للصديق جبريل الرجوب: همسة عتاب!!

للصديق جبريل الرجوب: همسة عتاب!!
للصديق جبريل الرجوب: همسة عتاب!!

د. أحمد يوسف

في حديث مع تلفزيون فلسطين بتاريخ 25 ديسمبر 2018، طالب الصديق جبريل الرجوب؛ أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، الإخوة في حركة حماس بالعمل مع حركته على إنهاء الانقسام الفلسطيني، قائلاً: "دعونا نُنهِ هذا العار الذي صنعتموه بأيديكم تحت مظلة الرئيس أبو مازن"!!

نعم؛ أنا أشاطرك الرأي أن ما وقع كان عاراً، ولكن دعنا نعمل مجتمعين على إنهائه، ويبقى السؤال: كيف؟! وفي أي سياق وطني يمكننا أن نفعل ذلك؟

قد يُفهم - يا صديقي - مثل هذا الكلام الذي أطلقته عبر تلفزيون فلسطين في سياق المناكفات السياسية، التي يتم تبادلها عبر وسائل الإعلام، ولكنها - في العادة - لا يتمخض عنها أي فعلٍ إيجابي، عدا عن تعميق الانقسام وتكريسه، وهي تأتي بصراحة لتسجيل مواقف حزبية، وأحياناً تسحيجية، وتفتقر إلى الصدقيِّة وفصل الخطاب.

قد أتفق مع الصديق الرجوب بأن ما جرى من انقسام هو فعلاً "عار"، أصاب قضيتنا الفلسطينية في مقتلة وطنية، ولكنَّ تحميل جريمة هذا الفعل لطرف وتبرئة الطرف الآخر فيه ظلمٌ لمشهد الحقيقة. 

لست معنياً هنا بالدخول في صراع السرديات التاريخية لما جرى وكيف جرى، ومن الذي أصاب ومن الذي أخطأ؟ فهذه إشكالية لطالما عانينا منها مع عدونا الصهيوني، والذي نجح عبر ماكينته الإعلامية في تسويق روايته فيما روايتنا ما تزال تراوح مكانها وأوشكت لطغيان أدوات الدولة المارقة أن يطويها النسيان مع هذا الانقسام البغيض، الذي أذهب مكانة القضية، وشوَّه الكثير من طهارة قداستها. 

الصديق العزيز أبو رامي

 لقد كانت أبواب حركة حماس دائماً مشرعة إليك، وشاركت في العديد من اللقاءات والحوارات، التي منحتك الفرصة لأن تقوم بفعل وطني يعجل بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، ولكنك حقيقة – يا صديقي - لم تفعل شيئاً.

لذلك، فإن ما أطلقته من تصريحات على تلفزيون فلسطين مردود عليك؛ لأن اتهام حركة حماس وحدها ينافي الأمانة والموضوعية، حيث إن طرف السلطة وحركة فتح هما أيضاً في تحمل المسئولية سواء.

نعم؛ طفنا بلاد العرب والعجم وراء تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، ولكن خيولنا جميعاً عثرت، وبغالنا "جمل المحامل" أرهقناها صعوداً، فخارت قواها!! لم نصل يا صديقي لمبتغانا، وعدنا كما كنا لم نتعلم شيئاً، حيث فتحنا النار في كل اتجاه نحو الجدار، الذي شكل حصانة لشعبنا وقضيتنا، ففقدنا كرامتنا جميعاً، وهنا يا صديقي مكمن "العار".

لقد كان بإمكاننا أن ننهي خلافاتنا منذ أن وقعت الأحداث المأساوية في يونيو 2007، ولكنَّ غياب الحكمة والنباهة السياسية عند قياداتنا الفلسطينية عمَّقت الجرح، وكرَّست القطيعة والشقاق، وظلت لعنات التلاحي والخصام تباعد بيننا يوماً بعد يوم.

