عن خطاب الكراهية في المجتمع.. وضد النساء!

عن خطاب الكراهية في المجتمع.. وضد النساء!
ريما كتانة نزال


خطاب الكراهية، مقولة أصبحنا نسمعها مؤخراً، مما يعني الإقرار بوجودها، وليس أدل على موضوعيتها أكثر من استيعاب قانون الجرائم الإلكترونية في أحد بنوده مساءلة وتجريم من يُحَرِّض على الكراهية، وهو تطوير قانوني في زمانه ومكانه، واستجابة لمقتضيات الحالة ومتطلباتها. فلا يمكن وضع الرؤوس في الرمال المتحركة.. والتغاضي عن تحوُّلات الانقسام ومآلاته تجاه تفسيخه النسيج الاجتماعي؛ وصولاً إلى تكوين حالة اصطفاف وعداء بين القوى السياسية المتنازعة وقواعدها الاجتماعية، تبعه تشكُّل حالة احتقان مشاعر الحقد والكراهية والعداء المتبادل. بمرور الوقت تكثفت الضغائن للتعبير عن مصالحها باستهداف الآخر المختلف؛ الخصم السياسي والفكري والاجتماعي من حيث الوجود، من الإقصاء نحو الاقتلاع. 

انتشار الحقد والضغينة نتيجة طبيعية وانعكاس للحالة الانقسامية الداخلية، تطورها من مرحلة الى أخرى، وبين اتفاق وآخر. كما لا يمكن عزل تفاقم حالة الكراهية في المجتمع الفلسطيني، عن حدة الصراع الجاري في الاقليم وتأثيراته المحلية. 

تبعاً لذلك، ومن المنظور العام لا بد من التقرير بأن قطاع المرأة جزء لا يتجزأ من خطاب الكراهية المجتمعي، كونها جزءاً لا يتجزأ من المجتمع المنقسم على نفسه، ومن تطرف الحالة الفئوية والتعصب الأعمى وتسببهما على الأقل في شرعنة البغضاء والتعدي وجميع الانتهاكات تجاه الحريات العامة، والضرر والخراب أكبر وأشدّ، رمزياً ومادياً. 

في مصطلح كراهية النساء "الميزوجينية": خطابٌ نسوي مستخدم على الصعيد العالمي، يسند ظهره إلى قراءات ثقافية لنصوص فلسفية وروايات مهمة كان لها وقعها وتأثيرها العام، بينما سجل خطاب كراهية النساء في الواقع العربي دخولاً محتشماً. 

مقولة ومصطلح "كراهية النساء" في فلسطين، في الواقع والمفهوم مصطلح إشكالي وملتبس. إشكاليته اللُغًوية، الكراهية أحد التعابير ذات الصلة بالمشاعر، كلا الرجل والمرأة مُعَرَضيْن لها. ليس بالامكان اقتصاره على النساء كما لا يمكن تعميمه على كلّ النساء، التعميم يصطدم ظهره بجدار الحقيقة.

وفي الواقع الفلسطيني، مصطلح كراهية النساء يعاني من الارتباك كون الخطاب النسوي تأسس على واقع التمييز الممارس ضد المرأة بسبب اختلاف الجنس، وترسخ المفهوم بسبب ممارسة عملية إقصاء منهجية للنساء عن مراكز القرار، وثبتت مصداقيته على خلفية عدم تطبيق الاتفاقيات الدولية الموقعة ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ويجد مسوغاته في عدم حسم رؤية وموقف الحكومة وترددها تجاه استحقاق انضمامها لمبادئ واتفاقيات حقوق الانسان. لذلك لا بد للنقاش أن يتمعن في مصطلح كراهية النساء ورفض تعميمه والتساؤل عن مدى ملاءمته لحالة المرأة الفلسطينية، ليأتي الجواب فوراً بنفي المُقاربة، مادياً ورمزياً.

لا شك ان مصدر مصطلح الكراهية ضارب في الجذور؛ تاريخياً. لقد عرفت حُقبة الجاهلية ما عُرِف بممارسة وَأْد البنات كعنوان صارخ على كراهية إنجاب البنات، وعلى الرغم من تحريم الإسلام وأد البنات، لكن المنع لم يَجُبّ ثقافة وأْدَ النساء بالحياة. حيث بقيت كراهية إنجاب البنات تعيد صُنْع تراث وثقافة الوأد من خلال إنتاج ثقافة التمييز ضد المرأة وتحقيرها، بمعنى استمرار محاولات تثبيت وضعيتها ومكانتها الدونية. 

وأد المرأة في مواصلة عدم الاعتراف بالمساواة التامة على أساس المواطنة المتساوية، قانونيا وسياسيا واجتماعيا، ضغط إسفنج المشاركة وتضييق مساحة وجودها في مجالات صنع القرار، ضغط الاستقلالية الاقتصادية وتحجيم منافذ وأبواب العمل، وصولاً الى صنع انطباع عام عن تكامل مشاركة المرأة للرجل.

عمل النساء مُكمِّل لعمل الرجل، أدوارهن تكميلية للرجال لتقويته وإسناده، مكمل ضمن علاقات القوة ومنظومة الأولويات والمسؤوليات الفسيولوجية. من تحت إبط التكامل تستمر النظرة الدونية، وتتأصل هشاشة وضعية النساء في المجتمع، ويترسخ خطاب التمييز وتجديده بنعومة، ويستمر احتياج المرأة الى تقديم البراهين والاثباتات لرفع الدونية عن كاهلها فردياً، التمعن في كل حالة على حدة.  

وفي المجمل، مقالة استهلالية على عجل للتعامل مع منتجات وتدرنات وشحن ثقافة الكراهية، التي تنتشر وتتغلغل بالمفاصل كنتاج لحالة الانقسام، بهدف قرع نواقيس الخطر ومتطلبات العمل الجاد لكبح اتساع نطاقها وتوطُّنها.

وفي اليد الأخرى، استهلال من أجل تحديد مفهوم كراهية النساء لصالح تسمية الأمور بأسمائها، بعيدة عن الاستعارة. باعتباره خطاب توصيف واقع الدونية والتمييز في مجتمع أبوي يميز ضد النساء. 

هذا ما يطفو دائماً على سطح جميع القراءات للسطور المكتوبة وما بينها، تلكؤ ومماطلة وتملُّص من تطبيق قرار المجلس المركزي الخاص بمشاركة النساء بـ 30% من مؤسسات ودوائر الدولة، بين سطور قرار وتوجهات الحكومة تجاه التحفظ على اتفاقية "سيداو".

التعليقات