الرهاب الاجتماعي والخوف من الناس

الرهاب الاجتماعي والخوف من الناس
د. يسر الغريسي حجازي
14.02.19

الرهاب الاجتماعي والخوف من الناس

"الخوف من حكم الاخرين يسبب الرهاب"

من منا لم يشعر في بعض الأحيان بضرورة الابتعاد من الناس؟ نعم، لقد كنا جميعًا نرغب أحيانًا في البقاء بعيدًا عن الزحام والضجيج. هل يمكن أن يكون ذلك بسبب ضعف أو خوف من حكم الآخرين؟ إنه سلوك رهابي وغير مبرر، و سببه مرتبط مباشرة بخوف شديد من التعرض للانتقاد والاعتداء اللفظي من الآخرين. نحن نعيش في الرهاب الاجتماعي والخوف من حكم الآخرين. إننا نخشى ببساطة، أن نكشف للاخرين عن المواقف الصعبة التي نمر بها من وقت لآخر وان يسخروا منا. ويعني القلق الاجتماعي والخوف من الآخرين، أننا لسنا دائما مرتاحين مع المجتمع  الذي يمكن أن يكونوا قاسي لنا في حكمه وفي الأوقات التي نحتاج فيها إلى الدعم. هل هذا يعتبر تصرف انطوائي؟ نع، لأننا نفقد نصيحة الأصدقاء والثقة بالنفس أيضًا. ان شعور الخوف من الآخرين، يزيد في القلق و الاحساس بالضيق والتوتر يضر بصحتنا. 
من الواضح أننا جميعا نمر بأوقات عصيبة، وأننا نعيش تقريبا نفس الظواهر الاجتماعية لكن لا نفصح عنها خشية من ردود فعلهم. 
هل نحن نعاني من الرهاب الاجتماعي؟ إذا انسحبنا بالكامل من المجتمع، فسنواجه خطر الاعتياد على تجنب الاتصال مع الآخرين، ومشكلة الاندماج الاجتماعي. وهذا يعني أيضًا، أننا نتكيف مع حالة الرفض للمجتمع. وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، هناك واحد من كل أربعة أشخاص في العالم، لديهم في لحظات معينة في حياتهم ازمات ومشاكل نفسية. هذه الحالة العقلية تضع الأشخاص القلقين في حالة من العجز والتعصب. 
كما يشير تقرير منظمة الصحة العالمية، إلى أن ثلثي الناس الذين يعانون من الامراض النفسية لا يتلقون العلاج لأنهم يخشون الرفض الاجتماعي لهم والتمييز من حولهم، لذلك لا يطلبون المساعدة في المواقف الصعبة. لكن إهمال حالة الذهان هذه، يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة العامة للانسان. ومع ذلك، يمكن للمجتمع والمؤسسات المجتمعية أن تدمج برنامجًا للصحة النفسيًة في أنشطتها الاجتماعية والتعليمية في سبيل تسهيل الاتصال، وتقديم المساعدة الفعالة للناس المعنيين. 
وينظر إلى الابتعاد من العالم الخارجي على أنه اتخاذ مسافة دفاعية، للبعد من الانتقاد اللاذع. ومع ذلك ، فنحن جميعاً نعيش في نفس الحالات تقريباً ولكن في سياقات مختلفة. يمكن لقادة المجتمع كسر هذا الوضع المثبط، والتحدث بصوت عالي عن القضايا الأسرية والتعليمية والاجتماعية لايجاد حلول سهلة ونافعة. ما يجب أن أوضح للجميع اليوم، هو أن القلق ليس ليس الحل، وان الحياة كفاح والتجارب المؤلمة ليست فشل بل دروس لازم ان يعرفها الجميع واخذ العبر منها. كما يجب علينا أن نقضي تماما علي تلك الصور النمطية التي تجعل من حياتنا جهنم والتي تسبب المرض النفسي والجسدي، وتعزلنا علي المنطق. هناك طرق و كيفية للتغلب على الرهاب الاجتماعي، كما يلي: 
  1-نتعلم أن نكون مرتاحين مع الآخرين، 
2-نطلب المشورة والدعم للتغلب على القلق، وإيجاد حلول سريعة وفعالة ،
  3-التعرف على مخاوفنا وما يقلقنا حتى نتمكن من مواجهة المواقف الصعبة، واتخاذ قرارات شجاعة،
  4-التغلب على الخوف من الحكم وانتقاد الآخرين، والتركيز على التفكير المنطقي لاتخاذ الإجراءات الازمة وتجنب نوبات الهلع ،
  5-التعلم من الخبرات والمشاركة في اعطاء المعلومة للاخرين، وان نكون جزءاً من نصيحة الاشخاص الاكثر خبرة.  
تتأثر الصحة العقلية في الشعوب الفقيرة و في الدول ذات الهيمنة الذكورية العالية، حيث ترتبط الثقافة والقوالب النمطية بالحركات الاجتماعية. انه اغتصاب ثقافي يغذي قوانين المحرمات لتقييد المجتمع و السيطرة عليه بشرعية كاملة، ويجعل مسألة الهوية امر معقد. في الواقع، لا يمكن للمجتمعات النمطية أن تتضامن مع بعضها البعض، بل على العكس يمكن أن تكون قاسية ومروجة للعنف في داخل الأسرة وفي المجتمع. كما ان عامل المحرمات يزيد من عملية الكبت، و يعزز  وصمة العار و التسلط الاجتماعي والسياسي والعسكري، وينشر العنصرية والشوفينية والنميمة بين أفراد المجتمع. 
ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية (2015)، أن الاضطرابات السلوكية والعقلية تمثل 12.3٪ إجمالي الامراض في العالم، و 50ان ٪ من سكان العالم يعانون من مشاكل نفسية بسب التوتر والخوف والاكتئاب. كما ان الأمراض النفسية سائدة في البلدان الدكتاتورية، حيث لا تحصل الشعوب على حقوقها الأساسية كما ان حقوق الإنسان غير منصفة. لكن لا تزال الصراعات والتوترات الاجتماعية هي سبب الأمراض النفسية، بسبب ان افراد المجتمع لا يستطيعون ممارسة مواطنتهم، أو حتى تحقيق أهدافهم في الحياة. كما ان التمييز والافتقار إلى العدالة الاجتماعية، ينشر الشك والانقسام بين أفراد المجتمع. وتاتي امراض الاكتئاب في المرتبة الرابعة في مجمل الامراض العالمية، ومن المتوقع أن تصل إلى المرتبة الثانية بحلول عام 2020 (تقرير منظمة الصحة العالمية، 2015) ، وذلك بعد امراض القلب والأوعية الدموية.  
تدعي منظمة الصحة العالمية أن الحكومات تتحمل المسؤولة بالكامل عن الارتفاع في الامراض النفسية في الشعوب الفقيرة، وأن أكثر من 40٪ من الدول ليس لديها سياسة واضحة للصحة النفسية، وأكثر من 30٪ ليس لديها برامج محددة، و 25٪ تقريبًا ليس لديها تشريعات في هذا المجال، ويتم التخلص من بنك المعلومات للمرضي النفسيين او تحويل سجلاتهم الي الشرطة. ما نستخلصه اننا لازلنا امم ذات الطابع الذكوري والسلطوي، وان شعوب العالم الثالث خاضعة وو تنهار تحت ثقافة عدوانية وخطيرة علي صحة الانسان وبيئته. 

التعليقات