الطبيب الحاج يحيى: صمّام الأمان

الطبيب الحاج يحيى: صمّام الأمان
 بثينة حمدان

توقف قلب شابة بريطانية (27 عاماً) عن النبض، وبدأت قطرات دماء تتسلل إلى الدماغ، وباتت طبياً حالة ميؤوسة، أحد أفراد الفريق الطبي أطل برأيه المعارض، وقرر أن يزرع لها قلباً، والمخاطرة بعملية جراحية للشابة الأم لثلاثة أطفال بدلاً من ترقب موتها.. وهكذا عاشت بقلب صناعي، عاشت الأم، ولاحقاً عاد قلبها الطبيعي إلى نبضه.. هذه ليست رواية بل حقيقة حدثت بفضل سليم الحاج يحيى؛ الطبيب الجراح الذي صار لمغامراته الطبية المدروسة وزن في بلاد الغرب؛ إنه ابن بلدة الطيبة في الداخل المحتل عام 1948، وسابقاً الرئيس التنفيذي لمشفى النجاح التعليمي وعميد كلية الطب، والطالب النجيب لأشهر جراحي القلب في العالم مجدي يعقوب. سليم هو زارع القلوب بتفاصيلها الدقيقة، قلب اصنطاعي بداخل قلب طبيعي، البارع في إعادة الحياة للقلوب الضعيفة، أما قلبه هو فقد أجمع زملاءه في فلسطين وبريطانيا أنه طبيعي 100%.. إنه الـProf؛ في حضوره صمام الأمان للطب في فلسطين، وفي غيابه يتبدى الخوف من نبض خافت، ومن هجرة العقول، أو إحجامها عن العودة إلى موطنها.. بأي قلب تعيش في الغربة؟ وبأي قلب نجازف في الوطن!!

فرحٌ يبدد النكسة!

إنها حرب الأيام الستة من عام 1967، وإنه في الطريق إلى العالم؛ تتنقل والدته فاتنة المعلمة من الطيبة إلى باقة الغربية في أجواء الحرب وارتباك باصات النقل، والجنين يهتز في رحمها، وفي الثلاثين من تموز جاء المولود سليم، ليكون فرحاً للعائلة بمولودها البكر، استقبال احتفالي لا يخلو من التهكم: "ابصر شو صار للولد من الرجرجة!" درس في مدرسة الطيبة الابتدائية، ثم التحق بمدرسة المطران في الناصرة، وهي مدرسة داخلية ارتآى والده محمد الحاج يحيى إرسال ابنه الشقي إليها حيث الضبط والربط، عدا عن تميز المدرسة أكاديمياً.

إنه ابن الذوات لكن حياته لم تخلو من الأشواك ما جعل لنجاحاته لذة، كيف لا وهو ابن رجل الاصلاح المعروف الذي يعمل مع الأحداث لتأهيلهم فلا يعودوا إلى الجريمة، إنهم برأيه ضحية الظروف، لذلك صنع والده ظروفاً تجعل أبناءه يعرفون قسوة الحياة؛ يعود من عمله فينزع ربطة العنق ويرتدي البسطار وملابس الفلاحة، يصطحب أولاده إلى الأرض، وفيها يبدأون عملاً شاقاً، والمنافسة لانجاز المهمة وصولاً إلى المكافأة، الجميع فائزٌ، لايفكرون بمن الأول، بل بماذا فعل الأخوة الثلاثة!

في الإجازة يرافق والده إلى المحكمة، تتناول أنامله الصغيرة بعض القضايا، مساعداً لوالده الذي أعد في الثمانينات أول رسالة دكتوراة تبحث في التمييز العنصري بين فلسطينيي ال1948 والاسرائيليين في المحاكم الاسرائيلية، وفي الطريق يستمع لوالده عن كيفية التعامل مع الأحداث وضرورة التواضع والانصات لهم جيداً. ومن المحاكم إلى مختبر الأبحاث، حيث فئران التجارب البيضاء التي شاهدها سليم (6 سنوات) لأول مرة مع والدته معلمة العلوم. إلتصقت التجربة به ونقلته لاحقاً ليصبح جراحاً مشهوراً ذي إسهامات علمية لها بصمة في تاريخ الطب.