في الحقيقة، كان بإمكان ثُلة من أهل الخير ومن نجباء فصائلنا الوطنية والإسلامية أن تأخذ بيدها زمام المبادرة، وتقطع الطريق أمام استفحال الأمور، والتوصل لحالة من التفاهم والتراضي، و"يا دار ما خشك شامت"، ولكن - للأسف - كان الحقد والكراهية والحسابات الخاطئة قد استبدت ببعض النفوس المتنفذة في مشهد الحكم والسياسة، فلم يأتِ الإصلاح، ولم ننجح بتجاوز ضغينة "نزغ الشيطان".

صديقي العزيز أبو رامي 

ربما تعود سنوات التعارف بيننا إلى عام 2006، حيث كنت – آنذاك – مستشاراً سياسياً لرئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، وكان كلانا في زيارة للقاهرة، فقمت مشكوراً بدعوتي للغداء في أحد المطاعم بمدينة نصر. كان اللقاء التعارفي مهماً لكلٍّ منَّا، نظراً لطبيعة المناصب التي نتقلدها، وجرى بيننا حديث طويل، كان كافياً ليعرف كلٌّ منا الآخر: خلفياته العلمية، وكيف يفكر، وما هي رؤيته الوطنية؟ والمواقف التي يمثلها تجاه الآخر؛ الخصم والشريك السياسي، وكيف يمكننا العمل بما يخدم مشروعنا الوطني في سياق حالة من التعايش والتغافر والتآخي، وفق ما يجمعنا من قواسم مشتركة ونقاط التقاء وطني.  

خرجت متفائلاً عقب اللقاء، وظلت قنوات التواصل بيننا مفتوحة من حين لآخر، وخاصة عندما كانت تستشكل الأمور، وهذا ما هو عليه الحال مع أصدقاء آخرين في السلطة أو في حركة فتح.

لا أزعم هنا أنني متفق مع أحد في كل شيء، إذ بيننا مساحات من الاتفاق والاختلاف، تعود لخلفيات بيئاتنا الاجتماعية والمعيشية، وتجاربنا الحياتية والعلمية، ولكن ما تمنحه فضاءات القواسم المشتركة كافياً للحفاظ على أكثر من "شعرة معاوية" للتواصل واستمرار الحوار بيننا.

يمكنني - صديقي العزيز – أن أفهم وأتفهم ما يقوله شخص مسئول في حركة فتح عن خصومه السياسيين؛ لأننا لم نتعود الجرأة والصراحة في تربيتنا الحزبية، فدائماً "الآخر على خطأ، وأنا عدَّاني العيب"!!

لذلك، فنادراً ما تسمع من أحدٍ في فصائل العمل الوطني أو الإسلامي من يقول لك: "لقد أخطأنا وجانبنا الصواب"، حتى الإسلاميين نادراً ما يتلفظون بمثل هذا القول، بالرغم من أن الاجتهاد الخطأ لا يخلو من الأجر والثواب، وأن الاعتراف بالخطأ فضيلة!!

وعليه؛ أعود إليك صديقي العزيز (أبو رامي)، موضحاً أمراً لا يمكن أن يكون قد فاتك إدراكه في عالم الرياضة التي تعمل وزيراً لها، ولكن يبدو أنك تنكره أو تتجاهله في مضمار السياسة.. وهنا، كان وجه المراجعة والعتب عليك!!

فعندما تقع الخسارة أو التعادل في المشهد الرياضي، يأتي المدربون وأحياناً رئيس النادي ليناقشوا: أين أصاب الفريق وأين أخطاً؟ ثم يقوموا بتدارس ما هو مطلوب عمله لتحقيق نتائج أفضل في الجولة القادمة، وهذا ليس تطبيقاً يقتصر على الرياضة وحسب، فالسياسة هي الأخرى ملعب مفتوح، والأحزاب والفصائل والتيارات هي أدوات الفعل فيه.

الصديق العزيز أبو رامي..

