عاشت الذكرى والإنطلاقة

عاشت الذكرى والإنطلاقة
نبض الحياة

عاشت الذكرى والإنطلاقة

عمر حلمي الغول

اليوم تحل الذكرى ال54 لإنطلاقة شرارة الثورة الفلسطينية المعاصر، وهي بذات القدر بمثابة ولادة ونشوء وبروز حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، رغم انها تأسست قبل هذا التاريخ. غير ان تاريخ الإنطلاقة للثورة تلازم وأكتسى بإعلان الحركة عن ذاتها عبر إطلاق الشرارة الأولى للثورة، فإمتزج الخاص الفتحاوي بالعام الوطني، وهو ما حرصت عليه قيادة حركة فتح منذ اللحظة الأولى للربط الجدلي بين وجودها مع البعد الوطني، وهو ايضا ما حرصت عليه دوما عبر التأكيد على الخاص الوطني، دون تغيب البعد القومي أو الأممي. لكنها أعطت بعدا لإستقلالية القرار الوطني، ونأت بنفسها عن أهل النظام الرسمي العربي، ورفضت الإنصياع لمشيئة القرار العربي، لإنها أدركت بتجربتها الخاصة، أن معايير مواجهة دولة الإستعمار الإسرائيلية بالنسبة للأنظمة الوطنية والقومية مغايرة لمعايير الثورة الفلسطينية، وعليه لم يكن مطلوبا من الثورة الإنتظار طويلا حتى تحين لحظة المعادلات الرسمية العربية.

وبناء على ما تقدم، شقت طريق الكفاح الوطني المسلح ضد دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وكان لمبادرتها بإشعال شرارة الثورة الأولى الفوز بالسبق الوطني، وفي منحها الدور الريادي الأول لقيادة الثورة، ووضعت تكتيكا سياسيا مرنا جدا، رغم تشددها وحرصها على عدم الإنصياع لإرادة القرار الرسمي العربي، لكنها أبقت كل الأبواب مفتوحة على مصرايعها لنسج علاقات إيجابية مع كل ألوان الطيف السياسي العربي، ولم تضع فيتو على نظام بعينه، مع انها تعلم علم اليقين طبيعة كل نظام، وتعرف خلفيات النخب السياسية العربية. وتمكنت بحكمتها وخاصة بعد هزيمة حزيران /يونيو 1967، والإنتصار العظيم في معركة الكرامة آذار/ مارس 1968 من دفع الكل العربي يركض خلفها لكسب رضاها وودها، وليس العكس. وهو ما إفتقده اليسار الوطني والقومي العربي.

اليوم والثورة وحركة فتح تحتفل بذكرى الإنطلاقة ال54 تحتل هذة المناسبة ميزة خاصة بها، حيث واجهت قيادات وكوادر وأعضاء وأنصار حركة فتح منذ يومين حملة مسعورة من قادة وأجهزة أمن الإنقلاب الإخواني المجرمة في قطاع غزة طالت المئات منهم بالإعتقال والإستدعاء والملاحقة والضرب، كما حصل أمس عندما تجمع ابناء حركة الفتح لإيقاد شعلة الثورة المعاصرة في ميدان فلسطين، وهم متجهين لساحة الجندي المجهول للحؤول دون ذلك.

ورغم الإنتهاكات الخطيرة لميليشيات حركة حماس ضد ابناء الفتح، ومنعهم الشعب الفلسطيني من إيقاد شعلة الثورة، إلآ انها بجريمتها البشعة، ودونيتها كأنها أشعلت الشعلة الف مرة، وأعطت الزخم الوطني الكبير للحركة وأبناءها الميامين، حتى وإن بدا بعض اصوات ممثلي الفصائل ضعيفا وخفيضا في إدانة ممارسات وإنتهاكات اجهزة أمن حماس، لكن ذلك لم يؤثر على المناسبة، لإن حركة حماس أعطتها بعدا أعمق، وأكدت للكل الوطني بما في ذلك داخل اوساط حركة حماس نفسها، من أن فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، ليس معنيا، ولا حريصا على اي شراكة سياسية، ولا يحترم الإرادة الوطنية، لا سيما وأن إنطلاقة حركة فتح، كما اشرت، هي إنطلاقة الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة، وهي للكل الوطني. ولكن حركة حماس، لإنها خارج الكل الوطني، ولإنها تعتبر نفسها النقيض، ولا اقول البديل، لإنها لا تريد ان تكون بديلا، تريد ان تجتث الهوية والتاريخ الوطني، وتبدأ التاريخ من حيث بدأت، وبدأت جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي، غير انها كما فشلت في محاولاتها السابقة على مدار العقود الثلاثة الماضية من تاريخ وجودها الأسود في الساحة السياسية، فإنها ستفشل، ولن تفلح، وسيبقى تاريخ الفتح وإنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، هو التاريخ الأنصع والأساس الناظم للكل الفلسطيني شاءت حماس أم أبت، وشاء حلفائها أم أبوا. 

ومرة جديدة تؤكد حركة الإنقلاب الحمساوية رفضها لخيار المصالحة، وتصر على التشبث بإنقلابها لبناء إمارتها البغيضة على حساب المصالح والأهداف والثوابت الوطنية. لكني أبشر حماس وغيرها من القوى الإسلاموية، ان الخط البياني لوجودها بدأ بالتراجع والإنحصار، ولن تدوم، وحانت لحظة عودة الروح للقوى الوطنية والقومية والديمقراطية، وقوى العدالة الإجتماعية. فهل تدرك تلك القوى وفي مقدمتها حركة حماس ذلك قبل فوات الآوان، وتعيد النظر بسياساتها وأهدافها ودورها المريب في الساحة الفلسطينية، أم أنها ستبقى أداة تمزيق وتخريب للقوى المعادية لمصالح وأهداف الشعب العربي الفلسطيني وشعوب الأمة العربية؟

[email protected]

[email protected]          

التعليقات