"وجوه" لـ" الإعلام" تسلط الضوء على حياة الراحل أبو لبدة

رام الله - دنيا الوطن
 أعادت الحلقة الرابعة من سلسلة "وجوه" لوزارة الإعلام في محافظة جنين تتبع سيرة عمدة تجار جنين، الراحل عطا محمود أبو لبدة، الذي حرست ذاكرته حكايات الصيام في قرية صبارين قضاء حيفا، قبل أن تحولها العصابات الصهيونية لأثر بعد عين عام 1948.

وباح قبل أشهر من رحيله: كانت صبارين كبيرة في سكانها، وكنا نعتمد على ما نزرعه، ونربي الأغنام، وخلال شهر رمضان وغيره نأكل من خيراتها، ولم نكن نحتاج إلى حيفا إلا لشراء قمر الدين القادم من الشام، والعجوة التي تصل حيفا من العراق.

"هيطلية" ومؤذن

ووفق الراوي، الذي أبصر النور عام 1916، حين كانت الحرب العالمية الأولى مشتعلة، فإن صبارين كانت تحتفل على طريقتها بقدم شهر الصوم، فيبدأ أهلها قبل السحور بإعداد المجدرة ( العدس والأرز أو البرغل معا)، فيما كانت دواوين عائلاتها تشهد إفطارات جماعية، وسمر، وتزاور.

وأضاف: كانت (الهيطلية) والزلابية والفطير والبرغل الوجبات الشائعة في رمضان، فيما كانوا يسمنون الخراف لذبحها نهاية رمضان، ويعرفون توقيت حلول الشهر الكريم والعيد من الراديو الوحيد عند المختار مسعود عبد القادر.

وسرد أبو لبده، الذي رحل مطلع 2017: أتذكر مُسحراتي البلد، أسعد الحاج أحمد، فقد كان يحرص على إيقاظ كل الأهالي، وقبل حلول العيد، كان الناس يتسابقون لمنحه صدقة الفطر. أما أحمد الجاد وعلي العبد الله، فكانا يضاعفان من عملها في تجارة اللحوم، ويوم العيد يذبح معظم الناس الخراف.

واللافت في حكاية أبو لبدة، الذي تنقل في تجارته بين صبارين وجنين، ومسك حساباتها، وسجّل عوائدها، استذكاره لصوت المؤذن الشيخ موسى، الذي كان يصعد لسطح المسجد، وسط القرية، ويصدح صدى بنداء السماء إلى أماكن مجاورة. وسرد: في إحدى أيام رمضان، كنت بعيدًا عن البلد، وسمعت الأذان من مسافة بعيدة، فقد كان صوت الشيخ قويًا وجميلاً.

وأفاد: درست حتى الصف الثالث في بلدتنا المجاورة لحيفا، ثم بدأت أعمل في تجارة الحبوب والأبقار، وأسست دكانة في برطعة الشرقية قرب جنين عملت فيها عشر سنوات، ثم انتقلت إلى جنين عام 1960، وضمنت عدة سنوات "سوق الحلال" في المدينة، الذي كان مخصصًا لبيع المواشي، وموقعه بجوار كراج الناصرة  ثم "المسلخ".

عملات وحرب

بدأ أبو لبدة تجارته مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، وتعامل بالجنيه، والدينار العراقي؛ عندما كان المحاربون الذين أقاموا في جنين يدفعون به قبل النكبة خلال تواجدهم في المدينة، والدينار الأردني، والشيقل، والدولار، واليورو، مثلما كانت بضائعه شاهدة على الحرب العالمية الثانية، وثورة 1936، والنكبة التي تلتها بعد 12 سنة، والعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، وهزيمة 1967، وحرب رمضان 1973، واحتلال لبنان 1982، وحرب الخليج بنسخها المختلفة، والانتفاضات والهبات الشعبية عامي 1987، و2000.

ووالى: كانت البقرة الواحدة تُباع بثلاثة جنيهات بسعر دونم من الأرض، أما زمبيل التمر ( وهو مقدار يزن 28 كيلوغرامًا) فثمنه 25 قرشاً، وكانت الأصناف الدارجة قليلة، فالأرز والسكر من مصر، والتمر من العراق، والملح من حيفا، والزيت من نابلس، بينما اختفت عشرات السلع وطريقة الاتجار بها، فلم يعد الدبس والتمر والكاز وأكياس البطاطا ومستلزمات (وابور) موجودة، واختفت طريقة بيع السمن والطحينية، فكانت تأتي بعبوات كبيرة ويشتريها الزبائن بالمفرق، أما السلع الصينية فلم يكن لها أي ذكر.

ظل أبو لبدة يحن قبل مماته لصبارين وتجارتها وذكريات مدرستها وبيته وأرضه، وتذكر عمله في طفولته بحقل زيتون العائلة، وزواجه عام 1936، وفقده لأول ابن وابنه يرزق بهما بعد وقت قصير من ولادتهما في صبارين. ورحيل ابنه الوحيد عدنان عام 1998(عن 55 سنة)، فيما تسكن بناته الأربع الأردن، وصار اليوم الجد الرابع لأحفاد أحفاده.

بحر وخيول

وزاد: من العادات التي حرص أهالي صبارين عليها، ذهابهم إلى البحر في حيفا (يحتاج لنحو ساعتين سيراً على الأقدام) لغسل خيولهم بعد انتهاء مواسم الحصاد والبيادر، وكانوا يلهون هم أيضًا بالماء. فيما كانت جنين في الستينات جنة مليئة بالبساتين، والمياه، وبيارات البرتقال، ولم يكن فيها غير سبعة تجار، وسيارتين، ولم تكن الثمار تأتي إلى الأسواق إلا في موعدها، أما اليوم فانقلبت الدنيا.

وبحسب الموسوعة الفلسطينية، فإن صبارين نالت اسمها من نبات الصبار، وتقع جنوب حيفا، على بعد 35 كيلومترًا عن طريق مرج ابن عامر، وتعلو البحر بمئة متر، في الربع الجنوبي لجبل الكرمل، وفي منطقة محاطة بالجبال من جهاتها الأربع، وعلى رافد صغير من وادي الغدران ( أو وادي السنديانة، أحد روافد نهر الزرقاء). بينما يمر وادي المزرعة شمال القرية على المسافة السابقة نفسها تقريباً، واشتهرت بعيون الماء الكثيرة المتدفقة فيها، ومنها عين البلد وعين الحجة في شمالها، ومجموعة عيون وادي الزيوانية وعين “أبو حلاوة” وعين الفوار في شمالي الشرقي، وعين البلاطة وعين “أبو شقير” في شرقها، وعين العلق في جنوبها الشرقي وعين الخضيرة في جنوبها. وكان فيها 256 مسكناً بنيت من الحجارة، عام 1931.

 ووفق الراحل، كانت صبارين هي من قرى قضاء حيفا الأولى في عدد السكان ومساحة الأراضي. وقد بلغ عدد سكانها 1700 نسمة عام 1945. وكان فيها مدرسة ابتدائية واحدة للبنين. واعتمد أهلها على زراعة الحبوب والمحاصيل الحقلية وتربية الماشية. ولم يكن لزراعة الأشجار المثمرة أهمية، فيما دمرتها العصابات الصهيونية، وعام 1950 أسست مستوطنة زراعية باسم "عميقام" على بعد نحو كيلومتر جنوب القرية.

يُذكر أن وزارة الإعلام تخصص حلقات "وجوه" لإعادة كتابة ونشر سير ترك أصحابها بصمة في تاريخ محافظة جنين وحاضرها، في مختلف الحقول الإنسانية والإبداعية والنضالية.