لماذا أحببت الحكيم؟

لماذا أحببت الحكيم؟
معمر خلة...
لماذا أحببت الحكيم؟؟
في الذكرى الحادية عشر لرحيله..
بصدق لقد أحببت الحكيم وفي كل عام أحيي ذكراه في مقالة خاصة منذ أن رحل وذلك يوم سبت في 26_8 كانون ثاني للعام ٢٠٠٨ في عمان. لن أنقب في مناقب الحكيم النضالية والسياسية كثيرا رغم أنه يستحق ذلك كزعيم وبطل قومي عربي. وهو من كرس كل حياته في النضال والكفاح من أجل فلسطين ومن أجل القومية العربية. ولكن سأنقب في مناقب شخصيته القيادية والإنسانية التي من أجلها أحترمته وأحببته. لو تناولنا شخصية الحكيم القيادية والإنسانية تحليلا نفسيا دقيقا وغصنا في عمقها وأبحرنا في غياهبها لأكتشفنا في شخصيته على الدوام شخصية قريبة من الشخصية الأسطورية في بعدها الخيالي ولهامت على فكر كل متخصص نفسي او اجتماعي هالة حيرته وأستوقفته عند تحليل شخصية الحكيم لقوتها ودقتها وحساسيتها.. حينها سيكتشف أي محلل نفسي بخلاف أنه كان صمام أمان في كل مراحل العمل الوطني وبخلاف انه كان مناضلا صلبا وقائدا ثوريا شجاعا. سيكتشف أيضا أنه كان اكبر واعظم عمالقة النضال الوطني الفلسطيني إنسانيا وقيادة وخلقا. ولربما يختار له وصفا بحواري الثورة وليس حكيمها فحسب ولربما كان كالمسيح نفسه.. فهو لم يتلوث في أي من قضايا الفساد لا المالي ولا السياسي ومات وهو ومايزال قابضا على مبادئه ومتسلحا بنفس قناعاته حيث كرس حياته للعمل الدؤوب والمتواصل من أجل فلسطين ومن أجل مستقبل أفضل للأمة العربية. من طبيب أطفال تحول إلى طريق النضال ليعالج جراح شعبه ويعيش هموم أمته مؤمنا بالهوية العربية وبحتمية الانتصار وهزيمة المشروع الصهيوني .سيكتشف ان كل من عاشره وصفه بأنه كان مؤدبا ولطيفا وانسانا بكل ما لهذه الكلمة من معنى. حيث كان يهتم بالإنسان اولا ويسأل عن احوال وهموم الناس من حوله ويحاول ان يساعد على حلها وكان يعترف بخطئه امام الجميع ويسجل اخطاء تنظيمه في الإجتماعات ويقبل ان يكون مع الاقلية ويلتزم بالقرار رغم انه مؤسس الجبهة وقائدها وحتى حينما تنازل عن قيادته لم يختر رغد العيش وكان بمقدوره ذلك لو أراد. كان شريفا طاهرا ولم تتلوث يده بالفساد رغم انها اصابت الكثيرين وعاش ومات ويده بيضاء تعطي ولا تأخذ رغم توفر لحظات كثيرة كان يستطيع فيها ان يأخذ الكثير. وسيكتشف أي محلل نفسي من ميزات الحكيم أنه كان إنسانا دافئ القلب حنون مسكون بألم شعبه وهذه صفات معايير يفتقدها شعبنا اليوم مع استشراء المصالح والأنانية في الشخصيات القيادية الحالية. وكان رجل قيم ومثل وأخلاق ولذا أخذ مكانته فلسطينيا وعربيا بهذه القيم وبعناده كمناضل استثنائي وبجرأته وبقدرته خطيبا مفوها صادقا قريبا إلى العقول والقلوب... سيكتشف أن الحكيم لم يغدر برفاقه ولم يرشهم بالمناصب ولم يغدق عليهم المال ولم ينفح أحدا أي امتيازات لكسر عينه ولم يشتري ذمة أحدا ليضعه تحت إبطه لأنه لم يكن يتدخل في الشؤون المالية. حيث عاش ومات متواضعا أقرب إلى المتصوف منسجما مع فكره ومتصالحا مع نفسه ومع المثل التي حرص على زرعها في نفوس رفاقه. وهو الذي جسد مقولة أن الثوري هو آخر من يأكل وآخر من ينام وأول من يموت. الحكيم كان يتمتع بالجرأة الأدبية بتطبيقه ما يقتنع به فكريا