نشأة الثقافة

نشأة الثقافة
د.يسر الغريسي حجازي

14.03.19

نشأة الثقافة

"كل ما يفسد الثقافة يقصر المسارات التي تؤدي إلى العبودية"

ألبير كامو

ما هو مفهوم الثقافة؟ هل تراثنا الاجتماعي تقرره ملكيتنا المشتركة؟ هل ثقافتنا تكشف عدم المساواة او عن ميل إلى تمثيل الانقسامات الاجتماعية؟ ذلك صحيح، لأن النهج الاجتماعي يركز على المسؤولية الاقتصادية وهي تشمل الممارسات التي تضعها القوة الحاكمة بهدف تعزيز التمكين الشخصي، والسياسي، والاجتماعي، والوطني.  

أظهر الفيلسوف الفرنسي وعالم الاجتماع بيير بوردو في مبدأ التكاثر الاجتماعي، عدم المساواة الاجتماعية والميول نحو التصنيف الاجتماعي ويحدد رفاه الناس بوضعهم الاجتماعي. على سبيل المثال، ان استراتيجيات الزواج والانجاب التي تضمن استمرارية النسب.

انها المضاربة الاستدلالية الزائفة التي توفر عادة حقيقية، تشجع النموذج الاقتصادي والميكانيكي و الخالي من الضمير. انه نموذج للواقع الموصوف ومفهوم غير عقلاني لسلوك اجتماعي واقتصادي و سياسي يأخذ شكل التسلسل الموجه بموضوعية. ان المجتمعات التقليدية هي بمثابة مكان   تتبلور فيه تصرفات الإنسان الموروثة من اجداده واعادتها من جديد في محيطه العائلي. كل شيء يبدأ مع تطور ظاهرة الاستقطاب والنسبية الثقافية التي لوحظت في الممارسات القيادية مما يثبت ان لا يزال الانظمة السياسية ذو الطابع الديكتاتور تستعمل الاستقطاب السياسي والذي يحمل في طياته العداوة للانسان.

كما يميز الفيلسوف بيير بورديو (1997)، في "تأملات باسكال" أربعة أنواع من الرأس المال الأساسي، كالتالي:

-يتم قياس الرأس المال الاقتصادي بجميع الموارد الاقتصادية للفرد، سواء ان كان في دخله أو ثروته،

­-يتم قياس الرأس المال الثقافي بجميع الموارد الثقافية المتاحة للفرد. يمكن أن تتكون من ثلاثة أشكال: المعرفة (المعرفة والمهارات وشكل الكلام وما إلى ذلك)، والموضوعية (حيازة الأشياء الثقافية) والمأسسة (التسميات الشهادات الجامعية)،

-يتم قياس الرأس المال الاجتماعي بجميع الموارد التي ترتبط "بحيازة شبكة دائمة من علاقات المعرفة المتبادلة"،

-يشير الرأس المال الرمزي إلى أي شكل من أشكال الرأس المال الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي باعتراف المجتمع.

يشير الفيلسوف بيير بوردو إلى مصطلح "رأس المال"، على أنه كل  الموارد الاجتماعية بمقدر اتنتاجها ووفرتها تسمح للأفراد بالحصول على المنافع الاجتماعية. بالنسبة لبورديو ، يعد رأس المال الاقتصادي ورأس المال الثقافي أهم شكلين للرأس المال في مجتمعاتنا.

ذلك يكمن في طرق تشغيل المؤسسة والمجتمع حسب المعايير الازمة للحصول على وظيفة. على سبيل المثال، لكل مواطن الحق في التعليم أو الدراسة أو التدريب الذي يسمح له بالحصول على وظيفة ليندمج ويتطور في مجتمعه. يمكن ان تجسد التباينات الاجتماعية اختلافات اكاديمية واقتصادية، لها علاقة بأداء المؤسسات الحكومية المتخصصة.

إن نجاح ابناء الأثرياء على سبيل المثال، لا يعبر دائمًا عن موهبتهم بل عن استيعابهم للراس المال الثقافي الذي ورثوه من أسلافهم مثل تعليم الموسيقى، وفنون الدفاع عن النفس، و الفروسية، وإتقان اللغات. و يولي بيير بورديو اهتماما خاصا للتراث الأسلافى ونقل المعرفة بين السلالات،  وذلك يساهم في تعزيز صفتهم في الطبقات الحاكمة ويزيد من فرص عدم التكافؤ ليفرض شرعية عدم المساواة.

ويلعب التعليم أيضًا دورًا مهمًا في الاستثمار الثقافي والوضع الاجتماعي وتثمين المعرفة، لأن التعليم هو وسيلة للنجاح و فرصة لتكريس المساواة الاجتماعية والثقافة الحرة. ان مفهوم البيئة والتعود بالنسبة لأرسطو نظام هيكلي وثابت.

وينظر  أفلاطون عن ان العادة مهارات الحركية، وتعني باللغة الفرنسية  "متاحة" أو "وسيلة لكونها" واعتبرها أرسطو فضيلة أخلاقية. السؤال هو: "هل نحن عبيد للقرارات التي اتخذوها أسلافنا؟ نعم ، لأننا اعتدنا على ظاهرة الهيمنة الاجتماعية وعدم المساواة. فالطبيعية هي بمثابة بنية موضوعية للعالم الاجتماعي وأنماط تصوراته الجماعية والفردية. كما ان المفهوم الثقافي ينتج في الواقع الاتفاق أو الارتباك الاجتماعي، لذلك من الضروري الاعتراف بالتعايش والشراكة والتضامن من أجل إعادة تنظيم أفضل للثقافة والهوية. و ركز بورديو على اهمية الادراك والمراعاة للمفاهيم، والآراء، والحساسيات. انها منهجية تحمل الحدس والمعرفة للتغلب على الأنا، كما انها قوة تحدد الهوية والتكاثر الاجتماعي في جميع أشكاله.

التعليقات