بحثاً عن الشهرة

بحثاً عن الشهرة
د.يسر الغريسي حجازي

02.01.19

بحثا عن الشهرة

 "التكلفة المعتادة للشهرة : أن تكون معروفا حتي بدون متابعين ، ثم محبوبا أو مكروها لأسباب غير معروفة". ميشال اونفري

من هم الاشخاص الذين لديهم هاجس الشهرة؟ هل ستكون الشهرة قاعدة جديدة للعثور على السعادة و طعم المجد؟ السؤال الذي يجب طرحه اليوم هو اذا  النجاح يعتمد على الشهرة؟ إذا درسنا جيدا الموضع الثاني الفرويدي، وهو أحد العناصر الأساسية لنظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد ، فإنه يرمز إلى محاولة لرسم خريطة النظام السيكلوجي للإنسان. دعنا نعلم أن الكلمة الموضعية تعني الأماكن (الطوبولوجيا ، الطوبوغرافيا) ، وأنها تحدد الأماكن الروحية للادراك، اللاوعي والناعي من العناصر الثلاثة "هذا ، أنا، والأنا الأعلى". يصف فرويد التشريحً السيكلوجي علي انه متطابق مع شكل الانسان. كما ان فكرة "هذا ، أنا و الأنا العليا" تجعل من الممكن تفسير الظواهر الروحية للفرد بنهج ملموس من المعرفية، و السلوك كعنصر في التركيب الدلالي.  

يتركز الأداء النفسي حول عملية الدفاع عن الشخصية ومبدأ الإنكار، وتعريف الذات المثالية والمثل الأعلى للأنا. هي حالات تستقر في ذهن الطفل بين سن ثلاثة او اربعة سنوات لغاية حل عقدة أوديب. وفقا لفرويد (1920) ، تتميز الأنظمة الثلاثة: " هذا ، أنا، والأنا الأعلى"علي النحو التالي:

هذا (المصالح الغريزية)

 هي النفس اللاواعية و جزء من الغرائز ومن الوضع النفسي" هذا "، و الحالات الأخرى وستتطور حسب مبدأ الرضا والمتعة،

الأنا (مصلحة مجموع الشخص ، العقل + النرجسية)

إنه استمرار وتذكير دائم بذلك. يفرض بقوة حقيقة جديدة قادمة من الخارج،

الأنا العليا (عامل الحرج ، استيعاب المحظورات والمتطلبات)

بالإضافة إلى المصالح الخارجية، يضاف المثل الأعلى للذات ويقوي نرجسية الشخص.  

ومع ذلك ، فإن آلية الدفاع عند الانسان هي تطور  الانا تحت سيطرة الأنا العليا والمصالح الخارجية، مما يساعد في التغلب علي القلق. كما تكون الإقرارات اللاواعية مخالفة لمتطلبات الأنا العليا، وسوف توفر المتعة ولكن أيضا المعاناة. وبالتالي إن الأنا ستدافع عن نفسها بآليات الدفاع عن النفس. اما " أنا و الأنا العليا" هما الحالات النفسية التي ستدخل في الصراع النظامي.

الآن، دعونا نفهم ظاهرة البحث عن الشهرة و التي ظهرت مع وسائل الإعلام الاجتماعية. هناك الكثير من الناس الذين لجؤوا إلى جراحات التجميل ليحصلوا علي النجومية مثل المطربين، و الراقصين، والممثلين، والرياضيين و السياسيين الذين يريدون الظهور  دائما علي الشاشات. لكن كل واحد له وضع خاص في شهرته،و

تجمعهم النجومية مع ايجابياتها وسلبياتها.  

من الآن فصاعدا ، ان الشهرة في متناول الجميع. هل يمكن أن تكون هذه القاعدة الجديدة للسعادة؟ لدرجة أن بعض الناس مهووسون لأنهم بالنسبة إليهم، ترمز الشهرة الي النجاح.

