خُرافةُ البُعبُعْ و صفقةُ القرن

خُرافةُ البُعبُعْ و صفقةُ القرن
خُرافةُ البُعبُعْ و صفقةُ القرن

بقلم د.وليد القططي

البُعبُعُ صورةٌ خياليةٌ لكائنٍ مُخيف، قد يكون حيوان متوحش، أو غول مُرعب، أو وحش بشع، أو مخلوق مشوّه، أو موجود مسخ، أو شبح بدون ملامح. يُعتقد أنه يعيش في الأماكن المهجورة والخربات المتروكة، أو في الدروب المعتمة والأزقة المُظلمة، أو في كهوف الجبال ومجاهل الغابات، أو في أعماق الصحراوات وأغوار الوديان. ولا يوجد للبُعبُع صورة مُحددة وملامح معروفة، فكل إنسانٍ يتخّيلُه بالصورة التي تُصورها مخيلته، وكل شعبٍ يتوّهمهُ بالرسم الذي أوحته ثقافتهُ. ويُوّظف البُعبُعُ لتخويف الآخرين أفراداً وجماعات، كرمز للخوف الوهمي المجهول، ولكن استخدامه وظيفياً للتخويف تجاوز المستويين الفردي والجماعي إلى المستوى السياسي، لتخويف الشعوب والأمم نفسياً من عدوٍ حقيقي أو وهمي، ليوظف البُعبُعُ السياسي كميكانزم فعاّل في الحروب النفسية بين الأمم.

البُعبُعُ في صورته السياسية يُعبَر عنه باستراتيجية الرعُب التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني لفرض إرادتهما على العرب والمسلمين، بهدف الحاق الهزيمة النفسية بالأمة قبل إلحاق الهزيمة العسكرية بها، ومن ثم فرض الإرادة السياسية عليها، فاخترعت (اسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر) كبُعبُعُ تُهزم أمامه الجيوش العربية نفسياً قبل أن تُهزم في ميادين المعارك. وهي نفس الأسطورة أو الخُرافة التي صنعتها أمريكا حول داعش ككيان مسخ، وتنظيم متوحش، وبعبع مخيف، لتحقيق المصالح الصهيو أمريكية في المنطقة. ولا يبعُد عن ذلك اختراع خُرافة (البُعبُعُ الإيراني)، العدو الوهميِ البديل للعرب، انتاج امريكي إسرائيلي مشترك تم تصديره وبيعه للعرب كمنتجٍ رديء ومُخرجٍ ركيك؛ لإيجاد عدو للأمة من داخلها، واستبدال العدو الحقيقي (إسرائيل) بعدو وهمي (إيران)، للتطبيع والتحالف مع العدو الحقيقي، والصراع والتخاصم مع العدو الوهمي. 

خُرافة البُعبُعُ المُوظفة في السياسة الصهيو أمريكية كاستراتيجية للرعب، هدفها إبقاء حالة الهزيمة النفسية للعرب، لضمان وجود وأمن واستقرار (إسرائيل)، وآخر نماذجها هو بُعبُعُ (صفقة القرن) المُنتظرة، صفقة القرن كمشروع سياسي مسخ بدون ملامح واضحة إلاّ ملمح تثبيت وجود الكيان، وخطة استعمارية مشوّهة بدون معالم مُحددة إلا معلم شرعنة وجود الكيان، هي بُعبُعٌ  لتخويف الشعب الفلسطيني والعرب كما كان البُعبُع في التراث الشعبي لتخويف الأطفال وأحياناً الكبار، وهي رمز لذلك المجهول المُخيف والمصير غير المعروف، الذي ينتظر الشعب الفلسطيني، هدفها شل قدرة الشعب الفلسطيني على المواجهة والمقاومة، وإبطال قدرته على مواصلة الثورة والتحرير، تحت تأثير فعل الانتظار السلبي لما يُريد الآخرون أن يفعلوه به، والآخرون هنا هم العدو الصهيوأمريكي، آخر تجليات المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني المشترك مُجسّداً في صفقة القرن.

صفقة القرن ليست أكثر من امتداد لسلسلة طويلة من تحالف المشروعين الاستعماريين-الغربي والصهيوني- ابتداءً من وعد بلفور سنة 1917، وانتهاءً باتفاقية أوسلو سنة 1993، ومروراً بصك الانتداب، وقرار التقسيم، وإعلان دولة (إسرائيل) واتفاقية كامب ديفيد، وكل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، وصولاً إلى آخرها المسماة بـ (صفقة القرن)، وهي ترتكز على محورين: الأول تصفية القضية الفلسطينية، وقد بدأ هذا المحور بالفعل عندما أعلن ترامب اعترافه بالقدس عاصمة للكيان، ونهاية حل الدولتين، وإلغاء حق العودة، وتأييده لبقاء المستوطنات في الضفة، وتحدث عن السلام الاقتصادي... والمحور الثاني هو شرعنة ودمج (إسرائيل) في المنطقة، عن طريق ما يُسمى بالسلام الإقليمي المرتكز على المشاريع الاقتصادية والتطبيع والتحالف بين الأنظمة العربية والكيان...وهي تنسجم مع ثوابت السياسة الامريكية في المنطقة العربية والإسلامية المرتكزة على حماية وضمان وجود وأمن (إسرائيل)، ونهب ثروات العرب، وتجريدهم من مصادر قوتهم. 

صفقة القرن ليست قدراً لا فكاك منه، وليست بُعبُعاً لا مهرب منه، فهي مشروع سياسي استعماري سبقته مشاريع أكثر خطورة منه، والشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم يمتلك كلمة السر التي بإمكانها إبطال مفعول الصفقة وتبديد وهم البُعبُع، وكلمةُ السر هي قول كلمة (لا) ورفض صفقة القرن التي لن تمر بدون الشعب الفلسطيني، وستظل حبراً على ورق مهما أُوتيت من مفاتيح القوة الأمريكية، ومُعطيات الأمر الواقع الإسرائيلية، ولن تكون أكثر من وجود (إسرائيل) كواقعٍ باطل على الأرض الفلسطينية، والمستوطنات كحقيقة مزّورة فوق التراب الفلسطيني، فالصفقة الصهيوأمريكية لن تعُطي الكيان الصهيوني أكثر مما أخذ منّا بالقوة، و ما أعطاه بعضنا في غفلةٍ من الزمن وغفوةٍ من التاريخ.

واسترداد ما أُخذ منّا بالقوة، وما أعطاهُ بعضُ المخدوعين وقليلٌ من المتآمرين بالحيلة، وما يخطط لآخذهُ في خُرافة البُعبُع المسماة صفقة القرن، لا يمكن استرداده إلا بالرفض الشعبي؛ والرفض هنا ثورة، والثورة هي حياة الشعوب الحرة المظلومة، وروح الأمم الأبية المستضعفة، والثورة تعني التمسك بحقوقنا الوطنية الكاملة في تحرير فلسطين والعودة إليها، وتعزيز عناصر قوتنا الكامنة في الصمود والمقاومة، ويتبع ذلك الخروج من مأزقي أوسلو والانقسام، وإطلاق مشروع مقاومة شامل يتم من خلاله سحب مكاسب الاحتلال بعد أوسلو، ورفع كُلفة الاحتلال، وتعميق مازق الكيان الأمني والوجودي حتى بشرى النصر ووعد الآخرة.

التعليقات