"التجمع الديمقراطي الفلسطيني" لا قرارات مُلزمة واستقالات بالجُملة.. هل فشل اليساريون باختبار وحدتهم؟

"التجمع الديمقراطي الفلسطيني" لا قرارات مُلزمة واستقالات بالجُملة.. هل فشل اليساريون باختبار وحدتهم؟
خاص دنيا الوطن - صلاح سكيك
أدى التباين في مواقف التجمع الديمقراطي الفلسطيني، لفتح العديد من التساؤلات حول قوته، وامكانية صموده، في ظل الاستقطاب الثنائي الحاصل ما بين حركتي فتح وحماس.

ورأى الكثيرون، أن فكرة إنشاء التجمع الديمقراطي الفلسطيني، الذي يضم أحزاب: "الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب، وحزب فدا، إضافة لحركة المبادرة الفلسطينية"، إلى جانب مجموعة من الشخصيات الوطنية المستقلة، جاءت في محلها، للقضاء على الانقسام الفلسطيني، وما تسبب به هذا الانقسام من كوارث، يدفع ثمنها المواطن الفلسطيني إلى اليوم.

كما اُعتِبر إنشاء التجمع فرصة لاستنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية، وإعادة الروح للقضية الفلسطينية، في ظل المخاطر التي تستهدفها علنًا، وتسعى لمنح الحقوق الفلسطينية، إلى المُحتل الإسرائيلي، على طبق من ذهب، بدأت من الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، مرورًا بنقل السفارة الأمريكية، من تل أبيب إلى القدس، وما صحبها من قيام دول أخرى بنفس هذا الاجراء، ناهيك عن وقف دعم وكالة الغوث الدولية، بهدف إنهاء قضية اللاجئ الفلسطيني، وأيضًا الإجراء الإسرائيلي، بتلقيص أموال المقاصة والمستحقة لصالح السلطة الفلسطينية، بزعم وصول تلك الأموال إلى أسر الشهداء والأسرى.

التجمع الديمقراطي، فشل في أول اختبار قوي، بعد أن أخفق باتخاذ قرار جماعي من المشاركة أو عدم المشاركة في حكومة الدكتور محمد اشتية، والمنوي الإعلان عنها خلال أيام قليلة.

من البداية، أعلنت الجبهة الشعبية، وكذلك الديمقراطية، عدم المشاركة، ولحقت بهم المبادرة الوطنية، وقررت عدم المشاركة، ولكن بعد ذلك، أعلن حزب الشعب،وكذلك حزب فدا، المشاركة في الحكومة المقبلة.

وبدأت ملامح عدم ترابط التجمع الديمقراطي، بعد إعلان الأمين العام لحزب فدا، زهيرة كمال، استقالتها مؤخرًا، بسبب قرار اللجنة المركزية لحزبها التي وافقت على المشاركة بحكومة اشتية، قالت: إنها كانت تأمل بأن يصدر التجمع الديمقراطي موقفًا موحدًا، من قضية المشاركة بالحكومة.

وقالت زهيرة كمال لـ"دنيا الوطن"، "نحن كحزب بذلنا جهوداً مضنية من أجل تشكيل التجمع الديمقراطي الذي توافقنا على وثيقته البرنامجية ولائحته الداخلية، وأجد انه كان من الضروري التشاور مع الرفاق في التجمع لاتخاذ موقف موحد من هذه المشاركة أو على الأقل بحث الموضوع معهم قبل الإعلان عنه".

ولحق بزهيرة كمال كلٌ من: النائب الأول سهام البرغوثي، والنائب الثاني خالد الخطيب، ثم تبعهم استقالة قدمها صالح أبو لبن.

فيما سبق ذلك، استقالة مفاجئة لعضو المكتب السياسي في حزب الشعب وليد العوض، الذي قال في تصريح مقتضب: إن اعلان استقالته من المكتب السياسي، واللجنة المركزية، ليس احتجاجًا على قرار مشاركة الحزب في حكومة محمد اشتية، وليس احتجاجًا على انتخاب ممثل الحزب في الحكومة، بل على ما شاب وتبع ذلك من مراهقة.

اذًا هل فشل التجمع في بناء وحدة تنظيمية متماسكة، وهل قراراته مُلزمة لأعضائه، وأيضًا، هل هوية التجمع "اليسارية"، أصبحت نقمة عليه، بدل أن تكون عاملاً مُساعداً؟

عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية، أريج الأشقر، أكدت أن الديمقراطية، كان موقفها واضح منذ البداية، أنها مع استمرار حكومة الوفاق الوطني، وضد الذهاب لحكومة جديدة، على اعتبار أنها ستكرس الانقسام الموجود.

وقالت الأشقر لـ"دنيا الوطن": إنه لا يمكن اعتبار قرار مشاركة حزبي الشعب وفدا، عدم احترام للتجمع الديمقراطي، وما حدث من استقالات مؤخرًا أكبر دليل على احترام قرارات التجمع، مشيرة إلى أن الدخول في حكومة اشتية، لا يُلغي فكرة التجمع الديمقراطي، ولا يُنهي هذه الأحزاب من التجمع.

