فاصل إعلاني قصير

فاصل إعلاني قصير
كتب عريب الرنتاوي

ليست ردود الأفعال العربية الشاجبة والمستنكرة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص الهضبة السورية المحتلة، سوى "فاصل إعلاني قصير" تعود من بعده العواصم العربية لممارسة سياساتها و"حروبها" واصطفافاتها كالمعتاد، وكأن شيئاً لم يحدث على الإطلاق ... لقد حدث أمرٌ كهذا من قبل، حين أعلن ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، فلماذا لا يتكرر هذا المشهد مع الجولان السورية، الذي لا يكتسب المكانة الدينية والمعنوية والسياسية التي تتوفر عليها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

ما الذي سيضير إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، إن كان ضم الجولان والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليه، لا يستحق أكثر من أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، من الاهتمام السياسي والإعلامي، وإن كانت مفاعيل بيانات حكوماتنا، تتبخر قبل أن يجف الحبر الذي كتبت فيه ... ما الذي سيضيرهم، إن كانت عواصمنا، وفي ذروة الاستياء من "قرار الجولان"، تقرر التقدم بطلب إلى مجلس الأمن لإدراج الحوثيين وحزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وتمنع عودة سوريا للجامعة العربية، وتناصب إيران وتركيا، أعلى درجات العداء والاستعداء، وتبدي الاستعداد كله لمواصلة نهجها وأولوياتها، وكأن شيئاً لم يطرأ على ساحة الصراع العربي – الإسرائيلي.

ما الذي سيضير إسرائيل من قمة تونس، وهي التي تتلقى من دون عناء، انباء الانقسامات العربية، والمواقف التي تقال في الغرف المغلقة بخلاف ما يبث على الهواء مباشرة ... ما الذي سيؤرق تل أبيب وواشنطن، فيما عواصم عربية وازنة، تجاهر بالحاجة لمزيد من "الهرولة" صوب إسرائيل، بدل مقاومة التطبيع معها ... ما الذي سيسيل الأدرينالين في عروق قادتها، فيما أنظار العواصم العربية والوازنة، تتجه صوب إحكام القبضة حول عنق طهران ودمشق والضاحية الجنوبية، وصولاً إلى أنقرة؟

لا شيء يتغير أو يتأثر بما تتخذه واشنطن من مواقف، لا مشتريات السلاح تراجعت، ولا الزحف على البطون نحو البيت الأبيض تباطأ، ولا الهرولة التطبيعية مع حكومية اليمين واليمين المتطرف، تبدل اتجاهها ... ولا المال عاد للتدفق لصناديق القدس والانتفاضة والسلطة الفلسطينية، ولا الأردن الذي "يدب الصوت عالياً" شاهداً ونذيراً، يتلقى العناية اللازمة من أشقائه ... لماذا يقلقون، ومن الذي يتعين عليه أن يقلق؟

قديماً، انتشرت في دمشق "نكتة سياسية" طريفة، يومها قيل أن الأسد حين يعطي "غمازاً" على اليسار ينعطف بسيارته نحو اليمين ... هذه النكتة تجسد الحالة العربية الرسمية أفضل تجسيد، هم يشبعون واشنطن عتباً ونقداً، ولا نقول إدانة واستنكار، بيد أنهم ينعطفون ضد إيران وتركيا وكل من يقترب منهما أو يتحالف معهما من دول المنطقة وحركاتها ... لعبة مكشفة وممجوجة، لم تعد مفاعليها لتنطلي على رجل الشارع العادي.

الأمل المتبقي في هذه المنطقة، إنما يكمن في مفاجآتها التي لا تنقطع ... حركة شعوبها المفاجئة، وطوفان الجماهير الذي يهدر في الشوارع والميادين ... من كان يصدق قبل شهر ونصف الشهر، أن الجزائريين سيخرجون عن بكرة أبيهم رفضاً للنظام وطلباً في تغييره؟ ... من كان يتوقع أن يخلع السودانيون رتابة أيامهم وجداولهم الزمنية فيهرعون للشوارع مطالبين برحيل النظام؟ ... العالم العربي يتغير، وربيع العرب لم يستنفذ أغراضه، ولم يطفئ محركاته بعد، ومن يظن بخلاف فهو مخطئ تماماً، وشكراً لليمين الأمريكي والإسرائيلي، الذي يعجل في إشعال النيران في "مراجل" قاطرات التغيير، فساعة الحساب لم تأت، بيد أنها لن تتأخر طويلاً.

التعليقات