وسياسيا على نفسه اولا قبل أن يطلب ذلك من رفاقه او من عامة الشعب. وكان يعود عن أي موقف يكتشف خطأه ويصر أن يعلن هذا الخطأ وينتقد نفسه علنا اذا اكتشف خطأه وعمل على ارساء هذا التقليد في مؤسسات جبهته. وبخلاف نظافة اليد واللسان والنزاهة الأخلاقيّة والتواضع في المأكل والملبس والعيش سيكتشف تلك الحساسية الخاصة تجاه عوائل الشهداء والأسرى والفقراء والمساكين. ويذكر من عايشه في مرحلته الأخيرة حتى قبل وفاته أنه كان إنسانا بشوشا بطيء الحركة يرهق نفسه بالكلام والوقوف حين يستقبل من يزوره وحين يودعه ذلك أن الحكيم تعلم منذ طفولته أن احترام البشر واجب أخلاقي وأراد أن يعلمنا أن من سمات القيادة الحقيقية أن يكون القائد من الناس ومعهم. وسيكتشف ان الحكيم رغم أهميته ودوره وكارزميته إلا إنه لا ينتمي الى مدرسة الباحثين عن الشهرة بأي ثمن من اجل تسويق شخصيته أو روايته بل كان يرفض إجراء المقابلات الصحفية ليس من قبيل التمنع وانما لأنه كان يرى ان القائد لا يجب ان يثرثر ويكرر آراءه ويتحدث فيما يفهمه وفيما لا يعرف عنه. وكان يسمع اكثر مما يتكلم رغم ان هذا المنطق لا يبدو منسجما مع خطاباته الطويلة التي كان يتحدث فيها اكثر من 4 ساعات دون تعب وبترابط بحيث ينتقل بالخطاب من موضوع الى آخر. فالقدرة على القاء هذه الخطابات الحماسية والفكرية كان خير دليل علي أنه كان يستمع اكثر مما يتحدث. هذا هو الحكيم الذي أحببته والذي أمضى ما يزيد عن خمسين عاما مكرسا حياته من أجل قضية آمن بها في زمن كهذا قل أن تجد إنسان ملتزم بمبادئه ولا يحيد عنها قيد أنملة..هذا هو الحكيم الذي قرأنا عنه وراقبنا مواقفه الفكرية والسياسية رغم أننا لم نعايشه عن قرب.. الحكيم لم يكن من المغضوب عليهم عند شعبه إنما كان من المغضوب عليهم عند ومن كل أنظمة الاستبداد والتخلف الاجتماعي عند ومن كل أتباع الفوضى والفكر الظلامى. رحل عنا حكيم الثورة في وقت كنا ومازلنا بأشد الحاجة اليه..وقت كانت تعصف فينا ومازالت حالة من التشرذم والتمزق لم تشهد لها قضيتنا الوطنية مثيلا منذ الاغتصاب الصهيوني للأرض.. ..ولكنه القدر الذي اتخذ قراره. ستبقى ذكرى الحكيم حية فالمناضلون الذين وقفوا في مقدمة صفوف الكفاح ضد الظلم والاضطهاد لا يموتون إذ تبقى طريقهم وسيرتهم وتضحياتهم منارة تسترشد بها الأجيال المتعاقبة في مسيرة الكفاح من أجل تحرير الأرض والإنسان. رحل الانسان المتواضع الصادق وترك وراءه ميراثا يجعله شخصا سيبقى اسمه شامخا مؤثرا وحاضرا في ذاكرة ووجدان الشعب الفلسطيني. وشعبنا لن ينسى لهذا القائد مآثره ومناقبه ودروه الوطني . وفي الختام ندعو قيادة شعبنا إلى استلهام سيرة القائد الكبير وذكراه العطرة في سبيل توحيد الصف الفلسطيني ووضع حد للانقسام والانشقاق الحاصل في الساحة الفلسطينية.
مرقد الحكيم اليوم في مقبرة الســحاب في عمان رغم أن مكانه الطبيعي في مدينة اللد التي نما وترعرع فيها وشهد بأم عينه احتلالها وتشريد أهلها... أتمنى إن يأتي اليوم الذي يتحقق هذا الحلم الفلسطيني وهو أن يدفن الحكيم وينقل ثراه إلي وطنه وبلده ومسقط راسه في مدينة اللد بإذن الله قريب. رحم الله الحكيم ولترقد روحه بسلام وعلى روحه الرحمة والسلام...

التعليقات