"ضمير" المشاكس!

سليم الشقي ذكي أيضاً، لا حاجة لمراجعة دروسه، تكفيه الخمسة دقائق المتاحة بين الحصص لانجاز واجباته، وفي الصف لا يتوقف عن الحركة، فيباغته الأستاذ بسؤال عله يهدأ وينضبط، بينما يكون الجواب حاضراً فيتعظ الأستاذ وربما يحتضر! وما أن يصل البيت حتى يبدأ مشواره في اللعب المجنون. إخوانه يشاطرونه الذكاء؛ سامر وهو في الخامسة والعشرين كان يحمل سبع شهادات علمية، والمرحوم ساجي المهندس المميز، وراني المحامي لأهم الشركات في الداخل المحتل.

نعم في الحركة بركة ومشاكل سببها سليم؛ مرة تجده يتسلق شجرة الجوز العالية الواقعة عند منزل جده، ويفشل في النزول فيتجمع الجيران.. ومرة تلمع عيناه شراً حين يرى السيارة الأولى التي تطأ البلدة، ابتاعها والده عام 1976، وبلا تردد استقلها عابثاً فيها فبدأت تسير إلى الخلف، تركها قافزاً من النافذة عائداً إلى البيت، وكأن شيئاً لم يكن! فيما هرع أحد الجيران ليخبره والده أن السيارة اصطدمت بالسور وتوقفت وسط الشارع، وطبعاً اذا عرف السبب بطل العجب، إنه سليم الفاعل والذي أكل "قتلة" يتذكرها جيداً فيقول: "نعم كان يضربني"، يقولها بسعادة مقدّراً ذلك لأنه يستحق، بل إن "ضمير" سليم كان سيؤنبه لو اكتفى والده بالغضب! مع الضرب كان ينام وضميره مرتاح!!!

البدايات مع محفوظ.. وعمر المختار

يحب سليم أستاذ الفيزياء جورج حلو في مدرسة المطران والذي توفي صغيراً إثر نوبة قلبية، وأستاذ اللغة الانجليزية سليم أبو العسل، كانوا جميعاً "حارقين دمهم" على الطلبة ليستفيدوا ويتفوقوا، يحب حصص الرياضة وفيها يفجر طاقته، طاقة تختلف عن "الشيطنة" التي تبزغ دوماً وكأنها شمس أفريقية في منطقة آسيوية. يشارك أصدقاءه في ماراثون الناصرة؛ رائد زعبي وحبيب خوري، يبدأ الركض من هنا، ويتوقف صديقاه مكتفيان بغناء العتابا والميجانا، فيما سليم في الصفوف الأولى عاشقاً للألعاب التنافسية، إنه المتحدي الصغير..

في مدرسة المطران نشأ وعيه الثقافي والوطني، يشارك في أسبوع التراث ومحمود درويش، بل ويفتخر لأن استاذه للغة العربية شكيب جهشان هو أستاذ الراحل درويش، لا تخلو ساحة المدرسة من أغاني مرسيل وفيروز وجوليا بطرس. كان سليم في مجلس الطلبة، ومن النشاطات التي لا ينساها تنظيم رحلة للطلبة إلى سينما ديانا في الناصرة لمشاهدة فيلم عمر المختار (1981)، هكذا نما، بل وكانت القراءة التقليد اليومي للعائلة قبل النوم، أحب نجيب محفوظ وتأثر بكتاباته التي تصف الطبقات الفقيرة والمسحوقة، فتشكل وعيه واحساسه بها..

