إعادة محاكمة حامي الدين تحدث ضجة بالمغرب

رام الله - دنيا الوطن
أعيد مؤخرا بالمغرب فتح ملف مقتل الطالب القاعدي بن عيسى آيت الجيد، الذي لقي حتفه بجامعة ظهر المهراز بفاس سنة 1993 إثر مواجهة بين طلبة قاعديين وآخرين إسلاميين. القضية التي اتهم من خلالها القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية "عبد العالي حامي الدين" بالمساهمة في القتل العمد، أفرزت نقاشا واسعا وحادا بين من يؤيد قرار إحالته على غرفة الجنايات وبين من يرى في إعادة فتح الملف مرة ثانية "رغبة نظامية في إخراس صوت مزعج للسلطة".

مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، دافع بقوة عن زميله في حزب العدالة والتنمية وعبر عن "اندهاشه الكبير" بإحالة قاضي التحقيق لملفه على الغرفة الجنائية بتهمة المساهمة في القتل العمد للطالب آيت الجيد، مردفا أن "العجيب هنا هو أن هذه التهمة سبق أن حوكم من أجلها سنة 1993 في قضية بنعيسى آيت الجيد، وقد برأته غرفة الجنايات منها، وأعادت تكييف الأفعال على أساس أنها مساهمة في مشاجرة أدت إلى القتل".

وأوضح السيد الوزير أن "الأمر هنا لا يتعلق بوقائع يمكن الاختلاف حولها ويبقى القضاء هو صاحب الكلمة الفصل بشأنها، ولا يتعلق الأمر باجتهاد في تطبيق القانون يخضع لقاعدة الصواب والخطأ الذي يمكن أن يتلبس بأي اجتهاد". وأضاف: "كلا، الأمر يتعلق بقاعدة تعتبر من النواة الصلبة لقواعد المحاكمة العادلة ومبدأ أصيلا، من مبادئ دولة الحق والقانون والتي يعتبر خرقها خرقا خطيرا لقاعدة قانونية أساسية، يوجب المساءلة طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة".

السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان أكد كذلك على أنه تكفي الإشارة هنا إلى المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي نصت صراحة على أنه لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون والإجراءات الجنائية في كل بلد، مبينا أن "هذه القاعدة الراسخة التي درج عليها القضاء المغربي واستقر اجتهاده عليها مكرسة في العديد من نصوص القانون، سنتعرض لها بالتفصيل في مناسبة قادمة".

سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خصص بدوره جزءا كبيرا من كلمته في الندوة الوطنية الرابعة للحوار الداخلي والتي تمحورت حول موضوع "النموذج التنظيمي وخلاصات الحوار وأسئلة المستقبل"، لتجديد التضامن مع القيادي الحزبي عبد العالي حامي الدين.

وقال السيد رئيس الحكومة بأن "الأمانة العامة أصدرت بيانا عبرت فيه عن دهشتها من إحالة حامي الدين على غرفة الجنايات رغم أنه سبق البت النهائي في الملف"، مضيفا أن "هذه الإحالة غير مفهومة حقوقيا وقانونيا". وأضاف أن "الموقف هو التضامن مطلقا وكليا مع حامي الدين، حيث تم اتخاذ العديد من الخطوات وسيتم اتخاذ أخرى"، مشددا على أنه "ليس هناك خلاف داخل العدالة والتنمية حول هذا الملف، بل تم اتخاذ الموقف بالإجماع".

ونبه السيد رئيس الحكومة إلى أن "بعض الجهات تحاول ضرب العدالة والتنمية والتشكيك في مواقفه وتحاول أن تحلم بحزب ضعيف ومشتت"، موضحا أن "هذا الأمر لن يتم" لأن أعضاء حزب المصباح "حريصون على أن يظل الحزب قويا متماسكا مدافعا عن برنامجه".

بعيدا عن حزب العدالة والتنمية، أشار المؤرخ والمحلل السياسي المعطي منجب إلى أن إعادة فتح ملف حامي الدين تمت في بداية سبتمبر 2012 عقب تصريحاته المنتقدة للسلطة بشكل قوي حول عدم احترامها للدستور الجديد الذي اعتمده المغرب بعد ثورات الربيع العربي سنة 2011. وذهب إلى أن استهداف السلطات لحامي الدين من خلال استدعائه يهدف إلى "معاقبته حتى تخيف جميع المنتقدين وتسكت أصواتهم".

وعلى عكس ما ذهب إليه المؤرخ والمحلل السياسي المعطي منجب، أكد الكاتب الإسلامي المغربي كمال ازنيدر على أنه لا يرى في حامي الدين صوتا مزعجا للقصر وأنه إن كان يشكل مصدر إزعاج بالنسبة لجهة ما، فهذه الجهة لن تكون سوى سعد الدين العثماني وزبانيته داخل حزب العدالة والتنمية، مذكرا بأن عبد العالي حامي الدين كان ومازال من أشد معارضي ترأس سعد الدين العثماني للأمانة العامة للحزب الإسلامي مفضلا عليه الأمين العام السابق السيد عبد الإله ابن كيران.

وتأسف مؤلف كتابي "الإسلام، أجمل ديانة في العالم" (2014) و "الإسلام السياسي، الإرهاب والسلطوية... صلة حقيقية أم وهمية" (2017) للعدد الكبير من السياسيين والحقوقيين وكذا رجال القانون الذين فهموا المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فهما خاطئا، مبينا بأن نص هذه المادة يتحدث عن إعادة المحاكمة بناءا على نفس المعطيات التي سبق أن صدر الحكم بشأنها ومؤكدا على "أن مبدأ إحلال العدالة يقتضي إعادة فتح القضية مرة جديدة إذا ما ظهرت حيثيات إضافية لم تكن معروفة من قبل، من شأنها أن تغير من طبيعة الحكم".

في ذات السياق، هدد عبد اللطيف عبيد "رئيس رابطة قضاة المغرب" بمقاضاة الوزير مصطفى الرميد، معلنا أنه سيتم تقديم شكاية ضد ما تعرض له القضاء المغربي من انتقادات والتي تجاوزت الخط الأحمر على حد تعبيره. وعلل ذات المسؤول القضائي هذا القرار بأن السيد الوزير استعمل عبارات جارحة مست الجسم القضائي في العمق.

عبد الحق العياسي "رئيس الودادية الحسنية للقضاة" أعرب من جهته أنه لم يشهد المغرب منذ عقود تدخل مسؤول حكومي في القضاء، مؤكدا على أن استقلالية القضاء المغربي مؤكدة وعلى أن القضاة لا يمارسون السياسة بل يتعاملون بالوقائع التي تكتسي صبغة زجرية، مضيفا أنه لا يمكن لا للقاضي ولا لغيره الكلام والتدخل في ملف معروض على القضاء ولا يحوز قوة الشيء المقضي به.