حين يؤذن الشيخ بمشاعره وتخشع الأرواح.. مالا تعرفه عن مقامات الآذان الثمانية

حين يؤذن الشيخ بمشاعره وتخشع الأرواح.. مالا تعرفه عن مقامات الآذان الثمانية
تعبيرية
خاص دنيا الوطن - رفيف عزيز

 انتشر فيديو لمؤذن تركي، وهو إمام المسجد الأخضر بمدينة بورصة في تركيا، وهو يشرح ويؤدي ببساطة المقامات الموسيقية للآذان والتي يحرص الأتراك عليها منذ مئات السنين، وخصصوا لها مدارس وأوقافاً ومؤذنون مهرة.

وتداول النشطاء هذا الفيديو على نطاق واسع مُشيدين بجمال مقامات الآذان وجمال صوت المؤذن الذي شرحها ببساطة.

 


لكن "دنيا الوطن" التقت القارئ والمُنشد الديني محمود خلة وهو منسق ومدرب صوت، ومُنسق كتاب صديقه الكاتب رائد أبو شعبان المُتخصص في علم الأصوات.

المقامات ثمانية

وقال في حديثه لـ"دنيا الوطن": " أوصى النبي صلي الله عليه وسلم بصاحب صوت جميل للآذان، وعندما رأى في منامه عبد الله بن زيد رؤيا الآذان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال : فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول : والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُرِي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد".

وشرح خلة ماذا تعني كلمة مقام وعددها، قائلاً: "المقام عبارة عن مجموعة من نغمات مرتبة مبنية بعضها فوق بعض، وهو الأساس الذي تبنى عليه الألحان ، أما المقامات الأساسية للآذان فقد اختلف العلماء حول عدده، فبعضهم يعتقدون بسبعة و بعضهم بثمانية و بعض بتسع مقامات".

واستطرد خلة: "هناك سبعة مقامات أساسية تجمع فى كلمة مختصرة (صنع بسحر)، ص: يدل على مقام صبا، ن: يدل على مقام نهاوند، ع: يدل على مقام عجم، ب: يدل على مقام بيات، س: يدل على مقام سيكاه، ح: يدل على مقام حجاز، ر: يدل على مقام راست".

وأضاف: "لكل مقام مقال، فالمؤذن يجب أن يُحاكي المراحل الخمس التي يمر بها  المُصليين خلال يومهم".

  مقام البيات

وبدأ خلة بشرح كل مقام على حدة كالتالي: "مقام البيات هو الأساس الذي تبنى عليه الألحان ويتكون من تتابع سبع أصوات موسيقيّة وبشكل متسلسل يضاف إليها صوت ثامن ( وهو تكرار الصوت الأول ) ويكون جواباً له وتسمى هذه الدرجات الثمان ب ( الديوان )  وهو من أكثر المقامات استخداماً في علم الصوتيات الشرقية، وهو أوسع المقامات انتشاراً، كما أنه متقلب المزاج، فهو يمكن أن يكون هادئاً وذو شجون وإيقاعه بطيء، لكنه قد يكون حركاً مطرباً إذا جاءت ألحانه متشقلبة وعلى رتم سريع، ويحمل إحساس النداء والانتظار واللهفة".

وأضاف:  يعتبره المنظّرون ثاني المقامات الأصليّة فهو الدوكاه أي المقام الثاني وهو بعد درجة الدو التي تعرف بمقام الرست. هو أكثر المقامات الذي تفرّعت منه مقاماتٌ أخرى فرعيّة، واعتاد كبار القراء على افتتاح تلاواتهم المجودة المحفلية بمقام البيات، وغالبًا ما ينهون تلاواتهم به كذلك".

  مقام البيات للمنُشد السعودي فيصل لبان:

 



مقام الحجاز

وتحدث خلة عن المقام الثاني وهو مقام الحجاز فقال: "هو واحد من أعرق المقامات الشرقية، وتعود أصوله إلى أرض الحجاز، ويمتاز مقام بغزارة الشعور وكأنه مملوء بالأسى والشفقة".

وأضاف: "هو المقام الوحيد الذي يمكن اعتباره مقاماً شرقياُ وغربياُ في الوقت نفسه، فبالرغم من وجود علامة ربع تون؛ إلا أنها تبرز فقط عند الصعود في سلمه وتختفي مع النزول عند العودة".