هل قلب الطبيب دليله؟

لم يكن للعواطف مكان في حياته المليئة بالمغامرات، كَبُرَ وتركزت اهتماماته في التعليم والنشاطات الوطنية أكثر فأكثر، الفتيات في حياته صديقات مهما حاولن تغيير ذلك، إحداهن فقط نجحت حين إلتصقت به وهي طفلة (5 سنوات) رافقت عمتها وهي معلمته في رحلة مدرسية، تعلقت بـ"أبو طاقية حمراء" ابن الثالثة عشر ربيعاً، وبعد سنوات وفي عامه الأخير في الطب وضمن نشاطاته في إرشاد طلبة الثانوية العامة المقبلين على الجامعة، كانت الطفلة لنا التي كَبُرت بين هؤلاء الطلبة، تصافحا، وبعد عام طلب الجلوس معها في بيت عمتها، تكرر اللقاء في اليوم الثاني، وفي الثالث تمت الخطوبة، وكان هذا أجمل ما حدث لسليم، فالصدفة واللقاءات الخاطفة نسجت العواطف في قلبه الرقيق الذي لمع مذ كان صغيراً ربما دون إدراك حقيقي لما سيكون ويبقى..

أصغر جراحي القلب

إلتحق سليم بجامعة التخنيون في حيفا، وأكمل سنة الامتياز في الطب في مشفى تل هاشومير، وهناك عمل وتدرب ساعات طويلة ليتميز وينافس الطبيب الاسرائيلي، أنهى تخصصه في جراحة القلب خلال خمس سنوات بدلاً من سبع، لكنه أكمل العام السادس كمتطلب للحصول على الشهادة، وفي الخامسة والعشرين كان أصغر جراح قلب في أراضي ال48. عمل في المشفى عاماً ونصف، ثم بدأ يبحث عن مكان أفضل ليتقدم في تخصصه. اختار بريطانيا حيث أهم مركز لجراحة القلب أسسه الطبيب العالمي مجدي يعقوب في مشفى برومبتون وهيرفيلد. غادر ومعه وعد من رئيس قسم الجراحة الاسرائيلي والذي يلقبه بالأمير العربي، بأن مقعده في انتظاره، لكن سليم رفع لنفسه بطاقة حمراء كي لا يعود تحت رحمة الاسرائيلي، ذاهباً إلى تحدٍ أكبر، ذهب إلى الإنجليز بعقله وقلبه...

من بريطانيا.. إلى العالمية

هاهو سليم؛ الطبيب الاستشاري العربي، لا يخجل من لغته العربية حتى في غرفة العمليات وبين الانجليز، بدأ رحلة شاقة باختيار مجالات طبية "قاتلة" لحياته الشخصية، منعشة لحياة الآخرين، عمليات تتطلب ساعات طويلة، إنه التخصص الاستثنائي؛ زراعة القلب والرأتين، وهو محور اهتمام الحكومة البريطانية، كيف لا وفيه فرص نجاة لمواطنيها. تنقل من طائرة إلى هليكوبتر بأنواعها وأحجامها، الخاصة والعسكرية، ليقتلع العضو من جسد ميت، ثم يعود ويزرعه في آخر ليعيش. سافر كثيراً وجاءه العديد من الأطباء ليدربهم على تقنية الزراعة، فيعودون ذوي اختصاص. لم يكتف بكونه جراحٌ شهير، بل وأكاديميٌ أيضاً، دمجٌ يأخذه إلى العالمية؛ فنسج علاقة مع جامعة امبيريال كوليج الأهم عالمياً في بحوث القلب والرئة، وقدم الشاب الثلاثيني عرضاً بتحويل ابحاثهم التي تعتمد على فئران التجارب، ليطبقها على أنسجة انسانية، والتي في متناول يديه كونه يعمل في زراعة الأعضاء، وهكذا قدم لهم طريقة موثوقة تحسن نتائج أبحاثهم. أصبح الجراح سليم أيضاً باحثاً كبيراً في الجامعة، وصار الـ Prof.

