يا فتحُ الأبية

يا فتحُ الأبية
يا فتحُ الأبية
الحاج رفعت شناعة

يا فتحُ العصيَّة، يا ابنةَ الشدائد والملمات، يا أُم العواصفِ والتحديات، يا ابنةَ الكرامة، يا صانعةَ الأمجادِ والانتصارات، يا من زرعْتِ فينا بذورَ العزةِ والكبرياء، يا من تعلَّمنا على يديكِ أنَّ فلسطينَ اكبرُ منا، وأنها هي بوصلتُنا، وأنَّ قدسها مهوى قلوبنا، وأنَّ خليلَ الرحمن أسيرٌ ممزَّقٌ، يتحكَّمُ بقدسيتِه، ومقامِه صهاينةُ العصرِ، وقتلةُ الأنبياء، الذين بنوا أمجادهم، وأقاموا مستوطناتهم على رفات أجدادنا وآبائنا، التي غرقت في بحر دمائنا.

يا فتحُ، يا من شققتِ بنا بحارَ الألم، والدموع، والمجازر، والمآسي، أنتِ صناعةُ شعبٍ هو والمجدُ صنوان لا يفترقان، تعلَّمنا على يديكِ أنَّ الكرامةَ، والعزةَ، وصدقَ الانتماء قيمٌ تتفجَّرُ من جوفها، ومن أعماقها ينابيعُ الصبرِ، والوفاء، والاصرار، وعشقُ الشهادةِ، وتقديسُ المقدسات، وبذل الدماءِ رخيصةً لأنَّ الدماءَ هي مدادُ الشرفاء به يكتبون تاريخهم وأمجادَهم.

يا فتحُ في أحضانك تربَّى العظماء، وأصحابُ الهمم العالية، وصُناع التاريخ، وعلى دربك مضى الشهداءُ، ومن أجل كرامتِك وعزتكِ وشهامتك يتعذَّبُ الأسرى، ويصمدُ المعتقلون، ويعاني المرضى المزمنون، وتعاني الحرائرُ الأخواتُ في غياهب المعتقلات والزنازين، ومن أجل ذلك تُقتل البراءةُ والطفولةُ في أطفال فلسطين على كراسي الجَلدِ، وشلِّ الأطراف، والتلذذ بصراخ مواجعهم، ونزيف جراحهم. لكنَّ أطفالك يا فتح يتخرجون من زنازين الجَلد، والرعب، والأحقاد الصهيونية المتراكمة، يتخرجون مناضلين، ويصبحون اكبرَ من أعمارهم.

يا فتحُ الأبية أنت مهدُ الوطنية، وأنت القلبُ النابضُ في المسيرة الثورية، وأنت الصدرُ الرحبُ الذي عليه ترتاحُ قوافلُ الثوار من كل حركات التحرر العالمية،ومن صدرك يا فتحُ رضع الثوارُ، والأوفياء، وعشَّاقُ فلسطين حليبَ المجد والعنفوان، والاعتزاز والإصرار على استكمال المسيرة.

ولأنك أنت يا فتح من أنجبتِ الرمز ياسر عرفات، وتوأمَهُ خليل الوزير، ومساعدَهُ الايمن صلاح خلف، والعقل المفكر والمبدع خالد الحسن، وصاحبُ الكلمة الفصل نموت واقفين ولن نركع عمروش فلسطين، والمؤتمن على الثوابت الفلسطينية الرئيس أبو مازن، ولأن المسيرة يا فتح الإباء تطولُ، وترتدي أجمل حلتها برجالك الأوفياء نقول لك:

أنت المؤتمنة على مسيرتنا، وأنت حاملة الأمانة الثقيلة، وفي رحابك تعلمنا أن لا نركع إلاَّ لله، وأن لا نرفع الرايةَ البيضاء، مهما  إسودَّت الأيام، ونزفت الدماء، واشتدَّ الظُلمُ والظلام.

تعلّمنا منك يا فتح أن نفتح قلوبنا، وأيدينا، وعقولنا لرفاق الدرب، لأنَّ ما يجمعنا أكثر مما يفرِّقنا، ولأنَّ الدم لا يصير ماء، وندرك أن اليد الواحدة لا تصفِّق مهما اجتهدنا.

نشد على يديك يا حركتنا الرائدة، ونباركُ كلَّ شهدائِك، وشهداء فلسطين، ونباركُ لأسراك، وجرحاكِ صمودَهم وصبَرهم على جنود السجَّان وعنصريته السوداء، ونحن على ثقة بأنَّ تبييضَ المعتقلات والزنازين من كل الأحرار والأسرى أصبح قريباً. 

