"ملّة الطغاة"... واحدة

"ملّة الطغاة"... واحدة
كتب عريب الرنتاوي

لكأننا نشاهد هذا "الفيلم" مرات ومرات، ولكأنه مفروض علينا أن نشاهده في كل مرة يعرض فيه، مع أنه فيلم ممل ومؤلم، ويتركنا ننزف من عقولنا وأرواحنا، وليس من شراييننا وأوردتنا فحسب.

يجلس الحاكم العربي على سدة الحكم لسنوات وعقود، يترك بلاده للفقر والتهميش والجوع والبطالة، ويترك شعبه نبهاً لكلاب الشرطة و"زوار الفجر" ... يعجز عن حفظ كرامة المواطن وسيادة الوطن واستقلاله، وأحياناً وحدته الترابية ... ثم يُصاب بـ"الدهشة" حين تخرج الألوف المؤلفة في تظاهرات الغضب والاحتجاج، فيبدأ البحث عن خطوط وخيوط "مؤامرة خارجية" و"فئات مدسوسة" وعملاء وخونة أرادوا تعكير صفو علاقته بشعبه ... فهو لا يرى أن ثمة ما يستوجب هذا الغضب، وأن الشعب لو ترك من دون "تحريض على الفتنة" لما غادر صمته وسكينته، تشعر أحياناً، وانت تصغي لخطاباتهم، أنهم مؤمنون فعلاً بأن علاقتهم بشعوبهم "صافية"، وأن ما يجري قد دبر في ليل، وأنه "من فعل فاعل".

ولأنهم "ديمقراطيون بالفطرة"، فإن الطغاة العرب لا يمانعون في ممارسة الحق بالتظاهر السلمي – الحضاري ... أخرجوا لسويعات، ولمرات معدودة، وقولوا ما تشاؤون، ولكن من المفضل أن تعبروا بـ"أدب" عن مواقفكم، ولكن حين يتحول الحراك إلى طوفان شعبي هادر، يكشّر الطغاة عن أنيابهم، ويبدؤون بكيل الاتهامات للعملاء والمندسين والخونة، و"كفار قريش إن شئتم"، ويشغلون آلتهم القمعية بأعلى طاقتها.

ولأنهم من "أولي الألباب" فهم يؤمنون بأن لنا في القصاص حياة، وهل القصاص هو شيء آخر غير قتل المتظاهرين في الشوارع؟ ... هم لا ينتظرون جواباً على تساؤلهم، فكلام الله كما يندرج على ألسنتهم وسياطهم واضح كل الوضوح ... ولكنهم لا يوضحون لمن ستكون الحياة، للشعوب المقهورة أم للطغاة المتسمرين على عروشهم.

تستمع لقراءاتهم للحدث فتظن أن عواصمهم هي "المدينة الفاضلة" و"صدر الإسلام" أو "هانوي – هوشيه منّة"، فما يجري هو "حرب على الدين والوطن"، وأن الأوطان لا تقدر بمال ولا بقمح ولا شعير ... مع أنهم لم يتركوا وسيلة إلا ولجأوا إليها لحفظ "كراسيهم"، من التطبيع مع إسرائيل وفتح الأجواء معها وإليها، إلى إعلان الحرب على إيران وحلفائها في المنطقة، استرضاءً للسيد الأمريكي وأعوانه ... عن أي دين يتحدث هؤلاء "الخلفاء غير الراشدين"، وعن أية أوطان يتحدثون وهم الذين قادوها للحروب الأهلية والتقسيم والهويات القاتلة، دع عنك الفقر والجوع والتخلف والمرض والجهل.

وحين تستمع إلى وعودهم الكاذبة، تظن أن هؤلاء قد جاءوا لتوهم إلى السلطة، مع أنهم قضوا فيها ردحاً "قياسياً" من الزمن ... وبعضهم تولاها عن أبيه، ويتحضر لتسليمها لمن أطال الله في أعمارهم من أنجاله ... وجميعهم من دون استثناء، عمدوا إلى نظرية "تصفير العداد"، فما أن تنتهي ولاياتهم المتعددة، ويستشعرون الاكتفاء بما كان لهم، ويرتضون تقييد أنفسهم بولايتين إضافتين على الأكثر، نراهم يعمدون إلى تعديل الدستور، لإعادة انتخاب القائد الرمز والقائد الضرورة، الذي لا بديل عنه إلا إياه، حتى وإن بلغ من العمر أرذله... لا أدري ما الذي سيفعله هؤلاء في بضع سنوات قادمة، مما عجزوا عن فعله بعد سنوات وعقود قضوها في سدة السلطة والثروة؟!

والغريب أنهم لا يكفون عن ترديد كلام أسلافهم، ممن أطاحت بهم شعبوهم، قتلاً وسحلاً ونفياً وسجناً ... يرددون كالببغاوات ما سبق لإسلافهم أن نطقوا به، حتى اللحظة الأخيرة قبل سقوطهم عن عروشهم وأرائكهم الوثيرة: "من أنتم والآن فهمتكم" ... لكأنهم لا يتعلمون من دروس التاريخ، ويبدون إصراراً عجيباً على التعلم من كيسهم وأكياس شعوبهم.

صدق من قال: أن الطغاة ملّة واحدة، مهما باعدتهم الجغرافيا والحقب الزمنية، ومهما تعددت مرجعياتهم وطرق وصولهم إلى السلطة، ومهما تنوعت أساليبهم لضمان البقاء في سدة الحكم، وعلى اختلاف الآليات المتبعة لإطلاق مفاعبل "الثالوث غير المقدس" : التمديد والتجديد والتوريث

التعليقات