عنف الرجال

عنف الرجال
د.يسر الغريسي حجازي

عنف الرجال

"إن الإنسان ليس سوى الا حيوان نصف مروض، حكم اجيال من خلال الخداع، والقسوة، والعنف". تشارلي تشابلين

لماذا نحن مجتمعات تكافح السلطوية؟ لماذا الرجال عدوانيون وعنيفون مع بعضهم البعض؟ لماذا هناك المزيد من العدوانية في الشوارع، في داخل الأسرة و في العمل؟ لقد أصبح من الصعب إحلال السلام والأمن في بقية العالم. وفقا لتوكفيل، فإن أنانية الإنسان غريزية وحب عاطفي للنفس (مانون ، 2010). إنه يدمر كل الفضائل الاخلاقية ويقلل كل إمكانيات الحب والحكمة. كما ان الحرب متجذرة في الإنسان، بالإضافة إلى غروره، و جنون الارتياب، و رغبته في الحصول علي كل شيء و أن يكون كل الناس محاطين به لخدمته.  

وبهذه الطريقة عززت الطبقة الأرستقراطية منذ اجيال، الحقوق المسماة بالتقليدية من مفهوم الفردية والتضحية لأولئك الأغنى والأكثر خباثة. وجعلت الرأسمالية الرجال المتسلطين أشراراً ومستهلكين للبشر، يتوقون إلى الفخامة والتقنيات الحديثة. و صنعت الرأسمالية الملوك ولكن أيضا العبيد، والملكية الخاصة، ووسائل السيطرة على الاستراتيجيات والبشر الذي لا يعلم  كيف الاغنياء حصلوا على ثروتهم. ليس من الصعب أن نفهم كيف أصبحت مجتمعاتنا فردية، بمعني "ان يساعد كل شخص حاله وان إلله يساعد الجميع" مثل هذا المثل الذي يؤكد علي عدم التضامن البشري، وان البقاء للاقوي وان توفر المتعة للأغنياء والاحتقار والماساة للفقراء علي انهم الضعفاء. إنها حرب باردة بين الرجال الذين لديهم الكثير من العنف، والمثابرة، والمنافسة الشرسة لجني الأرباح لصالحهم  دون القلق بشأن الاخرين.

ان السياسيون الديمقراطيون هم أنانيون وكذابون، باعتبارهم صانعوا الشراكات العالمية والمتعددة الجنسيات، وهمهم الوحيد هو تحقيق المكاسب على حساب الاحتياجات العامة والدولة الاجتماعية، و يظهر ذلك كالتالي: 

  ¬-توسيع واحتكار الاقتصاد في سياق اقليمي ومتعدد الجنسيات، 

-تميل مستويات الديون الخارجية والمضاربة، وتراجع التصنيع، وخصخصة الخدمات العامة، والتجزئة الاجتماعية،

  -رفع السياسات القمعية والضرائب، والنزاعات الاجتماعية والاقتصادية والعائلية والسياسية،

  -سيطرة السلطة التنفيذية على مؤسسة الدولة، والتأثير على استقلالية السلع العامة والموارد القوية للدولة،

  -التهرب الضريبي وتسهيل الاحتيال وإخفاء الأرباح،

  ¬-إزالة القيود المفروضة على كثير من القطاعات الاقتصادية والترويج للسلع الكمالية. 

 تلك هي صناعة العنف الذكوري، الذي يروج الي صنع رجال عنيفين وجشعين للدفاع عن من صنعهم لكي يتمتعون بملذات الحياة وضرب المنظومة الاخلاقية الذي تعزز التضامن الاجتماعي والمبادئ الديمقراطية، والقيم المثالية. ليس من الصعب أن نفهم لماذا يوجد رجال أغنياء جداً في السياسة أو الاعمال، وسبب الدول المديونة التي تعتبر ان التضحية يجب ان تكون بعامة الناس ولهذا السبب تفرض عليهم دفع الضرائب المتزايدة. ان جميع هؤلاء الرجال المتشيطنون مهووسون بذاتهم، واستخدامهم للقوة المفرطة يساعدهم علي  أن يستمروا في القوي الحاكمة، لذلك يرفضون تماما الاعتراف باحتياجات الاخرين وحقهم في ان يحصلوا علي حقوقهم الاساسية. إنهم يريدون شراء كل شيء، وأن يعيشوا في البذخ والثراء الفاحش ، وأن يخدموا مثل الملوك.

هذا هو السبب أنهم خلقوا خدم مستعبدين ، و جعلوهم يعتقدون أنهم قادة  في مجتمعاتهم الا أنهم يشبهون مهرجين ساحة الملوك. هؤلاء المصرفيون والسياسيون ورجال الاعمال   قبيحون ومرضى بعبودية الذات والاصغاء الي  شيطان عقلهم الباطني. إنها سياسة الرجال المكرشين، الذين لا يترددون عن التخلص من المنافسين الأذكياء والخبراء والطموحين في سبيل بناء عالم معتدل وعادل. كثير من هؤلاء الرجال الأقوياء هم المحتالون والمجرمون في حق البشر، ويحمون انفسهم  من خلال اشخاص لا يحملون  ضمائر بل يتكلمون بلغة السلاح. لقد صنعوا شرعية العنف والجريمة والحيل، وتحالفوا علي تدمير كل ما يمثل الجمال والإنسانية والبراءة.

