السودان أمام مفترق طرق

السودان أمام مفترق طرق
نبض الحياة

 السودان أمام مفترق طرق

عمر حلمي الغول

تلازم الحراك الشعبي السوداني العفوي ضد نظام الرئيس عمر حسن البشير، الذي دشن يوم الأربعاء الموافق 19 من كانون أول/ ديسمبر الحالي (2018) مع عودة الرئيس من زيارة مفاجئة لسوريا، ولقاء رأس النظام بشار الأسد، ومع إعلان الرئيس ترامب الإنسحاب من شمال شرق سوريا، حتى بدا كأن هناك رابط خفي فيما بين الأحداث.

وبعيدا عن الشروط الموضوعية آنفة الذكر، فإن الحراك الشعبي السوداني لم يأت من الفراغ، وبشكل مفاجىء، انما سبقه تطورات شهدتها البلاد منذ بداية عام 2018 خصوصا، وطيلة سنوات حكم الرئيس البشير الثلاثين الماضية عموما: ففي العام الحالي زادت إجراءات التقشف، وإرتفعت اسعار السلع بشكل عام والخبز بشكل خاص من نصف جنيه للرغيف، إلى جنيه إلى مؤخرا من 3 إلى 5 جنيهات، وإنعدمت السيولة النقدية في البنوك، وأنهار الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، وتضاعفت أزمة الوقود، وإزداد نقص  الأدوية. فضلا عن شروع نواب الحزب الوطني الحاكم بالإلتفاف على الدستور، من خلال تقديمهم تعديلا دستوريا لرفع القيود على فترات الرئاسة، التي كانت ستلزم الرئيس التخلي عن كرسي الحكم في 2020 القادم، مما ضاعف من حدة الإحتقان والسخط في أوساط الشارع السوداني عموما، وبالتالي ما أن أعلن عن رفع اسعار الخبز حتى نزلت الجماهير الشعبية للشارع في مظاهرات شملت أربعة عشر ولاية من ولايات السودان ال18، ولكن بتفاوت في قوة وزخم الحراك الشعبي.

ومما زاد من تفاقم الأوضاع حدة بين الشعب والنظام في الأيام القليلة الماضية، هو قسوة أجهزة النظام في تصديها للحراك، حيث إستخدمت قوات النظام الأسلحة الحية والغاز المسيل للدموع، وبلغ عدد الضحايا ما يزيد على 22 قتيلا، وعشرات الجرحى، وايضا عشرات المعتقلين من ممثلي القوى السياسية وخاصة الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الإشتراكي وممثلي المؤتمر الشعبي العربي وغيرهم من قوى وأحزاب المعارضة، وفرض حالة الطوارىء على العديد من الولايات، ومنع التجول في بعضها الآخر.

مازال الحراك الشعبي مستمرا حتى اللحظة، ولم يتوقف، رغم انه إكتسى بالطابع العفوي، وسبق القوى الحزبية والسياسية في النزول للشارع، مع ان الزخم الجماهيري يتفاوت من ولاية لإخرى، ومن مكان لآخر إرتباطا بالتطورات الميدانية على الأرض، وبمستوى انعكاس حدة المواجهة مع أجهزة النظام على الشارع السوداني وقطاعاته الإجتماعية والإقتصادية والأكاديمية والطلابية والصحية والقانونية. وتميزت  شعارات الجماهير الشعبية السودانية بعدم إقتصارها على المطالب الخدماتية، وتحسين مستوى المعيشة فقط، بل بلغت الذروة حين صعدت القوى مطالبها للحد الأقصى، مع مطالبتها "بإسقاط النظام السياسي"، و" رحيل الرئيس البشير"، و"رفض تمرير التطبيع مع إسرائيل"، و "تعزيز الديمقراطية والحريات الإجتماعية والسياسية" ... إلخ

مع ذلك مازال من المبكر التنبؤ بمآلات التحرك الجماهيري الجاري في الشارع السوداني، الذي دشن في بورتسودان (شرق) وعطيرة (شمال) ومن ثم الخرطوم العاصمة وأم درمان  والأبيض .. إلخ  من المدن والولايات، رغم كل حالة السخط والغليان الشعبي الموجودة، ونزيف الدم، الذي غطى شوارع العديد من المدن ك"القضاريف" و"عطبرة" كلاهما شرق السودان. لكن الآفاق مفتوحة على وسعها، ولا يمكن إختزال سيناريو من السيناريوهات من اقصاها إلى اقصاها. لكن يبدو ان الآفاق مفتوحة على وسعها نحو تصاعد حدة المواجهة بين الشعب والنظام القائم، لإن قدرة الحاكم على التراجع عن سياساته ضعيفة ومحدودة، وحجم الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية بلغ مستويات عالية، مما يشي بالذهاب إلى عملية كسر عظم بينهما، والإنتقال من الهبات والإنتفاضات المتفرقة والمتناثرة إلى ولوج مرحلة الثورة الشعبية. لا سيما وان القوى السياسية الوطنية والقومية والديمقراطية دخلت على خط المواجهة، رغم إعتقال العديد من هيئاتها المركزية، والتي لن تثني محازبيها وأنصارها عن متابعة خيار المواجهة مع النظام السياسي. وهي (القوى والجماهير الشعبية) متنبهة لسياسات النظام الحاكم الترقيعية والمرفوضة من قبلهم، وهو ما يقود لخيار التصعيد والإشتباك لحسم المعركة. قادم الأيام وحده يحمل الجواب.

[email protected]

[email protected]    

التعليقات