ما وراء الصورة

ما وراء الصورة
ريما كتانة نزال

محقة تماماً، ردود الفعل في الأوساط النسوية والحقوقية، على ظهور رئيس ديوان قاضي القضاة في صورة واحدة مع الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة، بعد أقل من شهر من مقابلته المثيرة للجدل حول تشجيعه ضرب النساء التأديبي والتربوي. ردود فعل موضوعية ومفهومة دون إخفاء وقوع البعض في المبالغة الشعبوية. 

لقد تحدثت الصورة عن نفسها بكل صراحة، لكنها لم تكشف كامل الرسالة التي توجهها، الأمر الذي ينبغي إمعان النظر والتعمق بها مليّاً؛ لأنها القطبة الخفية وراء الجمل الرنانة، وخلف عدم نشر اتفاقية «سيداو» وعدم التطبيق الجدي لها، وعدم وضع جداول زمنية للتطبيق. وهذا بنظري ما يتطلب البحث فيه.

لا أُفشي سراً عندما استنتج أن ملخص الرسالة خلف الصورة، يكمن في معناها الصريح في تشريع مرجعية ديوان قاضي القضاة للقوانين الاجتماعية، أي تشريع الجهة التي تتعدى صلاحياتها المسندة لها وبما يعني التعدي على صلاحيات وزارات ومؤسسات رسمية أخرى، ناهيك عن مصالح قطاعات مجتمعية واسعة ومنها قطاع المرأة. هذا ما تقوله الصورة وأكثر. 

أكثر من ذلك، التناقض الحاصل ما بين التوقيع بلا تحفظ على الاتفاقية الحقوقية وجوهرها عدم التمييز الممارس ضد المرأة، وما بين مرجعيتها الأيديولوجية التي تنكر على النساء حقهن بالمساواة.

نعم، الصورة تقول: إن المعركة مع تغيير القوانين صعبة وطويلة، وليست بالسهولة التي يتصورها البعض. إنها معركة تغيير الثقافة السائدة قبل تغيير القوانين، بسبب الخيط المتين الذي يربط بينهما. إنها معركة ضد الظلم والاستلاب والقهر والتمييز. إنها معركة ترسيخ المواطنة المتساوية، ورفض تصنيف المرأة كمواطنة من الدرجة الثانية. معركة تفكيك المنظومة الأبوية الذكورية، وترسيخ شمولية المبادئ والمعايير الخاصة بمنظومة حقوق الإنسان، ورفض التجزئة والانتقائية. 

وإذا ما أمعنا النظر إلى الصورة العامة بعمق، لا بد من ملاحظة أن الصراع المجتمعي قد تأجج بعد المقابلة التلفزيونية الشهيرة لقاضي القضاة، بعد إصدار البيانات الاستنكارية من أحزاب وقوى اجتماعية ونسوية، بعد التظاهرة المنددة بالتفوهات، عدا المطالب التي بلورتها البيانات والتظاهرة امتدت مساحتها من الاعتذار حتى الإقالة، والمطالبة بالإسراع في إصدار قانون حماية الأسرة. 

ما ظهر خلف الصورة، يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن معركة المساواة شاقة، وأنها لن تأتي على طبق من ذهب. إنها حلقة من حلقات النضال لتكريس الدولة المدنية غير التمييزية كما وضع أساساتها القانون الأساسي، الذي نصَّ على بطلان التمييز بجميع أشكاله ومصادره وعدم ربطه بمنحى حياتي معين. معركة المساواة وعدم التمييز حلقة من حلقات الاشتباك بين الحركات الاجتماعية المدافعة عن سلّة الحقوق الكاملة للمرأة مع منظور اجتماعي تقليدي سائد يحرص على استمرار الاختلال المجتمعي على مستوى الحقوق والحريات. للمفارقة أن يتم استمرار قيام القوانين بحماية الرجل والاستمرار في السماح له بالعمل على تعذيب المرأة.

التمني شيء والواقع شيء آخر، وهذا يعني أن الطريق ما زال طويلاً ومريراً لتأخذ المرأة مكانها ومكانتها، مثلما يجب القول: إن قطاع المرأة لا يزال غير مأخوذ على محمل الجدّ. 

حُكْمٌ لا يحتاج إلى برهان، فبنظرة عامة وسريعة إلى مشهدية المشاركة العامة للنساء، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنكشف معالم الصورة دون رياء، ومن يحتاج فحص الحُكْم ووجاهته، فليتمعن في الإحصائيات، معدَّلات مُفزعة على غير مستوى، لنتأمل في معدلات البطالة والعمالة ومراكز القرار. 

ولكي لا يوضع كلامي في غير موضعه، أنهي نصّي بالقول: إنه لا اعتراض على الحوار مع رجال الدين كأفراد، فالحوار دائماً مُتاحٌ وضروري، لكن الاعتراض على مبدأ التفرد وتغييب المرجعيات الحقوقية الأخرى المحلية والدولية التي تعكس شكل وهوية الدولة، من قبل المؤسسة الدينية الرسمية، التي عليها الالتزام بموقف الدولة ورؤيتها المستقبلية. الاعتراض على توظيف المنصب الرسمي لعكس رؤية «أيديولوجية» خاصة على شكل الدولة ورؤيتها، وتالياً على منظومة التشريع، بما يعني التنكر للتحولات والتطورات المجتمعية الجارية دون توقف، بما يقول صراحة: إن ما يتم منحه عبر المصادقة دون تحفظ على الاتفاقيات، سيتم استعادته خلال التطبيق.

التعليقات