وأضافت: أن التجمع سيُحافظ على شكله، وعلى الفصائل اليسارية الخمسة التي بداخله، بل سيواصل قوته على الأرض، وسيضغط على طرفي الانقسام، لأن المواطن الفلسطيني يُعوّل كثيرًا على التجمع واستمراريته، والحفاظ على شعبيته.

وأوضحت الأشقر، أنه لا يوجد أي ضغوطات خارجية على التجمع الديمقراطي، وهناك التزام كبير من قادة الأحزاب الخمسة على استقلالية قرارات التجمع، ورفض أي تدخلات، لذا ليس مسموحًا لأي حزب من خارجه التجمع، أن يفرض املاءات، أو أن يُجبر أحد الأحزاب الخمسة على قرارات مشبوهة.

المشكلة في صيغة التجمع

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي، محسن أبو رمضان: إن صيغة التجمع الديمقراطي ائتلافية وليست اتحادية، لذا يبقى الخيار الفردي لكل حزب هو الأساس، حتى لو تعارض مع موقف التجمع.

وأكد أبو رمضان لـ"دنيا الوطن"، أن عدة مواقف تبلورت داخل كل حزب من الأحزاب الخمسة، بعيدًا عن موقف التجمع، وهذا ما حصل في قضية المشاركة بحكومة اشتية، وكذلك في ملف التهدئة في قطاع غزة، حيث تم رؤية تباينات في مواقف كل حزب.

وأشار إلى أن ذلك، أبقى رؤية التجمع الديمقراطي "رخوة"، لا تستطيع أن تحقق الأسس التي انطلقت من أجله، وهو وجود تيار ثالث يزاحم قطبي الساحة الفلسطينية فتح وحماس، متابعًا: "حتى تكون تيارًا ثالثًا وقويًا، عليك أن تمتلك رؤية مميزة خارج هذين القطبين، ولكن واضح غياب هذه الرؤية عند التجمع، بل يوجد خلافات ظاهرة".

ولفت أبو رمضان، إلى أنه لا بد الآن وقبل فوات الآوان أن يتم إخضاع فكرة التجمع للفحص والدراسة والتقييم الموضوعي، لأن صيغة التجمع في التركيبة الائتلافية أثبتت التجربة أنها غير فعالة، بعد مرور أشهر بسيطة لتشكيل التجمع، بل يمكن القول إن هذه الصيغة قد تخلق انطباعات سلبية لدى الرأي العام الفلسطيني، ضد التجمع وأحزابه.

اليسارية ليست مقياسًا لنجاح التجمع

إلى ذلك، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، أنه اذا ما تراكمت هذه التباينات في المواقف بين أعضاء التجمع، فهذا يعني أن التجمع "هش"، ولم يصمد طويلًا، لذا لا بد أن يطوّر من صيغته التي أنشئ لها، لأنه من البدايات التجمع كان "ضعيفًا".

وذكر عوكل، خلال حديثه لـ"دنيا الوطن"، أنه اتضح من خلال المواقف الأخيرة، أن التجمع يحتاج وقتًا كي يُثبت نفسه، ويُقنع المواطن الفلسطيني، موضحًا أنه رغم الإخفاق في اتخاذ قرارات موحدة من أعضاء التجمع إلا أن أمامه قضايا كبرى، كي يأخذ فيها قرارات مصيرية.

واستشهد عوكل، بتركيبة منظمة التحرير الفلسطينية، التي رغم أنها تُمثل الشعب الفلسطيني، إلا أن صيغتها تسمح بالاختلاف والتباين، مشيرًا إلى أن ما حدث لحزبي فدا والشعب داخل التجمع الديمقراطي، أشبه بما كان يحدث مع الجبهتين الشعبية والديمقراطية، في قرارات المنظمة المصيرية، لكن بقيت المنظمة قوية وصامدة إلى اليوم.

وأرجع الكاتب عوكل، أسباب تناقض أحزاب التجمع، رغم أن الهوية لجميعهم "يسارية"، حيث قال: إن الأولوية التنظيمية والمصلحة الفردية لكل حزب، تعلو على مصلحة التجمع، ومن الصعب تجاوز هذه العقلية، إضافة لعدم الحسم في قضايا مهمة، كقضية الكفاح المسلح والمقاومة، هنالك أحزاب معه، وهنالك أحزاب مع الخيار السلمي.

وختم عوكل حديثه، قائلًا: "رغم يسارية الأحزاب الخمسة، إلا أن اليسار نفسه متعدد الخلفيات، وهنالك يساري ماركسي، ويساري وطني، ويساري قومي، مضيفًا: التيار الثالث المجابه لحركتي فتح وحماس، ليس بالأمر السهل، لأنه ليس شأنًا فلسطينيًا بحتًا، بل إنه يتخطى ذلك، ويمكن اعتباره موضوعاً إقليمياً وعربياً، لأن التحالفات في المنطقة هي المحدد لشكل التيارات الجديدة.

التعليقات