زنزانة البرغوثي رقم 28 والجواد الذي سيعود به الى الحرية

زنزانة البرغوثي رقم 28 والجواد الذي سيعود به الى الحرية
رام الله - دنيا الوطن
هاني أبو رزق 
من عاصمة أوروبية، استطابت طعم الحياة، حتى أضحت أيقونة لكل أنواع مذاقاتها الممكنة، فطوعتها بنكهتها، التي لا تعرف الملل أو الكلل، ولا تألف القيود أو الجمود، ولا ترغب الاسترقاق على كِبر أو على صِغر، ولكنها ترغب عنهما، بوصفها مدينة جعلت الحرية إحدى أهم رهاناتها الكبرى، وانتصرت لأجلها في غير محاولات واجتهادات سابقة، آخرها الثورة المخملية عام 1989م، لتتسع بذلك لكل أنواع الفضاءات المغايرة، فكانت ذاتها ونفسها، التي تشكل عوالم براغ اليوم، الموصوفة في الأدب التشيكي، بالمدينة الذهبية، وأم المدن، وقلب أوروبا، وكذاك المدينة ذات المئة برج.

براغ التي تحب الحياة، وتأنف كل ما يعكر صفوها، فتحت نافذتها المنيرة لأول مرة، على زنازين الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكأنهم أو أنهم ليسوا في غياهب الذاكرة، وإنما في عمق الخاطر والخاطرة، وفوق الخاصرة، من خلال تدشين التوقيع الشعبي، على إعلان روبين آيلاند لإطلاق سراح القائد مروان البرغوثي، وكافة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، فكم كان هنا مروان، إعلاناً وإيذاناً وإنساناً، قبل كل وأي شيء.

أول الأشياء في آخرها، وإسهاب الكلمات في مختصرها، وعصارة الأفكار في ترجمتها، ولا يُقسم أو يُطرح من ذلك كله، أي جهد يُبنى على المبدأ، الذي يتجلى في هذا المقام، بدعم الحملة الدولية لإطلاق سراح الأسير القائد مروان البرغوثي وكافة الأسرى والمعتقلين السياسيين الفلسطينيين، بل يُضاف إليه ويُجمع. إذ تقول زوجته وأسيرته، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، المحامية فدوى البرغوثي، "بأن فعالية براغ بعد انطلاق الحملة بثلاث سنوات ونيف، تتسم بخصوصية مؤثرة، كونها الأولى في جمهورية التشيك، والأكبر في وسط أوروبا، التي احتفت بمروان ودعمت قضيته من أطرافها الأكثر تأثيراً، شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، وكونها أيضا تنطلق من بيئة معاندة، بحاجة إلى جهد فلسطيني كبير، لنشر الثقافة التضامنية مع شعبنا الفلسطيني، كما أخذت على عاتقها ذلك، سفارة دولة فلسطين لدى الجمهورية التشيكية".

رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبق، وزير الخارجية التشيكي الأسبق، يان كافان، الذي كان صاحب أول توقيع، من شخصية اعتبارية تشيكية، على إعلان روبين آيلاند، قال في كلمة له أمام حشد من أبناء الجاليتين الفلسطينية والعربية المقيمين في الجمهورية التشيكية، ومؤسسات المجتمع المدني المحلي، وعدد من المتضامنين الأجانب، تجمعوا في مقر السفارة الفلسطينية راعية الفعالية، بالتعاون مع نادي الجالية الفلسطينية، "أنه دأب على دعم القضية الفلسطينية، بوصفها قضية عادلة، في كل موقع تسلمه"، رائياً أن مسألة الأسرى، ترتبط بشكل عضوي بالاحتلال، الذي تلطخ بحكم ممارساته وسلوكه على الأرض، بالتمييز والعنصرية.

وأضاف كافان لـ "دنيا الوطن": "أنه يضم صوته إلى عموم أصوات الموقعين على إعلان روبين آيلاند، الذي دُشن في زنزانة نيلسون مانديلا"، مستذكراً، "خروجه في مسيرات طالبت بإطلاق سراح مانديلا، حينما كان لا يزال معتقلاً، على يد نظام الفصل العنصري الجنوب أفريقي"، غير أن السائر في تلك المسيرات أو خطيب اللحظة الباسقة، في بهو السفارة الفلسطينية ببراغ كان يعيش حينذاك في لندن، وكأنه يبوح بشيء فيه شيء ما، لمروان وهو يهضم الزمن، عن مفارقة الصبر ومقاربة النصر.

سفير دولة فلسطين لدى جمهورية التشيك، خالد الأطرش، الذي أحيا في ذات المناسبة، اليوم العالمي لدعم حقوق فلسطينيي الداخل، قال إن "الحملة الدولية لإطلاق سراح مروان البرغوثي وكافة رفاقه المعتقلين، التي انطلقت من زنزانة الزعيم الأممي الكبير، نيلسون مانديلا، عام 2013م، في جزيرة روبين آيلاند، في عمق المحيط الأطلسي، جنوب مدينة كيب تاون، في جمهورية جنوب أفريقيا، تعتبر رسالة أمل، تستنفر مشاعرنا وعواطفنا الإنسانية، تجاه آلاف الأسرى الفلسطينيين لإطلاق سراحهم". واعداً "بالبدء بحملة ممتدة من الآن فصاعداً في جمهورية التشيك، للتوقيع على هذا الإعلان وإبقائه مفتوحاً، بعد نجاح حملات مماثلة في عشرات الدول".

أما الدكتور جمال عبد الفتاح، الذي ناهز على الثمانين من عمره، فقد كان الفلسطيني الأول الذي وقع على الإعلان في جمهورية التشيك، ودعا "ألا يكون الاهتمام بقضية الأسرى اهتماماً مناسباتياً، بوصفهم جذوه السياسة الفلسطينية، وأحد أهم مفردات الصراع مع المحتل". وأضاف "أن الكلمات لا تفيهم حقهم في صمودهم وثباتهم وحملهم الهم عنا جميعاً، في دروب الوطن ومضارب الشتات، فهم أصل العاطفة لحلم بالخلاص، الذي يملأ كل الوطن".

وحتى يأذن الله بذاك الخلاص؛ فالسلام عليك يا برغوثي ومن معك، في محيط زنزانتك رقم 28، بسجن هداريم البارد، وما ماثله من سجون ومعتقلات إسرائيلية، واقرأ؛ ونظنك قد قرأت ما أفرده عبد الرحمن الكواكبي، في كتابة الأثير، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، في سرده، عن أحد النبلاء، حينما قيل له: "لماذا لا تبني لك داراً؟ " فقال: "ما أصنع فيها وأنا المقيم على ظهر الجواد أو في السجن أو في القبر!!!".. إلى هنا لا نراك يا مروان، إلا كما نراك، عائداً من السجن على ظهر ذاك الجواد.