واستطرد: "يعتبره المنظّرون واحدا من أحزن و أخشع المقامات، ولذلك نرى أغلب الأذان فى الحرمين بهذا المقام ، فهو من أكثر المقامات روحانية و خشوعا في القران, فيه طابع العواطف الحزينة الخاصة، والتضرع والإنابة إلى الله ، فتشعر وكأنك في أجواء روحانية مليئة بالحزن ورقة القلب كذكر آيات أهوال يوم القيامة وآيات الكافر في جهنم فلذلك فهو يشبه الصبا في مفاهيمه القرآنية بل ويقدم عليه".

مقام الحجاز بصوت الشيخ سيد النقشبندي:


 


 
مقام النهاوند
 
ثم تحدث خلة عن مقام النهاوند، فقال: "هذا المقام يتكون من جنس نهــاوند على الدو وجنس حجــاز على الصــول وبينهما فاصــل طنيني , وتحليلا ( دو – ري – مي بيمول – فا – صول – لا بيمول – سي – دو )، ويمتاز هذا المقام بالعاطفة الممزوجة بالحزن , وكذلك يستخدم في الألحان الحماسية والثورية , وفيه حس طربي ساحر، والأمثلة عليه من القراء قليلة جدا , ولا تكاد تجد من يقرأ على هذا المقام بتفرد دون أن يلحقه بمقام آخر ".

-وشرح خلة سبب التسمية: "نهاوند اسم مدينة إيرانية قرب مدينة همدان، وهذا المقام مقام إيراني، وهو معتدل من حيث الحزن و الخشوع ، أي ليس مقام خشن و في نفس الوقت ليس خفيف و له صبغة لطيفة و منعطفة من حيث اللحن ، وهو من أقوى المقامات التي تبعث على الخشوع والتفكر".

  أذان تركي بمقام النهاوند:

 



مقام الكرد

أما المقام الرابع، فهو مقام الكرد، وقال خلة عنه: "هو مقام شرقي طربي عاطفي ذو شجون، وهو من أشهر المقامات الصوتية وأسهلها في السلم الموسيقي، حيث أن معظم الأناشيد بل وحتى القراء الآن يعتمدون عليه كسلم موسيقي".

وأضاف: " هو أحد المقامات الشرقية والتي لا تحتوى على الربع التون, ومفتاح سلمه هو ري - مي بيمول - فا - صول - لا - سي بيمول- دو – ري، وهو أحد فروع مقام البيات ويختلف معه أنه لا يوجد فه ربع تون على خلاف البيات الذي يحتوي على ربع تون".

  آذان بمقام الكرد للشيخ عبد المجيد السريحي

 


مقام الصبا

وانتقل خلة للحديث بعدها عن مقام الصبا، فقال: "هو مقام شرقي يلامس القلب والجوارح ويمتاز بالعاطفة الجياشة، والصبا كلمة فارسية ، أما الكلمة المرادفة للصبا في العربية تكون النسيم".

وأضاف خالة: "يعتبر مقام الصبا من أحزن و أخشع المقامات و يمتاز بالحزن و الروحانية و البكاء و الخشوع، ويدعونا إلى ذواتنا و يستعمل في المواضيع التي فيها عبرة من الوقائع الماضية، و المقارنة بين عاقبة المؤمنين و مصير المجرمين و الفاسقين".

آذان الفجر بالحرم المكي على مقام الصبا للشيخ حمد دغيريري


 


 
مقام العجم

ويأتي بعد ذلك مقام العجم، يقول خلة عنه: "هو من المقامات الرئيسية ويعادل سلم دو الكبير في الموسيقى الغربية من حيث علاماته وأبعاده ، ويبدأ مقام عجم من علامة دو وينتهي عليها، وعند الشرقيين يسمى بالعجم عشيران لأنه يرتكز على درجة العجم عشيران وهي درجة (سي بيمول القرار).

وأضاف خلة: "عندما تسمع المقام يوحي بأنك تسمع نغمات غربية بحتة، ولذلك سمي بمقام العجم، لأنه لا يشبه المقامات الشرقية الأخرى".