ان الاشخاص الذين يبحثون عن الشهرة لديهم "الانا" مبالغ فيه وغير منطقي، ولا حدود لهم مما يجعلهم مصممون على تحقيق احلامهم، لأنه بالنسبة لهم هو ضرورة ملحة. ويتطلعون علي انه فلان او علان ليس احسن منهم شكلا او ابداعا. نلاحظ هنا، ان غيرة الانسان وتقليده الاخرين يؤكد عدم السيطرة علي غرائزه. وهناك كثير من الناس يدفعون اثمان باهضة، ليكونوا محور حديث المجتمع حتي لو كان بالشكل السلبي. يمكن ان يكونوا لادعين ومنتقدين سيئين للمشاهير الاخرين، لغاية ما يصبحوا بدورهم تحت اضواء النجومية فتصبح الشهرة امر ايجابي، بمعني ان الشهرة امر سيء لغاية ما يتحصلون عليها، فتصبح شرعية وحلال. ذلك ما يثبت تناقض الانسان وحبه لما يمتلكه الاخرين، مما يمنعه من تقييم نفسه بشكل صحيح ويجعله ناكرللواقع ولقدراته العقلية. كما نشاهد ذلك في المواقف السياسية علي سبيل المثال او بين المشاهير. ببساطة انهم يريدون الشهرة وان تتحدث عنهم وسائل الاعلام ، وأن يتم الاعتراف بهم من قبل عامة الناس. في الحقيقة، تظهر "الأنا" المثالية في جميع البشر خلال الطفولة  عند الاطفال، وتعتبر أساسية لتطوير حياة المرء. ومع ذلك ،إذا يتطور " الأنا العليا" باستمرار في الشخص، فقد يكون لديه استعدادات للاصابة بجنون العظمة.

 وهذا يفسر في علم النفس على أن الشخص يعاني من نقص في الحب أو في حنان الأم أثناء الطفولة، وأن هؤلاء الناس يسعون في الواقع إلى سد فجوة من خلال البحث عن الاعتراف الخارجي.

في بعض الأحيان، يكون الآباء أو العائلة هم الذين يدفعون أطفالهم إلى الشهرة من خلال تشجيعهم على الظهور في شاشات التلفزيون. وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا، دورًا مهمًا في هذا الاعتراف بالذات، لدرجة أن الناس يشعرون بالحماس ويبحثون بكل الوسائل ما اذا كانت لديهم موهبة فنية مخبأة فيهم. بالنسبة لهم، يفكرون بابتهاج كبير كيف ستصبح حياتهم نجومية ، وهم بالفعل يرون أنفسهم في الرفاهية ويتبعهم المشجعون والصحافيون والمصورون في كل مكان. ببساطة ،علينا الاعتراف ان لدى المشاهير جوانب سلبية أيضًا، لأنها تجعل حياتهم هشًة بسبب اجبارهم علي الالتزام بقواعد الشهرة.

ليس من السهل للانسان ان يتخلي عن طبيعته لتبني دور اصطناعي، حتي يصل الي الشهرة ويكون محبوبا ويظهر فقط الصفات التي لا وجود لها في شخصيته.

ناهيك عن أن تعريض حالهم للنقد العام، قد يثير تغييرات في الشخصية بين الصورة العامة والخاصة التي فقدت طبيعتها، و يمكن ان خضوعهم يؤدي الي اضطراب عميق ثم الذهان الاكتئابي. هذا هو الوضع النفسي الذي يمكن ان تخاطر فيه بفقدان هويتك، وطبيعتك الحقيقية التي تتعارض معها. كما ترتبط الصراعات بنظامية الأبعاد الأخلاقية، التي يتم اختبارها بسبب وجود تغيير في القيم المستقرة عند الانسان. هناك ايضا رفض في تلبية الاحتياجات الخاصة للانسان، مما يسبب الصراعات في الابعاد النظامية بسبب ان اثرها السلبي يمارس الضغوط علي المعنويات ويخلق هواجس يمكن أن تكون مدمرة للانسان.

التعليقات