إن عليك أن تنظر بعين فاحصة إلى الحالة التي آلت إليها أحوال الوطن، فنحن عملياً في منظار السياسة نمثل نظاماً شمولياً؛ لا ديمقراطية ولا مؤسسات، بل مجرد هياكل أجهزة تؤدي وظائف آنية، تخدم رؤية والينا "أطال الله في عمر والينا"!! فالحرية مساراتها مقيدة وثمراتها محرَّمة، والكل في مشهد الحكم والسياسة أسيرٌ للوظيفة ولقمة العيش، فلا يجرؤ أحدٌ على الكلام، كما أن نقاط حروفه إن نطق لا تبلغ في تقعيداتها المرام!! لأن سيف المعز على ذهبه قائماً، ومن يطلب كرامة العيش فإن لذهب المعز ثمناً، وأدناه الصمت، وأن تبلع المنجل أحياناً!!

صديقي العزيز.. لقد أخطأنا جميعاً (فتح وحماس) حين أحلنا شعبنا عبيداً للتنظيم، وعبيداً للوظيفة، وحين تحول ولاة أمورنا في مشهد الحكم والسياسة إلى أباطرة وقياصرة وملوكٍ للطوائف، نتعبدهم في السمع والطاعة كالغلمان والخصيِّ من الرجال!!

أين فتح يا صديقي، والتي كانت أنشودة وطنٍ وأمَّاً للجماهير، فتحولت بسبب الفساد والترهل وسياسة "ما أريكم إلا ما أرى" إلى فصيل يتشظى يوماً بعد يوم؟!

وأين حماس التي كانت ملء السمع والبصر، وكانت الأمل وطوق النجاة والمنقذ من الضلال؟! فصارت تطلب لقمة العيش المغموسة بكل نقيصة واتهام؟!

وأين وأين؟!! حيث لم تعد الساحة النضالية إلا هياكل لتنظيمات كانت عظيمة، وتحولت اليوم إلى هشيم تذروه الرياح؛ تبيع الوهم وتطهى الحصى لجياع هذا الوطن السليب!! وهي مع كل هذا الانحطاط والتراجع وذهاب رياح شوكتها، ما تزال تلعن بعضها بعضاً!! والتناجي فيما بينها لا خير في كثير منه.

الصديق العزيز أبو رامي..

إن البيت الفلسطيني تطايرت الكثير من سقوفه، وتصدعت جدرانه، وهو يحتاج إلى من يرمم أركانه، ويأخذ بيد ساكنيه.. بيتنا اليوم يحتاج - يا صديقي - إلى "دابة الأرض"، لكي تستأصل منسأة الظلم والفساد القائمة فيه، لتخرجنا مما نحن فيه وعليه من العذاب المهين!!

كم مرة تحدث الرئيس (أبو مازن) عن الانتخابات وبشَّر بها، ونحن منذ أكثر من اثني عشر عاماً نراوح في نفس المكان؟! وكم من مرة طالعنا الرئيس بتصريحات حول إصلاح المؤسسات، وتطهيرها من الفساد؟ ولكن لا حياة لمن تنادي!!    

يا صديقي.. إن ما بيننا وبين الديمقراطية بكل عناوينها المتفق عليها كالشراكة والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، واستقلالية المؤسسات التشريعية والقضائية، بُعد المشرقين وبُعد المغربين!!

إن القرارات التي تصدر في قطاع غزة والضفة الغربية لا علاقة لها بالقانون، والشرعيات التي تتمحك بها وتتمجق الجهات الرسمية هنا وهناك من حين لآخر، كلها في موضع الشك والتساؤل والاستغراب!!

شرعياتنا اليوم لا معنى لها في ظل الانقسام، ومؤسساتنا التشريعية والقضائية هي ذراع الجلاد أحياناً لمن هم في مشهد الحكم والسياسة هنا وهناك.

