أمريكا وحربها الخاسرة في سوريا

أمريكا وحربها الخاسرة في سوريا
جميل السلحوت
أمريكا وحربها الخاسرة في سوريا
قرار الرّئيس الأمريكي ترامب سحب قوّات بلاده العسكرية من سوريا، ليس حبّا في سوريّا ولا في شعبها، تماما مثلما هو التّدخل الأمريكي في سوريا وإشعال نار حرب طاحنة دمّرت سوريا وقتلت وشرّدت شعبها، فقرار الانسحاب كان بالتّنسيق مع اسرائيل، وتركيا وحلف الناتو وكنوز أمريكا الاستراتيجيّة في بلاد العربان، وهذا ما حصل أيضا عند اشعال فتيل الحرب القذرة على سوريا، من أجل تنفيذ المشروع الأمريكيّ"الشّرق الأوسط الجديد" لإعادة تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضية الفلسطينيّة لصالح المشروع الصهيونيّ التّوسّعيّ.
فأمريكا استطاعت تجنيد كنوزها الاستراتيجيّة في المنطقة، واستغلت المتأسلمين الجدد الذين ضلّوا طريق الجهاد، وأعلنوا حربهم على بلدانهم في سوريا، العراق، ليبيا، واليمن، وظهرت داعش وجبهة النّصرة وغيرها من قوى الارهاب الذي يتلفّع بعباءة الدّين؛ لتخدم المشروع الصهيوأمريكي، فعاثوا في الأرض قتلا وتدميرا وارهابا مستغلين جهل الجاهلين، الذين يحلمون بالجنّة والحور العين، فكانوا وقودا لحرب أوصلتهم جحيم الدّنيا والآخرة.
وأمريكا التي تشنّ حروبها المتواصلة في مناطق مختلفة في العالم، ولم تحترم يوما حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها، تيقّن رئيسها ترامب ومستشاروه أنّ حربهم في سوريا خاسرة، بسبب صمود القيادة السّوريّة وحلفائها "روسيا، ايران وحزب الله"، وجدت من مصلحتها الاقتصاديّة والسّياسيّة ضرورة الانسحاب العسكري من سوريّا، متخلّية عن حلفائها الذين أوقعتهم في حبائل خيانة وطنهم، لأنّها رأت أنّ من مصلحتها أن لا تتصادم مع تركيّا العضو الفاعل في حلف النّاتو، والتي ترفض أيّ وجود كرديّ مسلح داخل أراضيها، أو على حدودها في سوريا والعراق. 
ويخطئ من يعتقد أنّ زيارة الرّئيس السوداني لسوريا قد جاءت عفويّة، أو أنّ الرجل قد عاد إلى رشده، بعد هذه السّنوات من وقوفه ضدّ سوريا بناء على تعليمات أولياء نعمته في واشنطن والخليج البترولي، فهذه الزّيارة ليست منفصلة عن قرار الانسحاب الأمريكيّ من سوريّا، وهي تحمل إشارات مِن كلّ مَن تورّطوا في سوريّا واستحمّوا بدماء شعبها، وأصيبوا بزكام الغبار المتطاير من مدنها وقراها التي دمّرها الارهابيون المجرمون. 
ويبدو أنّ أمريكا بانسحابها العسكريّ من سوريّا قد تركت تنفيذ مخططاتها في هذا البلد العربي لحليفتها تركيا، بينما تأخذ أمريكا "استراحة المحارب" للإعلان رسميّا عن مشروعها التّصفويّ" صفقة القرن"، والذي باشرت بتنفيذه من جانب واحد من خلال الاعتراف يوم 6 ديسمبر 2017 كعاصمة لاسرائيل، ونقلت سفارتها إليها، ومحاولتها تصفية قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين بقطع مساهمتها المالية لوكالة غوث اللاجئين"الأنروا"، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينيّة في واشنطن، وقطع التمويل المالي عن السلطة الفلسطينيّة، وضغوطاتها الاقتصادية على الأردن بسبب موقفه من القضيّة الفلسطينيّة وخصوصا القدس. وهي بهذا ستعطي تابعيها من العربان فرصة لالتقاط الأنفاس، وتطبيع علاقاتهم مع اسرائيل بشكل علنيّ، وكي يأخذوا دورهم المطلوب بالضّغط على الفلسطينيّين شعبا وسلطة لتمرير الصّفقة. لكن هذا الانسحاب العسكريّ الأمريكيّ، والضّغط لإنهاء الحرب الظالمة على اليمن لم يأت من فراغ، وهو بمثابة اعلان النّصر لسوريّا واليمن وحلفائهما.
21-12-2018

التعليقات