هل تُقام دولة فلسطينية في قطاع غزة؟

هل تُقام دولة فلسطينية في قطاع غزة؟
قطاع غزة - خريطة
خاص دنيا الوطن-هيثم نبهان
بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، بدأ المسؤولون الفلسطينيون، يحذرون من خطوات مقبلة قد تتخذها إدارة الرئيس دونالد ترامب، بما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وقال الرئيس محمود عباس، خلال كلمته في القمة العربية 30 التي عقدت في تونس: إن الآتي من أميركا أخطر وأعظم، حيث ستقول لإسرائيل أن تضم جزءاً من الأراضي الفلسطينية، وتعطي ما تبقى منها حكماً ذاتياً، وأعطي قطاع غزة دولة شكلية لتلعب بها حماس".

ومن قبله، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات: إن الخطوة المقبلة للولايات المتحدة الاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية، والاعتراف بدولة غزة تحت راية حركة حماس، فيما يعرف بخطة السلام الأمريكية (صفقة القرن).

وقال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في جلسة للكتّاب والمفكرين بمدينة غزة: إن "القيادات الفصائلية واعية لما يجري ولا علاقة لتفاهمات التهدئة بصفقة القرن".

وكان المحلل والكاتب السياسي، إبراهيم المدهون المقرب من حركة حماس، طالب عبر حسابه على (فيسبوك) في 28 آب/أغسطس 2018: بالانفصال عن السلطة والذهاب إلى كيان فلسطيني مؤقت كنواة انتقالية تجمع الكل الفلسطيني، الأمر الذي أدى إلى هجوم كبير عليه من قبل شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني.



وكان الجنرال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الأسبق جيورا ايلاند، قدّم مقترحاً قبل عدة سنوات، للبحث عن بدائل أخري عن حل الدولتين، وطرح بديلين الأول منهُما: هو تخلي إسرائيل عن معظم الأراضي التي تسيطر عليها حالياً في الضفة الغربية، لإقامة دولة فلسطينية تنضم في اتحاد كونفدرالي مع الأردن- أما الثاني: فيطرح فيه تبادلاً للأراضي، ويشمل عدة دول: مصر، إسرائيل، الأردن، والفلسطينيين، ودولة في غزة، وحكم ذاتي للضفة الغربية.

وحول إمكانية إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة، كان تساؤل "دنيا الوطن" حول مقومات مثل هذه الدولة، فيما جرّم جميع من تواصلنا معهم من يقبل هذا المشروع.

يقول د.إبراهيم أبراش، المحلل والكاتب السياسي، أنه إذا توافقت إرادة ورغبة أمريكية أن تجعل من غزة كياناً أو دولة يستطيعون ذلك، حتى لو كلفهم المال أو إعادة رسم حدود دولة، فـ "يمكن أن تقوم دولة في غزة".

وأضاف: "هم يمكن أن يضحوا بالأموال مقابل قيام هذه الدولة مهما كانت مكلفة، وسيحققون إنجازاً استراتيجياً مهماً لإفشال إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وفصل غزة عن باقي المناطق الفلسطينية، وتصفية الحالة الوطنية بشكل عام".

وأضاف أبراش: "الآن هناك مشاريع لتمديد غزة بالمساعدات وحديث عن العمل في سيناء وتبادل أراضٍ من خلال خلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة، أو خلال فتح باب الهجرة للفلسطينيين في ظل هذه الأوضاع الرديئة فتخرج أعداد كبيرة"

وتابع: لكن في جميع الأحوال هدف واشنطن من خلال ذلك ليس لتأسيس دولة ديمقراطية محترمة تعيش في مستوى جيد، ولكن هدفها تحقيق مخطط الفصل، والمساعدات تبدأ كمرحلة أولى، وتتوقف وتترك الفلسطينيين بعد ذلك "يأكلون في أنفسهم".

وأكد أن الجنرال الإسرائيلي آيلند هو من وضع هذا التصور وعمل مقترحاً أن تتوسع غزة تجاه سيناء وتبادل أراضٍ، مضيفا: "ولكن إذا عدنا قبل ذلك (أوسلو) كانت تقوم على غزة أولاً، والتفكير الاستراتيجي أن يُمنح الفلسطينيون دولة، ولذلك عطّلوا كل إمكانيات التواصل بين غزة والضفة، وهذا من جانب، بالإضافة إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد، كان يقوم على الفوضى الخلّاقة وإعادة ترسيم حدود المنطقة، وبالتالي في إطار استراتيجية أمريكية للفوضى يمكن أن يحدث هذا الأمر بالنسبة لقطاع غزة".

وتابع: "الصفقة تبحث عن أدوات فلسطينية، وأدوات عربية وإقليمية لأن الصفقة لن تمر إلا بالتفاهم مع دولة عربية تقوم إما تمويلها أو ترويجها، أو الضغط على طرف فلسطيني.

وأكد أبراش، أن هذه الدولة لا تستطيع أن تواجه مخططاً أمريكياً كبيراً و"نتمنى ألا يكونوا جزءاً من هذا المخطط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".

ويرى الكاتب والمفكر السياسي، تيسير محيسن، أن مقومات الدولة مثل (أرض وسكان وسيادة ومؤسسات واعتراف) فهي موجودة في غزة، ولو تحدثنا عن مساحات وعدد السكان، هناك دول لديها بضعة آلاف عدد سكانها".

