القضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية

القضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية
بقلم عبد الله عيسى- رئيس التحرير
في خمسينات القرن الماضي، قام الاستعمار الفرنسي باحتلال فيتنام، فاندلعت ثورة شعبية مسلحة، يقودها الجنرال جياب؛ لطرد الاستعمار الفرنسي، وبعد عشر سنوات قام فعلاً بطرد الاستعمار من فيتنام، بعد أن تكبدت فرنسا خسائر مادية وبشرية جسيمة.

وعلى إثر ذلك، قامت أمريكا باحتلال فيتنام أيضاً، وواصل الجنرال جياب مقاومته للاستعمار الأمريكي، وخاض حرباً شرسة ضد الاستعمار الأمريكي.

واستمر الاستعمار الأمريكي لفيتنام حوالي عشر سنوات أخرى، وقام الجنرال جياب بمقاومة باسلة، حتى تمكن الجيش الفيتنامي بمحاصرة السفار الأمريكية في هانوي عاصمة فيتنام، وقام السفير الأمريكي بالهرب من على سطح السفارة، منهياً بذلك الاستعمار الأمريكي لفيتنام.

وقبل ذلك، اتفق على إجراء مفاوضات في باريس في أوائل السبعينات بين فيتنام وأمريكا، ويروي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، انطباعاته عن المفاوضات في باريس، ويقول لم نر أمامنا مفاوضين فيتناميين بل مقاتلون، وكنا أثناء المفاوضات، نحاول تلطيف الأجواء بينهم، بأن نمازحهم قليلاً لكسر جمود المفاوضات، ولكنهم لم يضحكوا أبداً.

ثم قمنا بدعوتهم لتناول طعام العشاء أو الغذاء في باريس، فأبوا أن يحضروا هذه الدعوات، وقالوا بلادنا محتلة، ووجودنا هنا معكم من أجل انسحاب أمريكا من فيتنام، وحصول بلدنا على الاستقلال.

وتذكرتُ هذه القصص التاريخية، عندما يشارك مسؤولون فلسطينيون بمفاوضات، وأراهم قد (تكرشوا وأصبحوا بلا رقبة) كما يقول الشاعر العراقي مظفر النواب، وهم يستمتعون بأجواء البذخ، ويجلسون أمام خرفان مشوية، ويستمتعون بالمنتجعات الروسية.

وحتى مع الجانب الإسرائيلي، أذكر أنه خلال انتفاضة الأقصى، كنتُ أستنكر وبشدة زيارات لمفاوضين فلسطينيين لمنازل ومكاتب كبار المسؤولين الإسرائيليين، وكنت أتابع الصحف العبرية، وهي تنشر تفاصيل اللقاءات الليلية، وأنواع الأطعمة الفاخرة، التي تقدم للجانب الفلسطيني مثل الدجاج بالمكسرات، وغير ذلك!

وذات مرة، قلتُ لمسؤول فلسطيني، ألا يستطيع المسؤولون رفض هذه العزومات على الأقل احتجاجاً على الدم الفلسطيني الذي يسيل في الضفة وغزة، فقال لي أتريدهم ألا يتناولوا طعام العشاء؟ فقلتُ له نعم، فلنكن مثل فيتنام.

وفي منتصف السبعينات، قام الرئيس الراحل بزيارة فيتنام، والتقى مع الجنرال جياب، فبادره الرئيس أبو عمار بقوله: أنا سعيد بمقابلة صاحب أكبر ثورة شعبية في العالم، فبادره الجنرال جياب قائلاً: وأنا سعيد بمقابلة صاحب أصعب ثورة شعبية في العالم، إنكم تقاتلون في منطقة غنية بالنفط، وسيحاصركم الأعداء، حتى سيتركونكم تقاتلون لوحدكم، وستتعرضون لحصار صعب، إنها أصعب ثورة شعبية في العالم، وصدقت نبوءة الجنرال جياب، فالثورة الفلسطينية تخرج من حصار إلى حصار، وحيثما وجدت القيادة الفلسطينية، فإنها تُحاصر فوراً كما حوصرت في بيروت، وتونس، وغزة، ورام الله، وها هي الآن تشهد حصاراً شديداً تتكالب فيه دول لإجهاض الثورة الفلسطينية والسلطة، بشتى الوسائل، بدءاً بإسرائيل وأمريكا، وانتهاء بأطراف خفية أخرى.

كما قال الدكتور صائب عريقات: إن إسرائيل وأمريكا، يعملان على القضاء على السلطة الفلسطينية، والحقيقة أن ما أقدمت عليه إسرائيل من تجميد أموال السلطة الفلسطينية، يحتاج لإجراءات مختلفة، ونشاط دبلوماسي كبير في أوروبا للضغط على إسرائيل.

التعليقات