وشرح خلة دلالاته قائلا: "نغمة العجم هي وجدانية الطابع فيها الكثير من العظمة ويدل على الاشتياق ورفع الشأن ويؤدي إلى النشاط والتفاعل عند السامع ،ويستخدم في آيات تدل على عظمة الله و صفاته و أسمائه الحسنى، الجنة ، معجزات الأنبياء، الأدعية و الطلب و الاستعانة وكذلك يستخدم في معاني الزجر والعتاب واللوم".

أذان من مقام العجم


 


مقام الرست 

المقام السابع هو  مقام الرست، وهو كما قال خلة: "مقام شرقي وهو المقام الأساسي الذي يُشتق ويتفرع منه جميع المقامات الموسيقية التي تحتوي على أرباع الدرجات ، فكلمة الرست تعني المستقيم الحقيقي الذي لا اعوجاج فيه، وهو يبدأ من درجة الدو أو الرست وبالتالي يكون مفتاح السلم الموسيقى الخاص به : دو - ري - مي نصف بيمول - فا - صول - لا - سي نصف بيمول – دو".

واستطرد خلة: "يعتبره البعض المقام الرئيسي في الموسيقى الشرقية، ويعتبر أكثرها وضوحا في الشخصية، والمعبر عنها، ويعتبر من المقامات المفضلة لتلاوة الأذان لما فيه من وقار، وجدية وهو يعتبر مع البيات أكثر المقامات تطريبا".

ويُطلق على مقام الرست "ملك المقامات"، وشرح خلة السبب قائلاً: "لأن له قابلية قراءته قبل و بعد كل المقامات، ويمتاز بالأبهة والفخامة ".

مقام الرست للشيخ المصري عبد الفتاح الشعشاعي

 

 
مقام السيكا

أما آخر مقام هو السيكا، يقول خلة: "مقام السيكاه او السيجاه من أقدم المقامات الموسيقية الشرقية والسيكاه بالفارسية هي جملة مركبة من كلمتين الأولى سي بمعنى ثلاثة والثانية كاه ومعناها مقام"

وأضاف خلة: "أصله ومنشأه في العراق ودرجة بداية سلمه الأساسي ( مي ) سيكاه، دليل مقامة يلتقي مع دليل مقام الوسط ( رست ) ولذلك فهو يتكون من جنسين الأول سيكا والثاني رست".

وشرح خلة دلالاته: "هو مقام فرح وإجلال يمتاز بالبطء و الترسل وفيه شيء من الندب والشجون، يساعد على التفكر والتأمل بآيات الله تبارك و تعالى، وكثيرا ما يستخدم في تلاوة آيات القصص القرآنية و يدخل في عمق القلب ليفتح آفاقه للنظر في أحكام الآيات القرآني".

وأضاف: " يُطلق عليه مقام العشق، لأنه يؤدي معاني المحبة و العشق، ويستعمل في آيات تدل على المحبة، الوعيد و البشارة، المغفرة، صفات المؤمنين والمتقين، الفوز و الفتح و الفلاح، واستجابة الدعاء".

وقال خلة أن المقامات الأكثر شيوعاً في الآذان من المقامات الثمانية هي السيكا والرست والحجاز والصبا والنهاوند.

وأضاف: " وأيضا الكرد والعجم والبيات يتم الاذان فيها، ولكن يندر أن يؤذن أحد في غزة بهذه المقامات الثمانية"، مؤكداً أنه كان مؤذناً لمسجد الميناء بغزة وقام باستخدام المقامات الثمان في الآذان.


مقام السيكا بصوت الشيخ محمد رفعت


 



المقامات في غزة

 وحول تطبيق هذه المقامات في غزة، قال خلة: "طبعا لا يطبقه إلا من يفهمه ، وأعتقد أنه لا يوجد لدينا مؤذنين أصحاب خبرة في المقامات".

وأضاف: "الآذان في غزة إما رست أو حجاز أو سيكا فقط، ويتم بالفطرة دون علم ودراية بأصول المقام أصلاً وعلم المقامات، فمن المُتعارف عليه أنه لا يوجد لدينا شروط لاختيار المؤذن".

وتمنى خلة أن يتغير هذا الوضع قائلاً: "من النادر أن نسمع مؤذناً صاحب صوت جميل يأسر قلب الناس ويناديهم للصلاة حق النداء بصوته العذب، رغم أن النبي أوصى بصاحب الصوت الجميل".

التعليقات