التهدئة والعمادي والجهاد الإسلامي

التهدئة والعمادي والجهاد الإسلامي
التهدئة والعمادي والجهاد الإسلامي

بقلم د. وليد القططي

تصريحات السيد محمد العمادي رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة الأخيرة حول التهدئة أثارت غضب الفلسطينيين في قطاع غزة والتي قال فيها "إن التهدئة كانت من المفترض أن تبقى كما هي، والتصعيد الأخير لم يكن يريده الطرفان، ولكن أحد الفصائل اختلق مشكلة على الحدود، والجهات الرئيسية – حماس و(إسرائيل)- كانا يريدان الهدوء". وبما أن أحد الفصائل (غير الرئيسية والمثيرة للمشاكل) يُقصد بها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بما لا يدع مجالاً للشك، فإن الأمين العام للحركة السيد زياد النخالة قد ردّ عليه رافضاً لهذا الاتهام، ومطالباً بالاعتذار، ومؤكداً على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وحق المقاومة في عدم السماح للعدو باستباحة الدم الفلسطيني، وفي هذا الإطار من المفيد توضيح  بعض النقاط الخاصة بالتهدئة وتصريحات العمادي وموقف الجهاد الإسلامي. 

قال السيد محمد العمادي "ان التهدئة كانت من المفترض أن تبقى كما هي" من غير المعروف كيف تبقى كما هي فعندما حدث التصعيد الأخير لم تكن التفاهمات قد دخلت حيز التنفيذ من طرف العدو، فهل كان المطلوب هو بقاء التهدئة مقابل التهدئة، وهو يعني عملياً التهدئة من جانب المقاومة مقابل استمرار الحصار من جانب الاحتلال، وهذا يُخالف جوهر التهدئة التي تريدها المقاومة والتي تعني التهدئة مقابل إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، وهو ما تم الاتفاق عليه في كل جولات الحروب والتصعيد السابقة، والتهدئة هنا هي امتداد لتفاهمات إنهاء الحرب العدوانية عام 2014، وليست طويلة الأمد، وتضمن حق المقاومة في الرد على العدوان، وبدون ثمن سياسي يستفيد منه كيان الاحتلال. 

قال السيد محمد العمادي "ولكن أحد الفصائل اختلق مشكلة على الحدود"، هذا الكلام فيه اختزال مشوّه للصراع مع العدو، وتبرئة الاحتلال من المسئولية على عدوانه وإرهابه المتواصل ضد الشعب الفلسطيني، بما فيه قتله للمتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة مع فلسطين المُحتلة عام 1948، وتبسيط للصراع وكأنه مشاكل على الحدود بين طرفين أحدهما مُشاكس ومُختلق للمشاكل وهو بالتأكيد ليس كيان الاحتلال، وتجاهل لجوهر المشكلة المتمثلة في وجود الاحتلال نفسه ومحاصرته لقطاع غزة، والحصار وحده جريمة حرب متواصلة ضد مليونين من الشعب الفلسطيني، وحتى لو تم إنجاز كل ما ورد في تفاهمات إنهاء الحصار، أو ما يُعرف إعلامياً بتفاهمات التهدئة، فإنّ الصراع لن ينتهي إلاّ بإنجاز مشروع التحرير والعودة والاستقلال، والتركيز في هذه المرحلة على إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة هو مرحلة على طريق إنجاز المشروع الوطني التحرري. 

قال السيد العمادي "الجهات الرئيسية – حماس و(إسرائيل)- كانا يريدان الهدوء في محاولة للتفريق بين فصائل المقاومة، وبالتحديد بين أهمها في قطاع غزة وهما حماس والجهاد الإسلامي، باعتبار أن الجهاد الإسلامي لا يريد الهدوء، ويتسبب في جولات التصعيد العسكرية، كأنما ينصب السيد العمادي نفسه حكماً يوزّع شهادات حسن سير وسلوك على العدو ومن يُريد من الفصائل، وهذا مُخالف للحقيقة والواقع فالتنسيق بين حركات المقاومة وبالتحديد حماس والجهاد الإسلامي، على المستوى السياسي والعسكري على أعلى مستوى في المواقف والميدان، والأعمال العسكرية المشتركة بينهما خير دليل، والهيئة الوطنية الُعليا لمسيرات العودة وكسر الحصار خير شاهد، ونموذج الوحدة الوطنية في قطاع غزة فيما يتعلق بمواجهة العدو وإدارة الصراع معه في قيادة مسيرات العودة وجولات التصعيد العسكرية من النماذج المثالية في التاريخ الفلسطيني المُعاصر. وبالمقابل فإن شهادة حسن السير والسلوك التي مُنحت للعدو لا يستحقها لأن هذا الهدوء الذي يريده العدو مصحوباً ببقاء الاحتلال والحصار والإرهاب الذي يُمارسه ضد كل الشعب الفلسطيني.

السيد محمد العمادي جاء في مهمة إنسانية في إطار عمله كرئيس للجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة، وفي إطار دور قطر في تطبيق الجزء من التفاهمات المتعلق بالمساعدات المالية، وهو دور مشكور من قبل الشعب الفلسطيني وحركة الجهاد الإسلامي كما صرح بذلك أمينها العام السيد زياد النخالة "إننا شكرنا قطر على تقديم مساعدات إنسانية لقطاع غزة"، وهنا يُمكن القول أن الحركة- كما جاء على لسان أمينها العام سابقاً- تتفهم التعقيدات المُقيدة لقطر وغيرها من الدول في تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، وتقبل تقديم المساعدات من الدول العربية وغيرها حسب قدرات وظروف كل دولة، وتدرك أهميتها في دعم صمود الشعب الفلسطيني، ولكنها لا تتفهم ولا تقبل استخدام هذه المساعدات كمدخل للتأثير السلبي على نهج المقاومة، وعمل فصائل المقاومة، والعلاقة بين فصائل المقاومة، كما أنها لا تتفهم ولا تقبل أن تكون هذه المساعدات مدخلاً لمشاريع سياسية لا تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية سواء على المستوى الداخلي الفلسطيني، أو على مستوى الصراع مع العدو الصهيوني.  

خُلاصة الكلام أن التهدئة المأسوف على خرقها، لم تنهِ معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بعد، ولم يثبت أنها ستكون مدخلاً لإنهاء الحصار المفروض على غزة بعد؛ ولذلك فعوامل خرقها وأسباب تفجيرها موجودة في كل وقت وحين، كما أن عوامل استمرار الصراع مع الكيان الصهيوني باقية طالما بقي الاحتلال في فلسطين، ومن الأفضل لنا كشعب فلسطيني وقوى سياسية وحركات مقاومة الخروج من جدل التهدئة والتصعيد، ومغادرة مربع الفعل ورد الفعل، إلى الفعل الوطني المبادر، وهذا لا يتم إلاّ بإعادة الركوب في قطار المشروع الوطني الفلسطيني، والانتقال من محطة الانقسام إلى محطة الوحدة الوطنية، وبناء مرجعية وطنية واحدة تقود قطار المشروع الوطني نحو التحرير والعودة والاستقلال. 

التعليقات