ويكفينا أن نسمع - أنا وأنت والشارع الفلسطيني - الجدل السياسي والقانوني حول حلِّ المجلس التشريعي، لندرك طبيعة الملهاة والمأساة والسُخف الذي يحكم منظومتنا السياسية!! فالكل يتحدث عن الشرعية، وينطلقون من فرضيات لشرعيات ليست قائمة من الناحية العملية.. نحن اليوم – يا صديقي - شعبٌ لا حول له ولا قوة؛ فالاحتلال من أمامنا، والظلم والاستبداد يحيط بنا من كل جانب!! 

نعم؛ إن الانتخابات التي يبشر بها الرئيس من حين لآخر قد تكون طوقاً للخلاص، ولكن من يضمن في ظل غياب الحاضنة الوطنية لمنظمة التحرير أن يتحقق هذا الحلم؟ 

إن الحلم - يا صديقي - هو جنين الواقع، وإن حالتنا السياسية بما هي عليه من تشرذمٍ وتشظٍ وانقسامٍ تأخذنا - للأسف - باتجاه اليأس والقنوط، ولا تبعث فينا الأمل بإمكانية تحقيق ذلك، حيث تباعدت السياسات والمواقف، وأصبحنا "غلاظ شداد" تجاه بعضنا البعض، ولن يسعفنا ما قاله الفيلسوف الإيطالي غرامشي في ثلاثينيات القرن الماضي، حين تحدث عن "تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة".

وفي سياق العودة لما ذكرت يا صديقي العزيز، بأن هناك سيناريوهين للمجلس التشريعي الفلسطيني؛ إما انتخابات أو الذهاب إلى برلمان دولة فلسطين، وهذا ما لا نختلف عليه، ولكنك أشرت ظالماً ومتجنياً على الحقائق، التي يعرفها القاصي والداني، حين ذكرت بأن حركة حماس هي من عطلت المجلس التشريعي عام 2007.

ما لكم كيف تحكمون يا أبا رامي!!

كما أنك قلت أيضاً: "إن حركة فتح لا تناقش بالمطلق قرار القضاء حتى لو كان ظالماً، والمجلس التشريعي والحياة الديمقراطية خيار ديمقراطي بالنسبة للحركة، كما أننا غير مطمئنين لأسلوب حماس السياسي ولتحالفاتها الإقليمية"!!

يا صديقي العزيز عن أي فتح تتحدث؟ فتح الرئيس أم فتح التيار الإصلاحي، الذي يقوده خصمك العنيد النائب محمد دحلان؟!

حركة فتح التي لم يتحمل نظامها السياسي أن يجادلها أحد، فتخرج سلطتها بسيف العقاب، واتهام بعض الأصوات التي لم توافقها الرأي بأنهم "شرذمة قليلة" من المتجنحين!! اليوم في أقل من ثلاثة أعوام أضحت هذه القلة قادرة على حشد سبعين ألفٍ من الشباب في الساحات والميادين في احتفالية تعكس أصالة حركة فتح في ذكرى رحيل القائد والزعيم ياسر عرفات، ولولا خشية من "يكتم إيمانه" من أنصار التيار على رواتبهم والإجراءات العقابية التي قد تطال الواحد منهم لو ظهر في الحشد، لكان هذا التيار الإصلاحي بأعداده الكبيرة هو التجسيد الحقيقي لتمثيل حركة فتح.

لم يقف صديقنا الرجوب عند اتهاماته السابقة لحركة حماس، بل عاتبها، وقام بتحميلها جريرة كل ما وقع من كوارث وطنية منذ الانقسام عام 2007!! قائلاً لحركة حماس: "بدل أن تذهبوا للأمريكان وغيرهم بالقبول بدولة على حدود الـ1967، تعالوا إلينا، وقدِّموا لنا فكراً استراتيجياً لإنهاء الانقسام، من خلال المصريين". واستطرد: "فتح استراتيجيتها قائمة على الوحدة الوطنية، التي تبدأ بفصائل المنظمة، سنخوض حواراً وطنياً شاملاً مع فصائل منظمة التحرير، ولا خلاف استراتيجي بيننا".

