حلم ما بعد التقاعد..

حلم ما بعد التقاعد..
حلم ما بعد التقاعد..

أحمد حسن الزعبي

ما زلت أشعر أنها ليست مهنتي..أو على الأقل ليست المهنة التي أستطيع أن أموت عليها..أو يموت عليها شخص برّي مثلي..كانت كل أمنيته في الطفولة أن يرتدي “جزمة طويلة” من المطاط ويمشي في الحقول المحروثة .. هل يعقل أن امضي سنوات عشر عجاف أخر وأنا أكتب وأعارض وأنتقد وألقّن الأموات مصيرهم ، وأحمل لافتة في وجه القطار أن الطريق مغلق والاستمرار بهذه السرعة وهذا الاتجاه قاتل..هل أنصت حتى أسمع صوت الارتطام؟؟..لا لا لا أريد..أن مهمّة قرع الجرس تورث الصمم..وأنا عندي أمل بسماع صوت العصافير المعجون بالريح في سهل بعيد بعيد عن قذارة السياسة كلها..
أحلم بعد سن التقاعد ، أن أقوم بإنشاء مزرعة صغيرة نائية لا يصلها الا التراكتورات وصهاريج المياه ، أقوم بتربية بعض الدجاج البلدي والحمام والبط ..أقسّم المزرعة الى قسمين ،”صيرة أغنام” ، و”صيرة عجول”..أصحو باكراً بيدي شاعوب ، أنزل “بالات” التبن من الرفوف العلوية ، انثرها في معالف الرفاق أتفقد دلاء الماء ، تفزع الدجاجات من مروري المستعجل و”يبقبق” الديك محذراً نساءه بفتح الطريق أمامي..أقوم بهواياتي القديمة ، قصقصة الخيطان من أرجل الصيصان “المشلبكة” ، وتأديب “الدجاجات” المسترجلة ذات الصوت الحاد وإعادة السيادة للديك، كما سأعتني كثيراً بتسمين العجول بعد أن خسرت جولاتي طيلة السنوات الماضية بتسمين العقول..سأجمع بعض الحطب من حول المزرعة وأصنع شاياً على الحطب..أجلس على حجر غير منتظم..ألف سيجارة هيشي..مع شاي الحطب وأنا بكامل قيافة شقائي..طاقية وبنطال عتيق ممزق عند الركبتين وجزمة مطاطية طويلة كتلك التي كنت احلم بها في الطفولة..

أريد أن أجمع البيض وأضعها في سلة واحدة ، وأعدّل الثلم الأعوج، وأربي ثوراً لأحرث عليه، أريد أن أسمع صوت الزغاليل في الطواقي المرتفعة ، وأغرف من كيس الشعير تنكة وانثرها للدجاج حيث يهجم إلى الطعام ويتحلّق حولي..لا أريد تكنولوجيا ولا سياسة ولا نفاق ولا خدر العامة..تلفون “لوكس” يكفيني فيها أرقام ضرورة فقط..”صاحب تنك المي”، “اللحام نواف،” عبدالرحمن..ملبنة”..”عمر تبن”، “عبود..”…”عجول”..
أريد أن أعود الى البيت منهكاً لا اروي لأولادي قصصاً ولا أخباراً الا عن الأغنام والدجاج والعجول والمعاشير..سأبداً حياة جديدة…

التعليقات