واستدرك في تصريحات لـ "دنيا الوطن" أن "المسألة ليست مقومات، ولكن غزة جزء من وطن وجزء من شعب وليس كياناً وهي ليست قومية منفصلة وجنسية منفصلة عن سياقها الجغرافي والديمغرافي". 

وتابع: "فكرة الذهاب لدولة في غزة تعني تجاوزاً لمنظومة أعراف دولية وقرارات شرعية دولية، تقر على أن غزة والضفة أرض محتلة، وبالعكس هناك قرارات شرعية دولية، أن يجب أن تقوم دولة فلسطينية ضمن حل دولتين، دولة إسرائيلية وأخرى فلسطينية تضم الضفة الغربية وقطاع غزة".

وأكد المحلل والمفكر السياسي: "ما يجب أن يمنع إقامة دولة غزة، ليست المقومات، ولكن باعتبارها جزءاً من مخطط احتلالي يتعارض مع الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني ويتعارض مع إرادته".

وأعرب محيسن عن اعتقاده بأن المخطط ليس دقيقاً بأن تكون دولة في غزة، ولكن باعتقادي ضم الضفة وتخلي إسرائيل عن مسؤولياتها في غزة، بوصفها دولة احتلال، أي تتركها وشأنها عبر تفاهمات تدار ذاتياً وربما برعاية إنسانية من الأمم المتحدة ورعاية مصرية، وبالتالي تصبح كياناً غير معرف مثل قبرص التركية، ولكن في النهاية هذا مشروع صهيوني من الأساس".

المحلل والكاتب الاقتصادي، حامد جاد يقول إن طرح قضية دولة في غزة دون الضفة الغربية والقدس عاصمة هذا مرفوض كلياً ويجرم كل من يتحدث عن هذه الإمكانية.

وتابع في تصريحات لـ "دنيا الوطن": "بالنسبة لمقومات دولة، ليست هناك أي مقومات لا يوجد سيطرة على المعابر وإقامة دولة، ولا مقومات من حيث الموارد ولا أي لديها القدرة على سيطرة على الحركة الاقتصادية.

وأكد جاد أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على كل كبيرة وصغيرة، بمعنى أن ليس هناك سيطرة فلسطينية حدود ومعابر قطاع غزة.

ويرى خبير الموارد الطبيعية، د.أحمد حلس، أنه في ظل الوضع الحالي لا يمكن أن تقام دولة فلسطينية، ولكن في حال تم فتح المعابر وموانئ وبناء علاقات مستقلة مستقبلا، فإن الحال سيتغير وسيكون هناك تدمير للمشروع الوطني الفلسطيني".

وتابع: "كقطاع غزة في حال أنه سيتم فتح قنوات تواصل لخلق الوضع الجديد يمكن أن تقام دولة، حتى لو كانت غزة دولة صغيرة، خاصة وأن هناك دولاً صغيرة في العالم ولن تكون الوحيدة في حال تم تغيير الوضع الحالي.

وقال حلس: "نحن في قطاع غزة، هناك 160 شخصاً كل يوم، بالتالي سيكون هناك 60000 شخص كل سنة، ومعدل النمو السكاني 4.2، ووصلنا إلى أكثر من مليوني شخص في القطاع، في مساحة 378 كليو متر مربع، نتحدث عن 5600 شخص لكل متر مربع، وضمن قراءة الدول نحن منطقة مزدحمة ويؤدي ذلك إلى إجهاد كبير ضد البيئة واستنزاف الموارد التي هي أصلا مستنزفة وشحيحة.

وتابع خبير الموارد الطبيعية: "مائياً نحن نسحب أربعة أضعاف ما يأتي من المطر، ومياه البحر وصلت منطقة اليرموك والجلاء وسط غزة، وشارع جلال في خانيونس ومركزيات المدن كلها، والبحر دخل في شكل أفقي نحو أربعة كيلو متر، ومستوى التلوث وصل أرقاماً قياسية حيث أن 80% من مياه الخزان الجوفي غير صالح للشرب".

وأضاف حلس: "هناك انخفاض على مستوى الخزان الجوفي وصل مناطق كثيرة، وهذا لا يكفي الناس الموجودين أصلاً وأصبحت هذه المياه ملوثة بسبب الملوحة ودخلت عليه مبيدات حشرية".

وتابع: "على مستوى الزراعة نتحدث عن الكثير من المبيدات الحشرية وآلاف الأطنان من المواد الكيماوية، وأكثر من 140 دولار تم صرفها على المواد الكيماوية التي تدخل في الزراعة، وبالتالي ارتفع معدل النترات في المياه".

وأكد خبير الموارد الطبيعية، أن "كل عام يبنى حوالي 15 ألف وحدة سكنية مما يؤثر على الأراضي الزراعية، وبالتالي الأرض لا تكفي الزراعة، يزيد عن ذلك كمية القمامة الكبيرة الموجودة والتي تذهب مكبات رئيسية".

وشدّد خبير الموارد الطبيعية، د.أحمد حلس، على أنه لا يمكن بهذه التفاصيل البسيطة أن تقوم دولة فلسطينية.

التعليقات