الكذب والتضليل

الكذب والتضليل
د. يسر الغريسي حجازي

03.04.19

الكذب والتضليل

"الكذب هو وجه الشيطان نفسه : الشيطان له اسمان، اسمه الشيطان ويطلق عليه كذبة". 

من هم الأشخاص الذين يكذبون ولماذا؟ هل تساءلنا كم مرة تم خداعنا من الكاذبين؟ الكذبة هي أيضًا مرض نفسي، يمكن أن يكون هوس واضطراب نفسيً "ميتومانيا"يمكن ان يتحول الي الشيزوفرانيا وهو يصيب الأشخاص الذين يعانون من الأنا العليا والنرجسية المفرطة. كما إنه يتمثل في ميل للكذب بكل وعي، وذلك للحصول علي  الاستمتاع مما يبعد الضمير والمنطق ويصبح من الصعب التمييز بين ما يمكن تحقيقه وما لا يمكن الحصول عليه في الواقع. يمكن أن نرى المحتالين  على سبيل المثال، ينتحلون شخصية اخري ليتظاهرون كأطباء، أو سياسيون مهمون، أو رجال أعمال لهم  رؤوس أموال كبيرة. إنهم أشخاص يعانون من الاضطرابات النفسية وانعدام الثقة بالنفس، ويكذبون لدرجة أنهم ينسون حقيقة أنهم يكذبون. ان الكذب يخفي الواقع ويجعل القيم تختفي من أجل الخداع والعيش في عالم وهمي، خاطئ وبدون ضمير.  

يمكن للمرء بكل سهولة مراقبة السياسيون وهم يعتلون خشبة المسرح أمام الألاف من الجماهير، انهم يتحمسون أمام الميكروفون حتى يرتجلون حلولًا غير حقيقية في سبيل سماع صفارات وتصفيق التابعيين والمؤيدين لهم. كلما كذب هؤلاء السياسيون، زاد التصفيق وذلك يشجعهم علي الكذب أكثر واكثر. على هذا النطاق المعتاد، لا يميز السياسيون الذين يكذبون طوال اليوم بين الكذب والحقيقة، لانهم يسعون جاهدون لإقناع جمهورهم بتلفيقاتهم. 

على سبيل المثال ، يقولون: "نحن نتصرف بالحسبان مع مراعاة احتياجات الفقراء وسنضمن حصولهم على الخدمات المجانية في الصحة والتعليم والفرص الاقتصادية". بعد ستة أشهر من هذه الخطب، يمكننا أن نلاحظ على أرض الواقع أنه لم يتغير شيء وأن المناطق الفقيرة تزيد معاناة في خراب أوضاعهم، بينما يبتلعون الاغنياء كل الفرص مما يجعل إمكانيات التغيير في المناطق المهمشة بعيدة المنال ولا يمكن للفقراء الحصول علي ادني حقوقهم. وتتبخر الخطابات تمامًا مثل بقية الوعود الكاذبة التي تمهد للخداع تماما لتكون جزءًا من التشريعات، وصنع الظاهرة الاجتماعية والقيم، وثقافة الشعوب. 

ومع ذلك ، من الضروري التمييز بين الأكاذيب والتلاعب لأنهما مفهومان مختلفان من منظور السبب والهدف: ان الكذب يمنح الحصول على المتعة والراحة والوضع الاجتماعي المرغوب الوصول اليه، وهناك الكذب من اجل الاحتيال والهيمنة على الآخرين والتلاعب بهم تماما كما يمكننا ملاحظته في السياسة. كما ان الغرض من التلاعب هو إنتاج بنية سلوكية أو عاطفية، لها القدرة علي تأدية الموقف ذو المنفعة المتبادلة.  

ان الكذب في الواقع  يجعل من الممكن تعديل صورة الذات، وتحسين مظهر المرء أمام الآخرين. لقد أصبح من الصعب تحقيق النزاهة والإخلاص اليوم ، لأننا نعيش في عالم زائف حيث يوجد الكثير من المحتالين والدجالين والمفتريين الذين يريدون أخذ كل شيء وعدم ترك أي شيء للآخرين. هناك ثلاثة أشكال من الأكاذيب:

  1-اولياء الامور الذين يكذبون لتجنب الصراعات والعقاب لأبنائهم ، ومستعدون للخبث والتلاعب من اجل ضمان حماية أبنائهم،

2-الأشخاص الذين يؤذون الآخرين من خلال الادلاء بشهادة مزيفة حول امرا لم يحصل وجز ابرياء المحاكم والسجن، وذلك لحماية أنفسهم من الاجراء القانوني او الغرامة، او الحبس،

3-استعمال الكذب من اجل  الاستمتاع، ويتم ذلك من خلال اختراع القصص الخيالية لقضاء وقت ممتع و جعل الأصدقاء يضحكون،

4-الشخص المتلاعب هو الذي يكذب لخدمة مصالحه وتحقيق أهدافه،

5- الشخص الهزلي الذي يخفي عواطفه ويكذب في سبيل لعب دور معين لتسلية جمهوره،

6-الشخص الاجتماعي  يكذب لجذب الانتباه حتي يكون مثال للمجتمع ،

7-يكذب الوسيط بين الناس للتكيف مع بيئته وتجاوز مخاوفه،

8-يكذب المهوس بالكذب "الميتوماني" لدرجة أنه لم يعد بإمكانه الاستغناء عنه، ولم يعد يميز الحقيقة من الكذبة، ويتم تشخيصه على أنه شخص يعاني من اضطرابات نفسية.

ومع ذلك ، فإن الأشخاص الذين كذبوا علينا في الماضي هم جزء من مجتمعنا. يمكن أن يكونوا أصدقاء لنا أو زملائنا في المكتب، أو من أفراد الأسرة. يكذبوا الناس عمومًا لإرضاء انفسهم، أو للحصول على المتعة و لتبنيهم مهارات وقدرات لا توجد لديهم. من المرجح أن يكذبوا الرجال أكثر من النساء، ولا يترددون في تقمص شخصية ليس لهم وذلك من اجل الشعور بقيمتهم. ولكن من خلال الاستمرار في الكذب والتغطية علي الكذابين، فإننا نخلق قيمًا كاذبة وعدم منطقية افتراءاتنا التي يتم اعتمادها بمثابة تماسكًا وحقيقة للواقع. 

في حين أن الحقيقة تمنع الأخطاء والتلفيق والاحتيال، تؤكد أن الأكاذيب هي اعتداء على سلامة الإنسان وحقوقه وكرامته، وخطرا علي تماسك الشعوب وبقائها.

التعليقات