أسئلة عام مضى وعام يأتي

أسئلة عام مضى وعام يأتي
ريما كتانة نزال

عام يمضي وعام آخرُ يأتي، عام يسلِّم عام ملامحه ومفاصله، لا جديد في المورِّث والموروث، ثمة ضيقُ أفق في المشهد. بوصلة التوقعات تنبئ أننا ماضون فيما نحن ماضون إليه، الاحتمالات الغامضة والمعقّدة. خواتيم الأعوام التي مضت تسلم راياتها للعام الجديد، على ذات الطريق وممراته الإجبارية، والاحتمالات المشرَّعة على جغرافيا جديدة. 
في أعوام مضت، اجتهد الجميع في زرع الفرقة والفتنة. نحن نحصد ما زرعنا على طريق بلا شواخص؛ أو إشارات تحذر من منعطفات أو منحدرات ومطبّات..ممر شبه إجباري على طريق الانكسارات والخسائر.
عامٌ مضى وعامٌ آخرُ يأتي: هل كثير علينا أن نقرر بإرادة جماعية توديع الأعوام الماضية، وداعاً بائناً بينونة كبرى..وداع سنوات الانقسام الذي حفر في أعماقنا مشاعر العجز وعدم اليقين والدمار الاجتماعي، ليس سراً أن الانقسام نجح في فكفكة قِيَم الترابط المصيري، وعزَّز الغرائز الشيطانية. لقد بُلينا بمتلازمة العصبوية الحزبية، التي انتهت إلى جَرْف القيم الوطنية وتقويض التراث وإهدار الفرص الوحدوية وتبذير مآثر الماضي النضالية وتصْفير رصيد القيم والأخلاق الثورية. 
على أطلال عام مضى غير مأسوف عليه، هل نأمل في مُراجعة مسؤولة ممتدة، تمتد من الوطني إلى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالملفات مترابطة ومتداخلة مع بعضها البعض، فالفشل والهزيمة لهما أب واحد.
هل نأمل؛ الوقوف أمام المرايا ونقرر إجراء مراجعة صريحة غير محتشمة للمسار، هل يمكننا أن نسمي الأمور بأسمائها الحقيقية. هل نطمح في مراجعة جادة تعي أن التطورات التي وقعت بينما كان العام الماضي يلفظ أنفاسه الأخيرة، قد زادت من تباعد المواقف وابتعاد المصالحة...
هل نأمل في مراجعة آثار الانقسام الذي استنزف قوانا، أزمة القوى والفصائل السياسية برمتها واللاعبين الرئيسيين في تطوير الأزمة وتحوّل أشكالها واستطالتها، بما أدى إلى ابتعاد المجتمع وزهده في التدخل في الشأن العام بما يشبه اللامبالاة، ونشوء أزمة ثقة مستفحلة مع الشارع ونبضه.
هل لنا أن نتوقف ونتأمل في ما تم حصاده ونفكر في الأوراق البديلة للأوراق الذابلة التي سقطت، هل لنا أن نتوقف وننظر إلى الخلف على مشهدية أعوام رحلت لكن أوشامها مقيمة في قعر دواخلنا. هل لنا أن نفكر في حالك السنين القادمة.. حين نبكي على أطلال الذكريات التاريخية المضيئة. 
بعيداً عن سذاجة خطاب الوعظ والإرشاد ومصطلحات معاجم الانقسام. دائماً مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. خطوة واحدة مليئة بالدروس والعبر وتجارب الماضي، خيباتها على وجه الخصوص. خطوة شجاعة تحمل في أعطافها إرادة التغيير والتصميم على تجاوز فوضى البيت الفلسطيني وإعادة ترتيبه، أفقياً وعمودياً، تحصين مناعته ضد التفرد والاحتواء. وتعزيز نظام وأطر المشاركة في وضع الحلول للمعضلات القائمة، تقريب عقول صانعي الحلول.   
هل لنا أخيراً، أن نودِّع وطأة أعوام التيه والإخفاق، بكل ما أوتينا من قوة ما عانيناه من فجائع وكوارث وانكسارات وأوجاع. هل يمكننا أن نودع سنوات الانقسام العجاف بقوة العقل والمعرفة والمصلحة الوطنية. هل نفكر في الأجيال التي تنتظر بارقة أمل لتقفز نحو مساحة نستنهض فيها هِمم التحدي والمقاومة، من أجل التغيير الإيجابي..قبل أن يفوت الأوان الذي أوشك على النفاد.. 
قبل الختام، هل ثمة مكان للأماني القريبة البعيدة؛ في عصر الانقسام، أم أن المكتوب لا بد وأن تراه وتسجله عين فلسطين. هل نلتقط ما علينا وننقذ قضيتنا من خطابات قتلتنا..هل ثمة مكان أن نكون على قدر من المسؤولية، قبل أن يهجونا التاريخ والجغرافيا هجاءً فادحاً.

التعليقات