وأضاف: "نحن في فتح معنيون بوحدة وطنية قائمة على الشراكة والتعددية، لا وفق نموذج حماس، والمجلس التشريعي والحياة الديمقراطية خيار ديمقراطي، وما حدث في غزة جريمة وتكريسها خيانة".

وأشار إلى أن حركته لن تسمح بسقوط النظام السياسي، وأن الاجهزة الأمنية خارج التجاذبات السياسية، متابعاً: "سنعمل مع فصائل منظمة التحرير لمحاصرة الانقسام".

إن هذه الأقوال يا صديقي تحتاج إلى الحجة والبرهان، فأنتم اليوم وحيدون في الساحة، ولا أثر لكم فيما عليه الاجماع الوطني ولكنكم تكابرون، ففي الوقت الذي نجحت فيه حركة حماس في تحقيق تفاهمات وتحالفات وطنية مع الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحركة الجهاد الإسلامي والمبادرة الوطنية، حتى داخل كتلة وازنة من حركة فتح، حيث تباعدتم عن كل شركائكم والكثير من فلذات حركة فتح. أنتم يا صديقي آخر من يتكلم عن الوحدة واجتماع الصف، فالحالة السياسية الفلسطينية اليوم أشبه بالجبنة السويسرية، التي اتسعت فجواتها، ولو تركت على حالها في فضاء كالذي نحن فيه لسكنها العفن وتوطن أحشائها. 

 الصديق العزيز أبو رامي..

إن هذا الكلام الذي تتحدث به كان يمكن أن يُفهم في سياق الخطاب الوطني لو توخيت فيما تقول العدل والإنصاف، ولكنك - للأسف – خاطبت حماس بعقلك الباطن وبمكانتك التنظيمية، فلم تجرؤ على قول الحقيقة، ولم ترَ الأمور إلا من الزاوية الحزبية لحركة فتح الرئيس؛ لأن تيار فتح الإصلاحي يخالفك الرأي، وقد اجتهد مشكوراً في تعديل كفة الميزان، وخرجت قياداته بتصريحات إيجابية، تشي بالرغبة لتجاوز كل ما سلف من أخطاء، لا يُعفى منها أحد.

الصديق العزيز أبو رامي..

إن الطريق لإصلاح البيت الفلسطيني تعتمد معالمه على إصلاح منظمة التحرير؛ باعتبارها المرجعية الوطنية والإطار الجامع "للكل الفلسطيني"، والعمل على تفعيلها، بعد اعطاء كل ذي حقٍ حقه في المسئولية والتمثيل.

إن الحال الذي عليه واقعنا السياسي، واللغة الحزبية ومنطق الفرعون الذي يرسم مشهد الحكم والسياسة، لن يحرر وطناً ولا يبني ثقافة وطنية تجمعنا، ولكنه يؤسس لعقليات قبلية ومناطقية تحرمنا من مكانتنا كشعب، وتصير وجهتنا هو ما تقول به القبيلة!!

صديقي العزيز.. إن بأيدينا خريطة النجاة وأسرار الخلاص وألغازه كـ"حجر رشيد"، الذي مهد اكتشافه الطريق لفهم حضارة مصر التي يعود عمرها سبعة ألاف سنة. 

إننا أمامنا تجارب شعوب سبقتنا، نجحت في رأب الصدع الداخلي وكسب التأييد والاحترام الدولي لقضيتنا؛ فهناك الجزائر وإيرلندا وجنوب أفريقيا، حيث عقدت قياداتها وشعوبها العزم أن تحيا بلادها وتتحرر، فكان لها ما تريد وزيادة.