الـ Prof العالمي الوطني

بدأت اكتشافات الجراح سليم مع الجامعة البريطانية تضعه على خارطة العالم وتاريخ الطب، نجح في ابتكار أساليب جراحية جديدة، وأدوية اكتشف أن لها تأثير على القلب والرئتين، أنجز أربعين بحثاً كاملاً وعشرات البحوث القصيرة، نجح في استخدام القلب الصناعي قصير المدى لفترة أطول، لحين توفر قلب طبيعي وزراعته، نجح في اكتشاف تقنية اقتلاع القلب الصناعي دون فتح الصدر مرة أخرى عبر ثقوب صغيرة في الجسم. وهاهي عيونه تلمع وهو يحصل على زمالة الكلية الملكية للجراحة من لندن، الزمالة التي حصل عليها أستاذه يعقوب، وهي إضافة نوعية للجراحين الذين أحرزوا تطوراً نوعياً في الطب، كما حصل على زمالة من الكلية الملكية للجراحين من غلاسكو، إنه المستشار الذائع الصيت لوزارة الصحة البريطانية أيضاً، والذي أسس برامج متقدمة لجراحة القلب الاصطناعي وزراعة القلب والرئتين في دول العالم. وأصبح سليم بروفيسور "تشير" وهي أعلى درجة أكاديمية في زراعة القلب والرئتين في جامعة بريستول الانجليزية العريقة.. ومع هذا فقد ترك مشفى اليوبيل الذهبي الوطني وجامعة غلاسكو.. وبتشجيع من زوجته.. ملبياً نداء فلسطين!

انفصال اسكوتلندة.. استقلال فلسطين!

بين اسكتلندة وفلسطين قصة متشابهة؛ الأولى وهي احدى المقاطعات البريطانية الراغبة بالانفصال عن المملكة المتحدة، وكان عليها خلال أربع سنوات أن تثبت قدرتها في إدارة شؤونها والاستقلال، لاسيما في قطاع الصحة، وكان المدخل زراعة القلب والرئتين، وإنهاء ملف تحويل المرضى في هذا المجال إلى  لندن. استجلبت اسكتلندة عدة أطباء لقيادة هذا التغيير، لكنهم فشلوا، إلى أن وقع الاختيار على البروفيسور سليم الذي كان اسمه لامعاً أنذاك كما أخبرني زملاءه في بريطانيا، وفعلاً ترأس قسم جراحة القلب الوحيد في مشفى جولدن جوبلي؛ ثاني أكبر مشفى لجراحة القلب في بريطانيا والوحيد  المختص بزراعته في ولاية غلاسكو؛ العاصمة الاقتصادية لاسكتلندة. نجح في أول عملية زراعة قلب 2012، وحظي المشفى بزيارة ومباركة وزيرة الصحة الاسكوتلندية التي كرمت الطبيب سليم، واستثمرت قصة النجاح لتقول إن اسكوتلندة قادرة صحياً.

فلسطين أيضاً تحلم بالاستقلال، لذا استقطب سليم للنهوض بالقطاع الصحي ومساعدة مشفى النجاح التعليمي للانطلاق والمساهمة في تخريج اطباء قادرين على قيادة التغيير، وهكذا ترأس المشفى وعمادة كلية الطب، ونجحت تجربة زراعة قلب صناعي في فلسطين عام 2016 وهي الأعقد على الاطلاق كونها تتعلق بمريض على وشك الموت. دخلت فلسطين التاريخ الطبي، وبدأت الحكومة الفلسطينية تستغني عن التحويلات الطبية للمشافي الاسرائيلية، مما وفر تكلفة باهظة على الحكومة الفلسطينية.

اليوم وزيرة الصحة الاسكتلندية هي رئيسة الوزراء، ولم تنجح مساعي الاستقلال، نجحت الرؤيا وسقط الهدف السياسي، وفي فلسطين أصبح رئيس مجلس أمناء المشفى رئيساً للوزراء، وحين سقط المنصب بحكم التغيير، صار البروفيسور سليم ورقة التوت ربما.. التي عليها أن تسقط.. ولتسقط بعدها الرؤيا التنموية الصحية كلها لفلسطين!!

في "النجاح".. صور لا يمحوها الزمن

يبدأ يومه بابتسامة تبدأ من عامل النظافة، مروراً بالاداريين والطلبة والأطباء والمرضى، ولا تتوقف، يوزع الهدايا في المناسبات، يجتمع دوماً مع الفريق الطبي، لا يرفض زيارة مريض، بل "تشعر أن المريض سعيد بأن البروف سليم سيجري له عملية" يدخل العمليات على أنغام أحمد قعبور يعيد الحياة للقلوب، ولا تتوقف العلاقة بينهما، فهاتفه النقال حافل بالرسائل والاستشارات والفيديوهات التي لا ينساها لمرضى عاشوا وآخرين غابوا.. لم يخبرني سليم عن الأيام الطبية المجانية التي جاب بها مخيمات وقرى الضفة مع طلبته، والتي يزورها مرضى من كل الضفة ودبي والأردن وقطر.. ولم يتحدث بأي سوء عن أي شخص في المشفى رغم إقالته منها!!

