عزمي بشارة محاضرًا في اليوم الثاني لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية

عزمي بشارة محاضرًا في اليوم الثاني لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية
رام الله - دنيا الوطن
تميّز اليوم الثاني من مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة خلال الفترة 23-25 آذار/ مارس 2016 بمحاضرة عامّة قدّمها المفكّر العربي الدكتور عزمي بشارة في موضوع "في أولوية الفهم على المنهج".

وقد سائل بشارة في مستهلّ حديثه منهج تحليلِ الواقعِ الاجتماعي أو الظاهرةِ قيدَ البحث، مبرزًا أنّه لا يوجدُ منهجٌ لاستكشاف المنهج، ولا يوجدُ منهجٌ صحيحٌ ومنهجٌ غيرُ صحيحٍ خارجَ الجهدِ البحثي في موضوعٍ محدَّد. ولهذا، فالنقاش النظري حول المناهجِ خارجَ الجهد المبذول لفهم موضوعٍ ما في سياقاتٍ محددة، هو نقاشٌ محدودُ الفائدةِ، ومحصورٌ بغاياتٍ مدرسية، مثلَ النقاشِ الذي أشغَلَ بعضَ الفلاسفةِ حولَ ما الذي يحتلُّ أولويةً أو أسبقيةً إبستيمولوجية؛ تحليلُ البنية أم الصيرورة، وكأنّه توجدُ صيروراتٌ يمكنُ تحليلُها إذا لم تكُنْ لها بنيةٌ معيَّنة، وكأنَّ تحليلَ البنى يُفيد بشيءٍ إذا لم يكشِفْ عن الصيروراتِ إليها ومنها، ودينامياتِها الداخلية.

كما أكّد المفكّر العربي إنّ منهجَ البحثِ ليس شيئًا جاهزًا إلّا في ما ننسِّقُه وننمِّطُه من أساليبَ في البحثِ لغاياتٍ مدرسية. فالمهمُّ، وفق بشارة، هو ما نصنَعُه نحن في عمليةِ البحثِ نفسِها، وهذه العمليةُ هي التي تفرضُ منهجَها بما يتجاوزُ ما يمكن وصفُه بـ "عبادة المنهج" السائدةِ التي تبدأُ في معظمِ الدراساتِ العربيةِ تقليديًا ببَيانِ المنهجِ وتحديدِه. وبيّن بشارة أنّ ما يسمَّى عربيًّا مناهجَ البحث ويدرّس تحت هذا العنوان، هو أدواتٌ وتقنيات. ولا مانع أن تسمى مناهج طالما فهم أن المقصود هو أدوات وتقنيات؛ غالبًا ما تكون عابرةً للتخصّصات. أما المناهج بالمعنى المستخدم في مقاربة بشارة فهي مقاربات تحليلية مختلفة وتفسيرات مختلفة للظواهرِ الاجتماعيةِ تقدِّمُها نظرياتٌ مختلفة.

إنّ المناهج في العلومِ الاجتماعية، كما تجلّت من خلال هذه المحاضرة العامة، هي في الحقيقةِ مقارباتٌ في شرحِ ظواهرَ اجتماعيةٍ ناجمةٍ عن نظرياتٍ مختلفة؛ ولذلك لا نجدُ في العلومِ الطبيعيةِ مثيلًا للنقاشاتِ حولَ المنهجِ في العلومِ الاجتماعية. فليست هذه مناهجَ في البحثِ بقدرِ ما هي مقارباتٌ مختلفةٌ في التفسير، أي أنَّ أيَّ نظريةٍ لا تنتُجُ منها مقاربةٌ في فهمِ ظاهرةٍ أو مجموعةِ ظواهرَ، لا ينتجُ منها منهجٌ، ليستْ في الحقيقةِ نظريةً علميةً. قد تكونُ فكرةً أو رأيًا فلسفيًّا أو غيرَه، لكنّها لا تستحِقُّ أن تسمَّى نظريةً. أي إنّ النظريةَ العلميةَ هي نسقٌ من مقولاتٍ عامةٍ متماسكةٍ منطقيًّا عن ظواهرَ اجتماعيةٍ تكشفُ عن بنيةٍ متكرّرةٍ أو نمطِ علاقةٍ بين متغيِّراتٍ أي انتظام ما في العلاقة بين متغيرات؛ وينجمُ عنها مقارَبةٌ أو منهجٌ في شرحِه مميزاتِ الظاهرة وشروط وجودِها وتوقّع مسارِ تطوّرِها.

وبعد عرضٍ مستفيض لقضايا منهجية وإبستيمولوجية عدّة، من مثل تكامل التخصّصات وعبور التخصّصات، ومحدودية ما يسمّى "مناهج كمية"، فضلًا عن نقاشٍ معمّق لبعض القضايا الأنطولوجية، خلص بشارة في محاضرته إلى أنّ مسألة المنهجِ ليست مسألةً أنطولوجيةً متعلقةً بنوعِ الرابطِ المفترَضِ بين الذاتِ والموضوع، وهي بالتأكيد لا تُحَلُّ عبرَ افتراضٍ إبستيمولوجي للوحدةِ بين الذاتِ والموضوع؛ وأنّ تداخلَ الاختصاصاتِ في الحقيقةِ هو تداخلٌ للمناهجِ أي لمقاربات مختلفة في تفسير الظاهرة، لأنّ زوايا النظرِ للتخصصاتِ المختلفةِ تُنتجُ مناهجَ مختلفةً في مقاربةِ الموضوعِ قيدَ البحث.

التعليقات