"استراتيجية" الرد الفلسطيني!

"استراتيجية" الرد الفلسطيني!
«استراتيجية» الرد الفلسطيني !

مهند عبد الحميد

المبادرة الفلسطينية لعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب بهدف ترجمة قرارات قمة تونس السياسية والمالية كانت مهمة. والأهم هو توفير غطاء سياسي عربي جدي للموقف الفلسطيني من صفقة ترامب، لاسيما أن السيناريوهات المتوقعة هي. سيناريو أول: رفض فلسطيني للصفقة بعد إعلانها مباشرة. ورد فعل إسرائيلي بضم المستعمرات الإسرائيلية وإعلان السيادة عليها مدعما بتأييد إدارة ترامب للضم عقابا على الرفض الفلسطيني لها، وما يعنيه ذلك من إسدال الستارة على الفصل الختامي من العملية السياسية. سيناريو ثانٍ: يتحدث عن أهمية انتظار رفض إسرائيلي لبنود في الصفقة يقابله رفض فلسطيني لبنود أخرى ومحاولة جسر الهوات بين الرفضين من قبل إدارة ترامب. 

السيناريو الثاني هو أقرب للموقف الرسمي العربي وللموقف الأوروبي وهو يتيح لترامب ادعاء صناعة إنجاز، ويتيح لنتنياهو ولائتلافه الحكومي الجديد تكريس عناصر الصفقة على الأرض وتحويلها إلى أمر واقع كشطب القدس واللاجئين والدولة الفلسطينية وتثبيت المستعمرات والسيادة الاسرائيلية. 

ولهذا السبب تبرز الحاجة الفلسطينية إلى تحضير العامل الذاتي القادر على الفعل والتأثير والصمود. 

أولاً: الوضع الداخلي الفلسطيني بحاجة إلى هدنة داخلية توفر الطاقة والجهد المبذولين في الصراع الداخلي، وتوظفهما في الصراع مع المشروع الأميركي الإسرائيلي وهو في أوج اندفاعته. إن أهم عنصر في استراتيجية الرد الفلسطيني على الصفقة هو التأكد من عدم ضلوع أي طرف فلسطيني في صفقة ترامب نتنياهو سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. 

فالقلاع لا تسقط إلا من داخلها «قول مهم كان يردده الشهيد أبو علي مصطفى يلخص خطورة اختراق الجبهة الداخلية. هذا يحتاج إلى إعادة النظر في العلاقات الداخلية بشكل عام وفي العلاقة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإلى بناء جبهة متحدة في مواجهة خطر داهم.

الجبهة المتحدة تنطلق من المصلحة المشتركة في إفشال الصفقة بعناصرها المعبر عنها في قرارات ترامب أو التي في اعتمادها، وجميعها متناقضة مع مصلحة الشعب الوطنية، ولا تلبي  في بعض أجزائها الفرعية إلا مصلحة الوكلاء العلنيين والمستترين، وشريحة ضئيلة من المنتفعين، وفتات آني – رشوة - للمعذبين في هذا الوطن.

وهذا يعني أن الحسبة الإجمالية تقول إن مصلحة السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني داخل وخارج الوطن تتضرر بشدة من مشروع الصفقة، ما يستدعي البحث في سبل اتحاد السواد الأعظم ضد الصفقة، باعتباره مهمة أولى راهنا. ولا شك أن الاتحاد المرجو والمنشود يصطدم بالفئوية المستفحلة داخل الحركة السياسية. 

فهل يمكن إزالة هذا العائق بتحييد الفئوية التي تغلب مصلحة التنظيم السياسي ومصلحة قياداته على حساب المصلحة الوطنية العليا. 

ثمة حاجة إلى تغيير في إدارة والخلاف وفي اعتماد ديناميات النجاح كبديل لديناميات الفشل التي تنتمي إلى العصبيات القديمة والمصالح الضيقة.  

تمتع الشهيد ياسر عرفات بمرونة تسامحية كبيرة مكنته من النجاح في تحقيق وحدة الشعب، وتمتع نيلسون مانديلا بحكمة المناضل المجرب مكنته من لعب دور المايسترو للشعب والحركة السياسية في مواجهة نظام الأبرتهايد في جنوب إفريقيا. 

نحن الآن بحاجة إلى جهود كل الحكماء والخبراء، بحاجة إلى خبرة وضمير قادة مناضلين في السجون، لإنجاز مهمة جبهة متحدة ضد الصفقة، بحاجة إلى مبادرات وإنجازات صغيرة وكبيرة قبل فوات الأوان. 