شهادات...

الجراح أحمد الأعظمي البريطاني العراقي وأحد طلبة سليم قال: سليم شخص عادل وصارم، وفر لي الحماية كطالب، يتابع تطورنا بالتفاصيل، ويدافع عن المظلومين في رواتبهم، وهو بالعراقية "خوش رجال" ويحظى باحترام، شاهدت كيف قاتل وحارب كي يصل إلى ما هو عليه الآن وحظي بمعارضة، فلم تكن طريقه مفروشة بالورود، ويحسب له أن اسكوتلندة لم يكن فيها منظومة لزراعة القلب والرئتين، فهو من بدأ البرنامج من الصفر، كما أسس صندوق لدعم الطلبة الفلسطينيين لدراسة الطب والعودة إلى الأرض المحتلة. ولا ينسى الأعظمي أن سليم حين يكون في إجازة، يُكتب في ملف المريض: أنه متوفر للتواصل!!

وبرأي البروفيسور البريطاني بول والاس، أستاذ الطب في كلية لندن الجامعية، فإن سليم لم يكن فقط أبرز الاستشاريين في مجال الجراحة في جهاز الصحة البريطاني بل ومساهماً فيه عبر تأسيس عدد من العمليات المتقدمة في جراحة القلب الفاشل، الأكثر تعقيداً والأخطر في الطب عموماً، كما أنه أصغر طبيب استشاري بمنصب كبير في بريطانيا والذي أسس عدد من اللجان الاستشارية للحكومات البريطانية والسكوتلندية بشأن التبرع بالأعضاء وزراعتها. وشغل في وقت واحد عدة مناصب في جامعتي بريستول وغلاسكو، وحصل على زمالات نادرة ومرموقة تكريماً لاسهاماته الطبية. هو جراح مميز ومعروف وبروفيسور وذو قيمة كبيرة في المملكة المتحدة.

روان حمد مديرة مكتب البروفيسور في مشفى النجاح قالت: صنع مني شخصية مختلفة علمني التفاني في العمل، كنا نعمل 12 و14 ساعة، وحين يسافر لعائلته لا يتوقف عن ارسال المهام عبر البريد الإلكتروني، علمني كي أنجح أن لا أنظر إلا للهدف مثل الخيل الأصيل. هو انسان بكل معنى الكلمة، ومع أهل المريض المتوفي، يتأثر ويحزن لحزنهم ويحضرهم إلى مكتبه، انسانيته تفوق الوصف. أما رؤا ياسين التي عملت سابقاً في المشفى فلا تستطيع تخيل فلسطين بدون الجراح الذي ترك المناصب الكبيرة ليبني في وطنه، إنه الطبيب الذي ينتظر مرضاه بحب وفرح زيارته، واطلالاته الخاطفة والتي يتلمسونها حتى ليلاً.

 سليم العائد

البروفيسور سليم حين سألته: متى تحزن؟ قال حين تركت فلسطين آخر مرة بعد أزمة مشفى النجاح، بل ويذرف دمعة في كل مرة يغادر فيها سرير مريض وهو يعلم أن مؤشرات الموت أقوى من قدراته كطبيب. اليوم لديه عروض في اسرائيل وبريطانيا.. لكن بحثي المعمق على أنسجة قلبه جعلتني أقرأ رغبة عارمة في مكان يستطيع أن يُحدث فيه تغيير في منظومة صحية كاملة.. قرأت رغبته بالعودة، وسمعت صوته يقول في احتفال للجالية الفلسطينية في نيويورك مؤخراً وتساؤلاتهم عما حدث معه، قال: العودة إلى فلسطين حتمية، فلسطين بحاجة إلى أصحاب الأعمال والعقول.