هل ماتت القضية الفلسطينية؟!

هل ماتت القضية الفلسطينية؟!
                   هل ماتت القضية الفلسطينية؟!
دكتور ناجى صادق شراب
يمكن أن نتصور تراجع القضية في سلم الأولويات السياسية الإقليمية والدولية. بمعنى أن لا تكون القضية الأساس أو الرئيسة التي تتوقف علي حلها حل الكثير من القضايا الأخرى. فمن المفاهيم الخاطئة التي ترسخت فلسطينيا أن لا حل لأي قضية بدون فلسطين. اليوم هذه المعادلة في حالة عكسية، حل القضايا ألإقليمية والتفاهمات الدولية قد يكون المفتاح لحل القضية الفلسطينية. هذا التراجع ذهب ببعض الإعلاميين والمحللين على مختلف مشاربهم حتى من العرب وليس الإسرائيليين فقط إلى الاستنتاج أن القضية الفلسطينية قد ماتت ، وتنتظر تصريح الدفن، او بعبارة أخرى البحث عن مقبرة تتوارى فيها. هذه الخلاصة والاستنتاج غير صحيح على الإطلاق ويقف ورائه فكرا تراجعيا تسوده الروح الشعبوية المختزلة والضيقة. وتعكس قصورا في القراءة التاريخية للقضية، ومحدداتها الدولية والإقليمية. لا أحد ينكر ان القضية الفلسطينية وليس للفلسطينيين مسؤولية في نشأتها قد أوجدها التحالف الإمبريالي الصهيوني في القرن التاسع عشر، والبحث عن حل للمسألة اليهودية خارج أوروبا، ومن جانب ارتبطت بتحولات موازين القوى التي عملت لصالح إسرائيل وما زالت. القضية الفلسطينية محصلة تحولات وتفاعلات أيدولوجية وعقيدية ومصالح قوى , ولعلى لا أذهب بعيدا لأعترف عن مصداقية هذه الرؤية. فالمشكلة والأولوية منذ نشأة القضية الفلسطينية لم تكن القضية ذاتها بل المستهدف المنظومة الإقليمية العربية بكاملها، فالهدف الاستراتيجي عدم قيام نظام إقليمي عربي فاعل وقوى لأن معنى ذلك الحيلولة دون كل المشاريع ألإقليمية والدولية، والهدف الثاني الحيلولة دون وجود دولة قوية مركزية قائد تقود النظام الإقليمي العربي، وهنا لماذا الاستهداف الدائم لقوة مصر وقوة الدول العربية الصاعدة كالسعودية. لذلك كان لا بد من وجود إسرائيل أولا، والحفاظ على قوتها ثانيا وبقائها قوية على كل من حولها لأنها هي الخيار الرئيس الذى من خلاله يمكن تمرير كل المشاريع ألإقليمية والدولية. فعندما نقول قضية فلسطين ماتت نقول القضية العربية برمتها ماتت أو في طور الاحتضار. ومظاهر الاحتضار كثيره على المستويين.عربيا وهذا ينعكس على القضية الفلسطينية تراجع دور الدولة الوطنية واستهدافها، زيادة المخاطر الخارجية ، زيادة موجات الإرهاب، تفكك مفهوم ألأمن القومي العربي ، بروز إرهاصات الشعبوية والمذهبية والإثنية ، وتنامى المطالبات بالانفصال، الحروب الداخلية التي تعانى منها العديد من الدول كما في اليمن وسوريا وليبيا والعراق. وتنافس المشاريع الإقليمية على حساب المشروع العروبي كالإيراني والتركي والشرق أوسطى الجديد الذى تقوده إسرائيل. ومع ذلك ما زالت العروبة قوية بلغتها وهويتها  وخصوصيتها التاريخية والحضارية. وبالمقابل القضية الفلسطينية لا يمكن أن تموت، نعم تواجه أعراض تراجع وجمود سياسي ، ودرجة من الاحتضار السياسي ، ولعل ابرز هذه المظاهر من الاحتضار الانقسام السياسي الذى تحول لحالة من الكينونة السياسة المستقلة، ومظاهر التفتت في الجسد الاجتماعي الفلسطيني ، التناقض في الرؤى السياسية ، وضعف وهشاشة الشرعية السياسية ، ومحاولات الحصار والعنف والاعتقال التي تمارسها إسرائيل والفلسطينيون أنفسهم، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على السلطة ، وحجز أموال الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل. ورغم مظاهر الاحتضار فما زالت القضية حية ، ولا يمكن أن تموت، فالقضية ليست مرتبطة بأشخاص أو تنظيمات فصائلية تموت بموتهم ، القضية الفلسطينية شعب كامل له هويته الوطنية والتاريخية والحضارية ، هذا الشعب الذى يزداد تماسكا وصمودا مع كل محاولات التفكيك والانصهار . فعلمنا التاريخ أن الشعوب لا تموت أبدا، وهذا ما أكده تاريخ الشعب الفلسطيني، كم من حرب ، وكم من حصار ، وكم من ألأسرى والمعتقلين في سجون إسرائيل، وكم من الضغوطات الدولية والعقوبات، بقى الشعب الفلسطيني حيا صامدا متجذرا على أرضه، كل الشعوب تهاجر إلا الشعب الفلسطيني ، ودرس الهجرة الأولى عالق في الذاكرة الجمعية ، وحتى هؤلاء الذين أجبروا على الهجرة مازالوا يعيشوا في المخيمات ، ويحتفظون بمفاتيح بيوتهم. والذين يهاجرون في الشتات ما زالوا متمسكين بقضيتهم وهويتهم والقضية الفلسطينية. ستبقى القضية الفلسطينية حيه وقائمه طالما هناك احتلال إسرائيلي، ودولة تنتظر الميلاد الرسمي ، وشعب يمارس حقوقه التي أقرتها له الشرعية الدولية والإنسانية.

[email protected]

التعليقات