إن علينا أن نعيد السيف إلى غمده، ونتحاور ليجمعنا الوطن من جديد، وليس هناك ما يمنع أن نحتكم لأبناء جلدتنا من الفصائل كـ"الإطار القيادي المؤقت"، حيث هناك الكثير من الرؤى والمبادرات التي تمَّ طرحها على مدار أكثر من عشر سنوات عجافٍ أعقب الانقسام، وفيها لو خلصت النيِّات وتحققت الإرادة السياسية فإن التوفيق سيكون حليفنا، وسنطوي الذكر صفحاً عن كل ما أوغر الصدور بيننا.

إن ما هو قادم من تسويات وتصفيات لقضيتنا بالغ القتامة، وأن ما نعتقد أنه الخطر الداهم يحتاج منا إلى أكثر من فذلكات الكلام والاتهامات المتبادلة.. إن صفقة القرن التي نعرف الكثير من تفاصيلها ولكننا موجوعون من بعض تطبيقاتها، وقد أجمعنا على رفضها، وإن كنا - بسبب الانقسام - لم نضع الآليات للتصدي لها، وغدا حالنا ونحن نراهن على احباط مخططها كمن يمشي إلى الهيجا بغير سلاحٍ، ولا منعة وإجماع وطني. 

أنا لا أشكك بالنوايا الطيبة للبعض من "سُراة القوم" ممن هم في مشهد الحكم والسياسة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، ولكن هؤلاء وحدهم لا يمكنهم الوقوف في مواجهة من يضعون العتلة في عجلة المصالحة، ويمنعونها من الدوران والحركة. 

إننا بحاجة اليوم إلى تنسيقية وطنية واسعة من هؤلاء الخيِّرين لممارسة الضغط وإحداث التغيير في عقلية المتنفذين بمشهد الحكم والسياسة.

الصديق العزيز.. أتمنى عليك أن تقول "كفى.. كفى" (Enough is enough) لكل من حولك، فلم يعد لنا هناك الكثير من الأجل، وشبابنا وكرامتنا وأرضنا تُنتقص من أطرافها، وليس هناك ما نختلف عليه فيما تبقى لنا من هوامش وطن.

لا أريد أن أقسوا - يا صديقي - في الخطاب معك، ولكني أُذكّرك بما هو مطلوب منا جميعاً في سياق العدل والحكمة والانصاف، والذي جوهر الموقف فيه: "فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى"، وحتى لا نسقط  - يا صديقي - تحت طائلة التأنيب والعتاب، فإني أردك ونفسي إلى تلك المقطوعة القرآنية الرائعة في منهجية القضاء: "لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه"!!

أتمنى عليك أن تتحرى أمانة القول، وألا تسرح بك الحزبية بعيداً، وأحياناً في سياقات غير وطنية وغير أخلاقية!! لقد أخطأنا جميعاً يا صديقي، وهذه هي الحقيقة وبيت القصيد.

كم كان بودي أن أخاطب سيادة الرئيس (أبو مازن) وأسأله: يا سيادة الرئيس.. لماذا تركت الحصانَ وحيداً يرتجف في مراعي الاحتلال؟! حتى غدا فارسنا منتفضاً بلا جواد!! 

إن شباب شعب الجبارين يستصرخ كل من هم في مشهد الحكم والسياسة أن تعالوا إلى "كلمة سواء" بدل هذه المأساة القائمة، والتي يبدو عليها حال الوطن، الذي أضحى سلعة في سوق السياسة، وقد رسم المشهد بصورة شعرية مؤثرة أديبنا الفلسطيني د. جواد الهشيم، حين أنشد قائلاً: هيّا... لنقتسم الوطن

ثلثٌ لنا / ثلثٌ لكم / ثلثٌ لمن؟. 

قاد القطيعَ إلى الإحنْ!!

ختاماً.. اعذرني يا صديقي إن كنت قد أكثرت من لغة الأدب؛ لأن مفردات السياسة قاسية، ولا تسمح بالنشر أحياناً، ولكنَّ ما بين السطور كثير، والحرُّ تكفيه الإشارة.

التعليقات