تميمة: أول الأسيرات و"التهمة" عَلَم

رام الله - دنيا الوطن
أعادت الحلقة (114) لسلسلة "أصوات من طوباس" لوزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية سيرة أول أسيرة في المحافظة بعد نكسة 1967. وروت تميمة مرسال دراغمة فصول تجربتها في سجن نابلس المركزي.

وباحت: في 27 أيلول 1983، اقتحم جنود الاحتلال منزل عائلتي، واقتادوني إلى السجن في عز الظهيرة، ولا أنسى ملامح الجنود الخمسة والمجندة السادسة، والضابط الضخم وصاحب الرأس الكبير. ويومها فتشوا بيتنا، وطلبوا مني أن أدلهم على "الكتب التنظيمية الممنوعة"، فضحكت وأجبت: أي كتب، وأي تنظيمات؟ ثم وصفوني بـ" المشاغبة، التي أهانت دولتهم، وتشكل خطرًا، ويجب أن تعتقل.

ولدت دراغمة عام 1958، وسُجلت في الوثائق الرسمية بدل أختها التي أبصرت النور في 20 نيسان 1956، وتوفيت وهي رضيعة، ولا زالت تستذكر قبل اعتقالها، مشهد مساعدتها في إخفاء الشبان، الذين لحق بهم جنود الاحتلال، وحين أصروا على تفتيش المنزل، طلبت منهم "إذن تفتيش"، فاعتدوا على شقيقها، ومنعت الجنود من ضربها، ودافعت عن نفسها.

وتابعت: قبل أيام من اعتقالي، وقعت حادثة لا ينساها أهالي المدينة، فوقتها صعدت إحدى الفتيات لمركز شرطة الاحتلال، متسلحة بعلم فلسطيني وشعلة نار، وأنزلت علم الاحتلال وأحرقته وألقته في ساحة المركز، ووضعت علم فلسطين، واختفت وسط إطلاق نار وهتافات الشبان وتكبيرهم.

راية ومحققون

ووفق الراوية، فقد حاول المحققون إلصاق تهمة حرق العلم وإهانة إسرائيل بها، وركزوا عن معرفتها بالفتاة، فردت عليه، بأنها لا تعرف أكثر من الدولة. ولاحقًا، شهد اثنان من مركز شرطة الاحتلال بأنها فارسة العلم، لكن أفادتهما تضاربت.

ووالت: ضربني الجنود لأنني وضعت رجلاً على رجل، ولم أكترث بهم. بعدها، شتموني، وضربوني، وبخاصة الضابط السمين، ولما وصلت السجن التقيت بغادة المدموج، وهيفاء المعاني، من نابلس وهيفاء دعيبس من الزبابدة، وأثار وجود معتقلة مجهولة شقراء بيننا الشك، فهي لا تتحدث العربية، وقد تكون روسية من شكلها، واتفقنا ألا نذهب للنوم معًا، وأن تبقى واحدة منا يقظة في مناوبة يومية؛ خشية من الأجنبية.

وزادت: كنا في غرفة ضيقة في سجن نابلس، ولم تتجاوز الثلاثة أمتار للطول والعرض، والحمام الداخلي، وتلاصقها غرفة للسجانات، والأغرب والذي كان يثير ضحك الأسيرات كلما دخل جنود الاحتلال لعدنا، وجود ثلاثة أبواب متجاورة للغرفة، يفصل كل واحدة منها حائط وممر ضيق.

وأضاف: كنا ننفجر من الضحك، عندما يقفلون الأبواب الثلاثة، ثم يدخلون لعدنا، وحين كانوا يصلونا نضحك فيسألوننا عن السبب بطريقة غريبة، ونرفض الإجابة، وكأنهم يعتبروننا قوة خارقة، ستطير من خلف الجدران والحديد.

أسيرة وعروس

وباحت دراغمة بأساليب التحقيق، وأبرزها الشبح على الكرسي، ثم الدفع به بقوة ليسقط ويقع الجالس عليه. ولا تنسى تفاخر السجانة باتيا بشعرها الساحل ووجها الأسمر وأصولها العراقية، وحرصها على نقل أخبار الحرب العراقية- الإيرانية للأسيرات، والطلب منهن التعاطف مع الرئيس صدام حسين، والدعوة بأن تكسب بغداد الحرب.

وبحسب الراوية، كانت جولات التحقيق طويلة في النهار، زكن يحصلن على استراحة خلال الليل. أما الفطور فبيض مسلوق والقليل من اللبنة وخبز (الفينو)، وكان الغداء مقرفاً وبكميات قليلة، ولم يكن هناك طعام عشاء. واتفقنا الأسيرات ألا يتحدثن بأي شيء له صلة بالسجن، وأن يتذكرن القصص الطريفة التي مررنا بها في مدرستهن.

وقالت: تضامنا كثيرًا مع زميلتنا في الغرفة، هيفاء ادعيبس، التي اعتقلوها بعد 4 أشهر على زفافها، أما الأكثر قسوة خلال التحقيق، وضع جهاز تسجيل في غرفة مجاورة يبث أصواتًا لنساء يمثلن أنهن تعرض للاغتصاب بعد رفضهن الاعتراف.

وأكملت: بعد شهر من التحقيق، قدموني للمحكمة، وأفرجوا عني، ووصلت إلى كراج السيارات، ولم يكن في جيبي قرشًا واحدًا، فطلبت من السائق نقلي، على أن أدفع له لاحقًاً، فقال: نضعك على رأسنا، دون أجر.

السجن.. المدرسة

واستنادًا إلى دراغمة، فقد كانت والدتها (صبحة) في الحج خلال اعتقالها، وعاتبتها لدخول السجن، ورفضت استقبالها، فقالت لها: "السجن مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق"، وأخبرتها بأنها لم تعتقل لقضايا مسيئة، بل لأجل الوطن، فاحتضنتها. لكنها احتاجت وقتًا طويًلاً بعد الحرية لاستعادة رفقتها بصديقاتها، فقد ضغطت عليهن أسرهن للابتعاد عنها؛ كي لا تتسبب بسجنهن.

كانت أول أسيرة في طوباس مربية أطفال في روضة عقابا، ونشطت في لجان المرأة العمل الاجتماعي، وتقدمت للثانوية العامة عام 1977، والتحقت انتسابًا بجامعة بيروت العربية، ودرست التاريخ، وكانت تقدم امتحاناتها في الجامعة الأردنية، إلا أن الاحتلال رفض السماح لها بالسفر في سنتها الأخيرة، وحاولت التسجيل في "القدس المفتوحة" إلا أن عدم احتساب أي ساعة من سنوات الثلاث جعلها تعدل عن قرارها.

 ثم التحقت بجمعية طوباس الخيرية، وانتقلت للعمل في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين. وأخفت خبر اعتقالها عن أولادها منار (29 عامًا)، وأنصار (27) وجهاد (24)، ولم يعرف ابنها أنها أسيرة إلا في المدرسة بعد سنوات عديدة، يوم ضبطه مديرها يشعل سيجارة، وبعد أن عرف من هي والدته قال: أرفع رأسك أنت ابن مناضلة. 

وقبلها اقترنت بجمال أحمد دراغمة، الذي تعرض للاعتقال الإداري ثلاث مرات، ورزق بأطفاله وهو في معتقل (ـنصار 3) الصحراوي.