أعطى الفيلسوف و المؤرخ الفرنسي دي توكفيل (1840) جانبا من الرؤية لروح الرجل، وهو تنبأ بإلغاء العبودية في عامي 1861 و 1865 ، واختفاء القوميات الهندية التي تعرضت للمطاردة والضياع ثم بظهور قوة الولايات المتحدة وروسيا باعتبارهما أعظم الدول في العالم. وأصر على أن هناك ضرورة مطلقة لتغير الوضع في العالم، من أجل تنمية الادارة والوصول إلى الخدمات العامة للجميع  والتكافؤ بين المواطنين وكذلك من كل الشرائح الاجتماعية وهذا من خلال الاستقطاب الثنائي والسياسي. روى دي توكفيل عن الاستبداد والطغيان السياسي، وغياب الحريات الفكرية فضلاً عن السقوط السياسي في الولايات المتحدة في ذلك الوقت. عندما انتقد توكوفيل انذاك الأنظمة السياسية والرجال الدكتاتوريين في عام 1830 ، لم يكن الفقر والظلم سائدين كما هوالحال اليوم. 

كما عرف دي توكفيل أنانية الإنسان علي انها حب الذات بشكل مبالغ فيه، وتبجيل نفسه علي الجميع (توكفيل ، 1840. "الديمقراطية في أمريكا"). يمكننا أن نتحدث عن علم الوراثة، من خلال أجيال من الرجال اجتهدوا وعملوا بدقّة لتوفير الملذات للرجال الأقوياء. وخلق هؤلاء الرجال الأنانيون الفكر الخاطئ، والعنف بكل اشكاله وعززوا شعور الظلم والنقص في أذهان عائلاتهم و ومجتمعاتهم. 

نواجه اليوم ذئاب جشعة ومدمرة. ليس علينا ان نتساءل من أين يأتي الكثير من الظلم، لقد نسج الرجال الذكوريين ضوابط قوة بينهم وبين المجتمعات الضعيفة وصنعوا حبل المشنقة لمن ياتي لمنافستهم. كل هذا ليس مجرد مصادفة، بل استراتيجية ذكورية للسيطرة والتحكم بالقانون بشرعية مضادة. نحن نتحدث الآن عن السلطة الأبوية في سياق عنف الذكور ضد تحرر النساء أولا،ً ثم ضد الرجال في المجتمع للسيطرة عليهم والتلاعب بهم. ان العنف عند الرجال غريزي، لكن الذكورية تمنح أيضا للذكور في تربيتهم من الطفولة و هم مفضلين علي البنات. علي سبيل المثال، يمنحون الاهالي للصبيان مزيدا من الحرية ومصروف الجيب اكثرمن البنات، ويتناولون الذكور وجبات الطعام بكمية قطع لحم أكثر من الاناث. يمكن للمرء أن يرى في بعض العائلات التقليدية، انه لا يزال تعامل الزوجة لزوجها معاملة خاصة ويتناول الزوج وجبات طعام مختلفة عن زوجته وأطفاله من حيث التنوع وكمية اللحوم. 

ويصفون بانهم رجال ذو العقل المكيفالي صنعوا الارهاب و داعش ، والدولة الإسلامية، والقنبلة الذرية وضعف الأمن في العالم. لقد قسموا السكان الي مجموعات عرقية لتشجيع العنصرية والفئوية ، وذلك من اجل استغلال مواردهم  وخيراتهم ، وقتلوا الآلاف من الناس وصنعوا الفقر والكراهية والعنف.. 

واصبح واضح ان المنطقة العربية ذو التوجه السلطوي الأبوي الذي يشجع الرجال على زيادة أوهامهم ، وأنانيتهم. هل ان العنف موجه؟ نعم ، لأن تربية الطفل في المحاباة يخلق الصراع والفتنة ويقتل الإنسانية و ثقافة السلام. ان المحاباة هي فجوة في تربية الذكور ستجعلهم فيما بعد رجالاً فاسدين ، لأنهم سيتعلمون الرغبة في امتلاك كل شيء حتى لو كان وجب عليهم استخدام القوة للحصول عليه. وكلما يتم تحقيق رغبات الذكور في مرحلة الطفولة، كلما كان لديهم المزيد من النزوات والنرجسية في وقت لاحق. ان هذه المواقف تغذي الاستعداد للعنف والفتنة والحسد والغيرة والتنافس.  

ان الرجال الذين ينشؤوا في بيئة تصنيفية لا يمكنهم في المستقبل الحكم بالعدل الاجتماعي، و لن يكونوا قادرين على التحكم في رغباتهم حتي لو لم يكن لهم المال لذلك، مما يهيأهم لارتكاب خيانة الأمانة وانتزاع الأشياء التي يملكها الاخرين.. 

سوف يعلمون اسلوب الوقاحة من حولهم، والاعتراف بها كنجومية يعترف بها الجميع كذكاء وقوة يحترمها الجميع.

التعليقات