معاناة أطفال الشوارع في "علي زوا" لنبيل عيوش (2000)

رام الله - دنيا الوطن
حكي هذا الفيلم قصة أربعة أطفال مشردين في شوارع الدار البيضاء، وهم يخضعون لسيطرة شخص شرس سيء الطباع سادي يلقب بالذئب، يستغلهم جميعا مستغلا مظهره المخيف وعنفه التلقائي، ليعيشوا بذلك واقعا مأساويا ومعاناة رهيبة لا فكاك منها...وبالرغم من ذلك  فالفتى علي يحلم بالسفر وركوب البحر والهرب الى ما يسمى "جزيرة الشمس" (الخرافية) حيث السعادة ورغد العيش، هربا من هذا الواقع الكابوسي الرهيب، ومن اسرة لئيمة تتجرأ فيها الام على محاولة بيع عيني ابنها لاخراج هذه الاسرة من بؤسها المستديم، بالاضافة لبيع جسدها مرارا في اليوم، لتسد النفقات وتطعم البطون الجائعة المتطلبة...حيث يبقى حلم علي بالرحيل مجرد وهم وخيال بعيد عن التطبيق، عاجزا عن ايجاد بديل باسرة مستقرة وسعيدة، وخلال انتظاره اليائس هذا يرتمي في حضن شلة جديدة من الأصدقاء المشردين حيث العنف والبذاءة والسرقات سمة عيش دائمة جديدة...يبرع نبيل عيوش كعادته بهذا النمط من الأفلام والثيمات: فيقدم كل من علي (محمد مجد) والام  (آمال عيوش) وبو بكر (هشام موسون) وكوينة (منعم القباب)، هكذا يبدع نبيل عيوش  بتقديم هذا العرض المؤثر لمأساة اطفال الشوارع المغاربة،  ملتقطا الحركات والسكنات وتفاصيل الوجوه المعبرة، لتنطق جميعا بمدى قسوة الحياة وشظف العيش ولامبالاة المجتمع تجاههم، وما جعله يتفوق هنا قدرته على الاستعانة بأطفال مشردين بائسين فعلا، مما ألهمه لكتابة نص سينمائي محكم وسيناريو جذاب واقعي، كما نتفاجىء من قدرتهم على تمثيل وعكس واقعهم بلا تصنع وميلو دراما ومبالغات كما بالسينما الهندية التجارية، وقد نال الفتى "محمد مجد" "علي زوا" مستحقا الجائزة الاولى لمهرجان السينما الأفريقية ...علما بأن عيوش بانجازه هذا قد افسح المجال لاحقا ربما لعدد كبير من الأفلام الروائية والوثائقية المتتالية التي تناولت هذا الموضوع بعمق خلال العقدين المنصرمين، حيث توج بعضها بالجوائز، وخاصة تلك التي تناولت قصص معاناة الأطفال مع تداعيات بؤس النزوح وحياة التشرد في الشوارع وتداعيات الربيع العربي الخائب...كما نجح عيوش بتوجيه نقد لاذع للسلطة والمجتمع والواقع الحياتي السائد في المدينة المغربية الشهيرة بشكل واقعي مشوق ومؤثر، وتحدث بجرأة غير مسبوقة عن طريقة استغلال الأطفال والعاهرات البائسات الفقيرات...ولكن يبقى السؤال الملح: فهل تغير الحل للأحسن؟ مما يستدعي الجدل حول دور السينما "السكوني المحدود" في مجتمعات راكدة غير متفاعلة وموغلة في اللامبالاة والأنانية والاستغلال وقلة الوعي الأخلاقي، وخاصة مع جماهير تعتبر السينما وسيلة ترفيهية لا غير!

يتناول هذا الفيلم قصة أبطال الفيلم على مدى ثلاثة أيام متتالية في 99 دقيقة. وقد فاز ورشح لأكثر من 20 جائزة في مهرجانات السينما العالمية. علي زاوا طفل في العاشرة من عمره وحيد والدته التي كانت دائما تحكي له قبل النوم قصصا عن مغامرات البحارة واكتشافاتهم، ورست أحلامه الصغيرة على أن يكون عندما يكبر بحارا يبحر إلى جزيرة تشرق عليها شمسان ويعيش الناس فيها بسكينة وسلام. ولكنه في أحد الأيام يهرب من بيته بلا رجعة لأنه اكتشف أن والدته مومس. يتشرد علي زاوا وينضم إلى مجموعة كبيرة من أطفال الشوارع يهجرون العالم الواقعي ليعيشوا في عالم آخر فرض عليهم، فيشكلون عصابة يترأسها أكبر عضو فيهم أبكم في السابعة عشر من عمره. وبالرغم من أن علي أصبح ينتمي إلى عصابة شوارع إلا أنه يحاول أن يبقي على كرامته ويحافظ عليها، وذلك يجعله في نزاع دائم مع زعيم العصابة الذي يمثل القوة والهيمنة. يشكل علي مجموعته الخاصة التي تتكون من ثلاثة من أصدقائه الذين ينفصلون عن البقية. ومنذ بداية الفيلم تحتدم المواجهات والصراع بين المجموعتين مما يؤدي إلى مقتل علي.

يتسبب مقتل علي إلى علامة فارقة في حياة أصدقائه، فيأخذون معهم الجثة ويصبح هدفهم هو إقامة جنازة تليق بصديقهم، فيبحثون له عن لبس بحار لكي يدفن به في محاولة منهم لتحقيق حلمه الذي مات قبل أن يحققه. وتتغير حياة كل فرد منهم لكي يبدءوا في تشكيل أحلامهم وأن يكون كل واحد منهم رجلا له قيمته وكرامته...

مهند النابلسي

التعليقات