في حالة "اللا-نظام" العربي

في حالة "اللا-نظام" العربي
كتب عريب الرنتاوي

ليس ثمة من حاجة للبرهنة على أن جامعة الدول العربية كفّت عن أن تكون إطاراً فاعلاً للعمل العربي المشترك، ورمزاً لنظام عربي نشأ على تخوم الحرب العالمية الثانية، وظل مذ ذاك الحين، بلا قيمة وفاعلية وحراك ... هذا الإطار الإقليمي الأقدم، تقادم وبات رمزاً للفشل والتفكك، بدل أن يكون رافعة للوحدة والتقارب والمصالح المشترك.

الشيء ذاته ينطبق بالدرجة ذاتها على "الأطر الإقليمية العربيةSub-Regional Organizations -"، من مثل مجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون المغاربي ومجلس التعاون العربي، فالأول انتهى باندلاع الأزمة الخليجية قبل عامين، وهو كان مفخخاً بالخلافات بين دوله الثرية الست، والثاني ترنح على وقع الصراع الجزائري المغربي لتطوى صفحته باندلاع الأزمة الليبية، أما الأخير، فسقط قبل أن يرى النور، حين قررت إحدى دوله الاعضاء اجتياح الكويت في العام 1990، وبقية التطورات في مصر واليمن والعراق منذ ذلك الحين، باتت معروفة.

اليوم، تتفاعل في العالم العربي سلسلة من المحاولات لتشكيل أطر مؤقتة أو دائمة: التحالف العربي في اليمن، والذي انتهى فعلياً إلى تحالف سعودي إماراتي يستبطن خلافاً في الأولويات وتنافساً على الأدوار ... الرباعية العربية التي تضم مصر إلى جانب كل من السعودية والإمارات والبحرين، وهو تحالف نشأ أساساً حول قضية واحدة: العداء للإخوان المسلمين وداعميهم العرب والإقليميين، قطر وتركيا ... وثمة إرهاصات لبلورة إطار ثلاثي مصري أردني عراقي، ينهض أساساً على أنابيب النفط والغاز والحرب على الإرهاب ... وثمة حديث عن "ناتو عربي" في مواجهة إيران أساساً، بقيادة أمريكية تسعى في إدماج إسرائيل كعضو غير مشارك، إن تعذر أن تكون عضواً مشاركاً، وثمة معلومات غير مؤكدة يجري تداولها، تفيد بأن مصر قررت الانسحاب من هذا التحالف، ونتمنى أن يحذو الأردن حذوها إن صحت الانباء، فقضية الناتو العربي ليست قضيتنا ولا هي مدرجة على رأس جدول الأولويات والتهديدات التي تواجه الأردن.

العالم العربي، يعيش حالة مخاض وانتقال صعبة، مديدة ومريرة ... لكل دولة من دوله جدول أعمال مزدحم بأولويات مختلفة ... عمليات الانتقال التي بشّر بها "الربيع العربي" ما زالت متواصلة، والموجة الثانية من ثوراته ضربت السودان والجزائر، وثمة دول أخرى تنتظر، وأوضاعها الداخلية حبلى بالثورات والمفاجآت ... ومن نافل القول، أن مستقبل العمل العربي المشترك، على المستوى القومي الشامل أو على مستوى "المجموعات والمناطق الإقليمية الفرعية" سيتوقف على طبيعة الحراكات الداخلية ومستقبل النظم الحاكمة في العديد من الدول والأقطار العربية.

نفكّر أحياناً بنظرية "القاطرة"، وهي نظرية تفترض قيام مجموعة من الدول العربية، وإن كانت قليلة العدد، وليس شرطاً أن تكون متصلة جغرافياً، بقيادة العالم العربي نحو ضفاف أخرى ... لكننا نعجز عن تسميتها، بغياب "المعايير" التي يمكن الاحتكام إليها في اختيار هذه الدول، سواء على المستوى الداخلي: الحكم الرشيد، الحريات والحقوق، تداول السلطة ... أو على المستوى الخارجي: "احترام قواعد وستفاليا" بما هي احترام للسيادة والوحدة الترابية وعدم التدخل ... يصعب أن تتحدث عن قاطرة، طالما أن كافة المشاريع الإقليمية تضع لنفسها أهدافاً سياسية كفيلة بتعميق الانقسام وزيادة حدة التوتر، بدل أن تكون إطاراً جامعاً وبداية لعمل عربي مشترك مختلف، أشير هنا إلى مبادرة "غاز شرق المتوسط" التي استوعبت إسرائيل ولفظت تركيا، أو مشاريع أمن البحر الأحمر، المصممة أساساً ضد إيران وتركيا، حتى وإن لم تضم إسرائيل في عضويتها رسمياً.

والخلاصة أن سفينة العمل العربي المشترك والنظام الإقليمي العربي، لن ترسو على بر الأمان، قبل أن تُلقي سفن الانتقال في الدول العربية مراسيها على شواطئ الحرية والديمقراطية و"العقلانية.

التعليقات