الحكومة التي لا تمثلني

الحكومة التي لا تمثلني
الحكومة التي لا تمثلني
بقلم/ شفيق التلولي

عزيزي القارئ: 

قبل أن تقرأ هذه المقالة، عليك أن تعي بأن كاتبها لا يجيد السعي إلى السلطة، ناهيك عن أنه محظور من الوصول إلى رام الله، غير مرات محدودة لا تتجاوز أصابع كف اليد الواحدة على مدار ما يزيد عن خمسين عاماً، عاش خلالها أكثر من عشرة أعوام في مدينة العيش الرغيد، وفي جسده أثر من نار أشعلت وما زالت خيوط الفرقة والشتات.

وأما بعد، 

رأيته لأول مرة يمشي على قدميه في أحد شوارع مدينة رام الله، بينما كنت متجهاً لبيت أحد الأصدقاء؛ تلبية لدعوته لتناول طعام الغداء، ربما ذلك المشهد لا يبدو غريباً بالنسبة للمقيمين هناك، لكنه بعث في نفسي الطمأنينة؛ وأنا القادم من مدينة غزة التي يلفها الظلام، ويكثر فيها صوت الطائرات والزنانات والدراجات النارية وصوت صافرات الإسعافات وضجيج السيارات القديمة والفارهة منها، المفيمة والمدججة.. إلخ.

المرة الثانية التي رأيته فيها كانت أثناء انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح، وكنت كعضو في ذاك المؤتمر أتوق للاستماع لهذا الرجل الذي لم أره غير مرة يتيمة على قارعة الطريق، لم يتخللها سوى أنني ألقيت عليه التحية، فرد مبتسماً بأحسن منها، ولا أظن أنه كان يعرفني آنذاك، وللحظة ظننت أنه مثل هؤلاء الذين يستهوون المشي الرياضي في مدينتنا؛ كي يستريحوا من عناء السيارات الثقيلة، لكني فهمت أنه عائد من أداء صلاة الجمعة إلى بيته حيث رأيته.

كنت أنتظر مداخلته من على منصة المؤتمر، وهو الخبير الاقتصادي المعروف، ويحتاجه كل من ينتظر راتبه نهاية كل شهر، والخطيب المثقف والمفوه الذي يعرف مخارج الكلم ومآلات الحديث الذي يشد كل مستمع يتوق إلى أن يرى كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية "فتح"، وهي ترتدي ثوبها الجديد في محطة من محطاتها التاريخية، وما أن انتهى من مداخلته حتى أدركت ثراءه المعرفي الذي يؤهله لعضوية اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، الأمر الذي دعاني كغيري من أعضاء المؤتمر لانتخابه لقيادة هذه الحركة الكبيرة، وقتئذٍ بدأت أتعرف إليه دون الخوض عميقاً في سبر أغوار هذا الرجل، وسررت بفوزه في تلك الانتخابات بعضوية اللجنة المركزية.

أما المرة الثالثة التي رأيته فيها، فكانت خلال انعقاد الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني، وكذلك الحال انتظرت مداخلته القيمة والثرية أيضاً، وكانت تفوق مستوى ما توقعته ويتوقعه كل من يؤمن بقدراته، وتمنيت أن يكون ضمن أعضاء اللجنة التنفيذية المتوافق عليهم؛ كي أحظى كعضو مجلس وطني بشرف التصويت له، فكنت أرى فيه خير من يمثلني كواحد من معشر الكتاب والمثقفين.

والمرة الأهم وهي التي لم أره فيها كما رآه زملائي أعضاء الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين وهيئته العامة من الكتاب والأدباء الأعضاء في الضفة الغربية، حيث رافقهم في رحلة الكتاب التي نظمتها الأمانة العامة للاتحاد بالتزامن في كل من قطاع غزة والضفة الغربية وداخل فلسطين المحتلة، إذ كان قد رعى تلك الرحلة النوعية للاتحاد، يومها حثنا على إطلاق كتاب عقب انتهاء الرحلة يشتمل على كتابة رسالة أدبية لكل كاتب مشارك في الرحلة؛ وذلك إحياء وتعزيزاً لجنس الرسالة الأدبية وتكريساً لمكانتها وأهميتها -كما قال وقتئذٍ-، وحينذاك علمت أنه عضو في اتحاد الكتاب، وحيث إنني عضو في أمانته العامة؛ شرفت بالتواصل معه؛ لتنسيق وترتيب وتنظيم هذه الرحلة حتى تمت بنجاح، وزادت ثقتي به وبجديته وصدقه، والتزامه بكل ما ترتب على ذلك العمل الثقافي الهام.

كل ذلك وأكثر ما يتمتع به الدكتور محمد اشتيه رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني الجديد من سجايا حميدة، ما جعلني أؤمن أن حكومته قادرة على تحمل أعباء المرحلة الراهنة والصعبة، وأعتقد أنه سيعمل جاهداً على تحقيق ما حمله كتاب تكليفه بتشكيل الحكومة الفلسطينية، وبخاصة مواجهة ما يسمى -صفقة القرن- والتصدي لها ولكل محاولات النيل من المشروع الوطني، وإذكاء روح الوحدة واستقلالية ووحدانية القرار الوطني الفلسطيني، ومكافحة الفقر والبطالة وتشغيل "الشباب" الذي جاء على ذكرهم كتاب التكليف، كما جاء على ذكر الفعل الثقافي الرامي لحفظ الذات الفلسطينية وصيانة الهوية الوطنية، وذلك انطلاقاً من دور "الثقافة" وأهميتها في حياة الشعوب؛ فهي سر بقاء الأمم، وكما ذكر كتاب التكليف "المرأة" داعياً لتمكينها؛ لما لها من دور فاعل في رفعة المجتمع. 

ربما لم يحظ الشباب بوزارة خاصة بهم؛ تمكنهم من المشاركة السياسية والمجتمعية، غير أنه لم يغب العنصر الشبابي في التشكيل الوزاري الجديد، ولا أظن أن يغيب الفعل الشبابي عن مائدة الحكومة الفلسطينية الثامنة عشر، وفي هذا السياق أدعو رئيس الوزراء الجديد بضرورة دعم وإسناد المؤسسات الشبابية المعنية وكذلك التواصل والتكاتف من قبل هذه المؤسسات مع الحكومة؛ لما لهذا القطاع الحيوي من اهمية قصوى ودور فاعل في الذود عن حياض فلسطين الكبيرة.

بالنسبة لي فأنا سعيد وراضٍ عن حكومة الدكتور محمد اشتيه بمن فيها وبخاصة أنها تضم بعض الوزراء الذين بالأصل هم من الكتاب والأدباء، بل ونشرف أنهم أعضاء في اتحادنا العريق، الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، كما وأن حضور المرأة في هذه الحكومة مدعاة للفخر والاعتزاز.

تهانينا لجمهرة الكتاب والمثقفين وجموع الشباب والمرأة بمن يمثلهم في هذه الحكومة من رأسها لأعضائها، ومبارك لكل الوزراء الجدد، ونسأل الله أن يوفقهم ويقدرهم على حمل الأمانة.

الحكومة التي لا تمثلني هي تلك الحكومة الخارجة عن الصف والإجماع الوطني، وكذلك لا تمثلني أيضاً الحكومة غير القادرة على تحقيق متطلبات الشعب الفلسطيني العظيم.

التعليقات