أنت أَملُنا الوحيد لأنك أنت الطريق إلى فلسطين. نحن عشقناكِ منذ انتمينا إليك، ولا نرى غيرَك مخلِّصاً لنا من أزماتنا، وتعقيدات أوضاعنا، نحن ربطنا مصيرنا بمصيرك، فأنت يا فتح يا أُمَّ الوطنية الفلسطينية، يا من أحسنتِ تربيتنا، واحتضنتِ شهداءَنا، وبلسمتِ جراحَ أسرانا، وحفظت تاريخنا، وما زلتِ فوق رؤوسنا، نستظلُّ بظلكِ، ونستدفئُ بحضنك، ونحلمُ بمجدكِ. ولأنك كذلك بالنسبة لنا، فأنت أُمُّنا التاريخية، وندعوك أن لا تضعفي، وأن لا تنحني، لا أمام غريب، ولا أمام قريب، وأن لا تتأثري بطعنات الخناجر والسكاكين من أقرب القريبين، الذين يبحثون عن مصالحهم، ورغباتهم، ولهم حساباتُهم وشهواتُهم. تذكري دائماً أنَّ أبناءك المخلصين لك، والباحثين عن عزَّتك وكرامتكِ، والحريصين على وجودك وسلامتِك، والذين ارتبطَ مصيرهم بمصيرك، هم لا يغيرِّون، ولا يبدِّلون لأنهم وهبوا حياتَهم لكِ والاستشهادِ في أحضانك، فاطمئني، ولنا عليك أن تبقي شامخةً، ولكِ علينا أن نبقى حُرَّاساً عليك، وعلى أهدافكِ، ومبادئكِ، وأحلامكِ. 

هذه المرحلة هي مرحلة الأصالة الوطنية، مرحلةُ نكران الذات، والاستعداد للتضحية بكل ما نملك من أجل كرامة الشهداء الذين ضحوا بالغالي والنفيس، وغادروا البيوت السعيدة، وتركوا أُسرهم تحت رحمة الله، وراحوا يبحثون عن رضى الله، وعن كرامة الوطن والمقدسات، وعن تحقيق أمنيات الأجداد والآباء، وطموحات الأبناء.

نحن اليوم نعيش في معترك أتون التحديات، وتحت سقفٍ ساخنٍ من الضغوطات والمؤامرات، وتحت كابوسٍ لا يُطاق من سيوف وخناجر التصفيات. وأنت اليومَ يا فتح في عين العاصفة الصهيونية، لكنَّك وكما كنت دائماً في قلب العاصفةِ الفلسطينية، هي عاصفتُك التي وُلدتْ من رحمِكِ، ورجالُها الذين أدوا القسم، وحملوا راية الاستشهاد والجهاد، وتسابقوا في تنفيذ العمليات ونيل شرف الشهادة، فمنهم من أدى الأمانة، وانتقل إلى رحمة الله، ومنهم من ينتظر، وما بدَّلوا تبديلاً.

نُسرُّ في أُذنيكِ يا فتحَ العصية كلماتٍ معدوداتٍ فيهنَّ جواهر الأمر، وبيت القصيد.

أنت اليوم يا فتح أُمُّ الصبي، وأنت قلبُ الوطن النابض، وأنت المقياس والمعيار، وأنتِ الوجهُ الجميل للأرض المباركة، من أجل ذلك كله تتوجَّهُ اليومَ كلُّ السهامِ والخناجرِ إلى صدرك، وقلبكِ، من أجل قتلكِ، وتركيعكِ، ومن أجل أن يفقد شعبُك كلَّ مخزونه الوطني، والتاريخي، والوجودي، والديني. أعداؤك وخصومُك يعرفون تماماً أنك يا فتح حُصننا الأخير. نحن أبناءَك اليوم على المحك، فإمَّا أن نكون أو لا نكون، وبأيدينا نحن أمرُ القضية، فنحن أبناءَ الفتح لسنا ملكاً لأنفسنا، وإنما نحن ملكٌ لشعبنا ولقضيتنا الوطنية، وهذا حملٌ ثقيلٌ لكنَّه مُشرِّفٌ، لأنه يحدد مصيرنا ومستقبلنا. ومن يريد مواصلةَ مسيرةِ الفتح عليه أن يكون عصامياً، منتمياً، مستقيماً لأن المرحلة القادمة هي مرحلة الكفاح، والجهاد، والاستشهاد، والتضحيات بعيداً عن المكاسب، والامتيازات، والبحث عن الثروات.

والنصرُ آتٍ آت.......

عضو المجلس الثوري
مسؤول الاعلام المركزي - لبنان

التعليقات