ثانيا: تفعيل الوضع العربي الرسمي ووضعه أمام مسؤولياته ومطالبته بتنفيذ قرارات هيئاته، لا يستقيم دون تفعيل الوضع العربي الشعبي - قوى وأحزابا واتحادات مهنية ونقابات ومنظمات نسوية ونخبا ثقافية وأكاديمية وقانونية وإعلامية وحركات اجتماعية -. والاستنجاد بالانتفاضتين الشعبيتين الجزائرية والسودانية وقياداتهما. التفعيل قد يكون بمبادرات عربية شعبية، وقد يكون بمبادرات فلسطينية. المطلوب من الاتحادات العمالية الفلسطينية المبادرة إلى أنشطة مشتركة مع الاتحادات العربية، الشيء نفسه ينطبق على اتحادات الكتاب والصحافيين والمحامين والمعلمين  والفانين والمرأة والشباب. 

إذا لم تبادر الاتحادات الشعبية الفلسطينية بأنشطة خاصة ومشتركة مع الاتحادات العربية فإنها تفقد مبرر وجودها. 

مطلوب وضع الخطط والشروع بممارسة الضغوط قبل وأثناء وبعد الإعلان عن الصفقة. إن اختراق الصمت والتأثير في الحدث هو الهدف.  

ثالثا: منذ فترة طويلة نسبيا، غابت القضية الفلسطينية كحدث في وسائل الإعلام، ومع اشتداد الخطر، استمر الغياب بوتائر أقل. 

وإذا كانت معارك اليوم تبدأ وتنتهي بالإعلام، فإن المؤشر الإعلامي يشي بعدم وجود معركة.  إن غياب فلسطين من الإعلام العربي لحظة التحولات العاصفة يعني همود المعارضة والاعتراض على السياسة الأميركية الإسرئيلية. 

الغياب الإعلامي يترافق مع غياب الاحتجاج الشعبي. إزاء ذلك ماذا يفعل الإعلام الفلسطيني المرتهن في دائرة الولاء والموالين الضيقة، ولماذا لم يخرج إلى العالم الرحب للقضية وتفاعلاتها المحلية والإقليمية والدولية، لماذا لا يبادر إلى برامج وتغطيات وأنشطة مشتركة. 

لماذا لا يتدخل الخبراء الإعلاميون لدى اللجنة الدائمة للإعلام العربي، واتحاد الإذاعات العربية في وضع خطط وبرامج تتصدى للاستباحة الأميركية الإسرائيلية ؟ 

لماذا يروج الإعلام الفلسطيني لنوع من الخطاب السياسي الهابط دون نقد، لتكون النتيجة خطابا إعلاميا هابطا. 

على سبيل المثال يقول قيادي فلسطيني: «الأمور قد تتوتر، والسلطة قد تنهار، وإسرائيل قد تعيد الاحتلال بشكل كامل»، وسنقطع كل علاقاتنا مع إسرائيل، إذا ضمت أجزاء واسعة من الضفة». ويقول قيادي آخر: «إن حل الدولتين انتهى منذ زمن على الأرض» وخطة الدولة الواحدة ما زالت مطروحة في مخيلة القيادة الفلسطينية» والمفاوضات لن تستأنف في عهد الرئيس عباس. 

هذا النوع الكئيب والمحبط من الخطاب السياسي يروج دون نقد. ما أود قوله لا نستطيع بهذا النوع من الخطاب السياسي والإعلامي الضعيف والمكرور أن نتصدى لصفقة القرن، ونحتاج إلى تغيير قبل فوات الأوان. 

رابعا: يتأسس مشروع ترامب نتنياهو – الصفقة - على شطب القانون والاتفاقات والمعاهدات والقرارات الدولية، واستبدالها بشريعة الغاب وغطرسة القوة. 

ويشكل هذا تحديا للأكثرية الساحقة من دول العالم وكل شعوبها. لم تخض معركة الدفاع عن القانون الدولي بالاحتجاج ورفع قضايا وممارسة ضغوط والاتحاد من أجل السلم العالمي. 

لا توجد معركة قانونية تدعو إلى محاسبة الخارجين عن القانون، لم نسمع بمذكرات احتجاج وبعرائض وبضغوط تمارس على تحالف ترامب نتنياهو وتدعو إلى محاسبتهما. 

مجمل القول إن الاستعدادات ضعيفة وبحاجة إلى مضاعفة الجهود وتغيير الخطاب السياسي والإعلامي والأساليب. 

[email protected]

التعليقات