العدوان الثلاثي الأمريكي والفرنسي والبريطاني على سورية في نيسان 2018 وعدد من زملائها من فناني مصر متحاملة على مرضها لزيارة دمشق والتضامن مع السوريين حيث أكدت الفنانة "أن سورية الدولة تواجه مخططات التفتيت وعلينا الدفاع عنها بكل قوة وعودتها لسابق عهدها لأن أمنها من أمننا كمصريين".

وختم: "تعلق محسنة بأمتها ووطنها وقضاياهما غدا ظاهرة فنية وسياسية في آن واحد فهي التي زارت بيروت وهي تعاني وطأة العدوان الإسرائيلي 1982 وهي التي انتقدت وعلى الملأ مراراً اتفاقيات كامب ديفيد مع كيان الاحتلال الإسرائيلي رافضة التطبيع بكل أشكاله وخرجت في المظاهرات المنددة بالعدوان الأمريكي على العراق 2003 رغم أنها دفعت ثمن هذه المواقف استبعادها من المشاركات في الأعمال التلفزيونية كما أكدت قبل رحيلها ببضعة أشهر".

يُذكر أن وفد من سفارة فلسطين بالقاهرة قدم واجب العزاء في وفاتها في دار العزاء الذي أقيم في مسجد عمر مكرم.

ونقل الوفد خالص تعازي الرئيس محمود عباس والشعب الفلسطيني إلى أسرة الفنانة التي تركت بصمتها الفنية والوطنية، وكان لها مواقف مشرفة تجاه القضية الفلسطينية، حيث عرفت بمواقفها الوطنية الصريحة والمناضلة من أجل دعم الحق الفلسطيني؛ داعين الله أن يلهم ذويها الصبر والسلوان وأن يسكنها فسيح جناته.

التعليقات