مبارزة في طول رفوف الكتب!

مبارزة في طول رفوف الكتب!
 توفيق أبو شومر
 قلتُ في إحدى الندوات:

إن طول رفوف الكتب في المكتبة البريطانية يبلغ 388 ميلا، أي 624 كيلو مترا، وأن طول رفوف مكتبة الكونغرس الأميركية يبلغ، أكثر من ضعف المكتبة البريطانية السابقة، فهو يبلغ 838 ميلا، أي 1349 كيلومترا، اتصل بي أحدُ الحاضرين، بعد الندوة وقال: أليست هناك مبالغة في الأرقام السابقة؟!

أرسلتُ له ما يؤكِّد صحة تلك الأرقام، فهي بالمناسبة مذكورة أيضا في الموسوعة الرقمية، التابعة لغوغل، (الويكبيديا)!

ليس غريباً أن يبلغ آخر إحصاء للكتب في مكتبة الكونجرس مائة وثلاثين مليون مادة، فيها ثلاثون مليون كتاب، بـأربعمائة وستين لغة، هي المكتبة الأضخم في العالم، في واشنطن، البالغة مساحتها أربعين هكتارا، وثلاثة مبانٍ ضخمة، هي في الحقيقة ليست مكتبة، بل مصنعٌ لإنتاج الأفكار، والإبداعات، وهي كذلك دولة الأفكار المسؤولة عن التقدم، والانتعاش العلمي والاقتصادي، والفكري، تتولى هذه الدولة جمع معظم إصدارات العالم.

أما شركة، أمازون الأميركية، فهي شركة حديثة العهد، أُسِّست العام 1994م، كمكتبة لبيع الكتب، ودارٍ للنشر والتوزيع، غير أنها تحولت إلى مؤسسة وطنية كُبرى، بدأت بمكتبة على شبكة الإنترنت، تُسوِّق الكتب، ثم تحولت إلى سوق كُبرى، ومصنعٍ لإنتاج الكتب الصوتية، وأجهزة للقراءة الإلكترونية، (كندل)، ودفيئة لإنتاج البرامج، وإنتاج كوابل، يو، أس، بي، وبرامج الترجمة من اللغات الأجنبية وإليها، تبيع اليوم بملايين الدولارات كُتبا رقمية، وهي أيضا مركزٌ لشحن البضائع، وموقعٌ للدعاية والإعلان. 

شركة، أمازون ليست شركة، بل أخطبوط تجاري كبير، ينصب شباكه في كل مكان.

هذه المؤسسة الكبيرة أصبحت رابع أكبر الشركات في العالم، أسهمها في البورصة المالية الأولى في العالم، النازداك، هي من أغلى الأسهم، بلغ إجمالي ربحها السنوي، ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار العام 2017.

كذلك الحال في دار النشر والتوزيع البريطانية، بنغوين، لم تعد مبنى تراثيا، يعود تاريخُ تأسيسها إلى العام 1935، بل انتقلت إلى فضاء المعلوماتية الرحيب، وأصبحت أيضاً مؤسسة وطنية بريطانية كبيرة، لها أسهمها العالمية، ولها فروعها في كل مجالات المعلومات، كذلك الحال، فإن دار النشر الفرنسية الكبرى، هاشيت، ونظيرتها، غاليمار مسؤولتان عن اكتشاف الإبداعات، وتسويق المنتجات الفكرية والمكتبية، تبيع، هاشيت تسعة وعشرين مليون نسخة من إبداعات، الكاتب، ألبير كامي، وهي أيضا تنشر إبداعات، الروائية الجزائرية، أحلام مستغانمي.

كذلك فإن أكثر من ستين شركة طباعة في ألمانيا، اتحدت في منظومة إلكترونية، IndieBook لتتولى صياغة ثقافة الجمهور الألماني، بطريقة جديدة، تلائم العصر.

أخيرا طبعتْ المطابعُ أربعمائة مليون نسخة لمؤلِّفٍ واحدٍ، في أكبر عملية تسويق في تاريخ العالم، وهي للروائية، جوان كاثلين رولينغز، مؤلفة سلسلة، هاري بوتر الروائية!

لا بد من الإشادة ببعض جهود النشاط الثقافي المكتبي العربي متمثلا في مكتبة الإسكندرية، التي تناضل في هذا المجال، وتسعى للتطور، ومحاكاة العصر.

إنَّ المكتبات، ودور النشر والتوزيع في العالم لم تعد عالات على الدول، تتلقى المعونات والدعم المالي، وكأنها جمعيات خيرية، كما يحدث في معظم دول العرب، والدول الصغيرة الأخرى، ولم تبقَ المكتباتُ ودور النشر والتوزيع قطاعا حكوميا، محسوبا على الدولة، لغرض احتكارها، ومنع نشر ما ينتقد السلطات الحاكمة، والأحزاب البيروقراطية، والأنظمة الديكتاتورية، ولكنها تحولت إلى إنتاج البنى الثقافية والمعلوماتية، وصارت من أهم مصادر الدخل الوطني، تدعم النهضة الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.

التعليقات