اليوم العالمي للغة العربية الخالدة

اليوم العالمي للغة العربية الخالدة
اليوم العالمي للغة العربية الخالدة
بقلم:د.جمال عبد الناصر أبو نحل

إن اللغة العربية لغة كتاب الله العظيم، والذي تحدّى به رب العالمين العالم أجمعين أن يأتوا بآية من مثلهِ؛ وهي لغُة الضاد، أي هي اللغة الوحيدة في الأرض التي فيها حّرفُ الضاد؛ وقيل أن اللُغة العربية لُغة أهل الجنة، (والله تعالي أعلي، وأعلم)؛ و لا يخفى عليكم ما للغةِ العربية من أهميةٍ عظمى؛ كونها لغة القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، ولا يصح أن يُقرأَ القرآنَ الكريم في الصلاة إلا بالعربية، لأن قراءة القرآن ركنٌ من أركانِ الصلاة، والصلاة ركن هام من أركان الإسلام؛ قال تعالي: " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"،، وقال جل جلالهُ (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أُحّبِْ العرب لثلاث : لأنه عربي ، والقرآن عربي ، ولسان أهل الجنة عربي )؛ والعالم  يحتفي باليوم العالمي للغة العربية الموافق اليوم  18 الثامن عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر من كل سنة، وقد تقرر الاحتفاء باللغة العربية في هذا التاريخ لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم: ( 3190) في كانون الأول/ ديسمبر عام 1973م، والذي يُقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة : (190)، للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو؛؛ ولا يخفي علي أحد أن اللغة العربية هي أكثر لغات المجموعة السامية انتشارا، كما أنها واحدة من أكثر اللغات انتشارًا في العالم؛ حيث يتحدث اللغة العربية زُهاء ( 430 )، مليون نسمة، ويتوزع متحادثوها في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى في العالم؛ وإنّ اللغة العربيّة الفصحى تعدّ من أقدم اللغات، وقد نبعت أهمية اللغة العربية بسبب نزول آخر معجزة في الأرض وهي معجزة القرآن الكريم الخالدُ، الّذي أُنزِل على سيدنا مُحمّداً (عليه الصلاة والسلام)، وقد عرف العرب بحبّهم للغة العربية منذ العصر الجاهلي الذي اشتهر فيه العرب بالشعر، والنثرِ، والتباهي بمدى معرفتهم لقواعد اللغة العربية، وتطبيق نواحيها الجماليّة وخاصّةً في نظم الشعر الجاهلي؛ واللغة العربيّة هي مصنّفة بين أصعب خمس لغات في العالم، وتعرّف اللغة العربية بكثرة وجود القواعد اللغويّة والإملائيّة والنحوية فيها، وعلى الرّغم من ذلك فإنّ العرب قد أبدعوا في التعمّق في لغتهم، لذلك فإنّ الله تعالى أنزل القرآن باللغة العربية الفصحى، والهدف منه تحدّي العرب الّذين برعوا بلغتهم بأن يأتوا بمثله، ومن هنا تكمن الأهمية الكبرى للغة العربية الخالدة.   إنّ اللغة العربية الفصحى هي إحدى اللغات السامية القديمة؛ فاللغات السامية تنقسم إلى لغات سامية شرقية وسامية غربية، وتقع اللغة العربيّة الفصحى ضمن اللغة السامية الغربية- الوسطى، واللغات السامية هي من أقدم اللغات في العالم، منذ العصر الحجري الحديث)، وهي الأكثر استخداماً من بين كلّ اللغات السامية؛ لأنّ اللغة العربية الفصحى هي اللغة التي وحّدت جميع اللهجات العربية بغض النظر عن مدى صعوبة واختلاف هذه اللهجات عن بعضها البعض، ولذلك فإنّها اللغة الرسميّة التي يتم تعليمها إجبارياً في جميع مدارس الوطن العربي؛ وتعدّ اللغة العربيّة من أغنى اللغات وأكثرها غزارة، كما أنّها مرنة في ذات الوقت، فمن جَّذِر الكلمة الواحدة نستطيع استخراج العديد من الصّفات، والأفعال، والأوزان الصرفية، واللغة العربية ذات أهمية قصوى لدى المسلمين، كُتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية في العصور الوسطي، وأثّر انتشار الإسلام، وتأسيسُه دولاً، في ارتفاع مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية، تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية؛؛  والله عز وجل أرسل محمداً صل الله عليه وسلم سيد و آخر الأنبياء، والمرسلين بلسان عربي مبين، وأنزل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ في السماء السابعة باللغة العربية الواضحة؛؛ فّمن أحب الله تعالى أحب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ومن أحبَّ الرسول العربي أحبَّ العرب، ومن أحبَّ العرب أحبَّ اللغُة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبَّ العربية عُنيَ بها، وثابر عليها، وصرف همَّته إليها، ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان وآتاه حسن سريرة فيه، اعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، ولذلك يجب الإقبال على فِّهمها وتعلمُها، إذ هي أداة العلم ومفتاح التّفَفهُ في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ثم هي لإحراز الفضائل، والاحتواء على المروءة وسائر أنواع المناقب، كالينبوع للماء والزند للنار؛؛ وهي سيدة علي اللغات الأخرى كالإنجليزية، والفرنسية، والإفريقية ، وبعض اللغات الأوروبية.؛ لذلك يقول الامام ابن تيمية رحمهُ الله: « إنّ تعّلُم اللغةَ العربيّةَ من الدِّين، ومعرفتُها فرضٌ وواجبٌ، لأنَّ فهم الكِتابِ، والسُّنةِ فرضٌ، ولا يُفْهمُ إلاّ باللغةِ العربيةِ، وما لا يتُّمُ الواجبُ إلاّ بهِ فهو واجبٌ،، ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :« وإنّما يّعْرِِفُ فضْلَ القرآن مَنْ فهم كلام العرب ، و عرف علم اللغة، وعلم البيان ، وأشعار العرب»؛؛ واللغة عمومًا - أي لغة كانت - لها ثلاث وظائف، هي: أولاً: أنَّ اللغةَ هي الركنُ الأول في عمليةِ التفكير؛؛ وثانياً  اللغُة وُعَاءُ المعرفة؛ واللغة هي الوسيلةُ الأولى للتواصلِ والتفاهم والتخاطب، وبثِّ المشاعر، والأحاسيس؛ ويقول الفارابي عن اللغة العربية: « بأنها من كلام أهل الجنّة، وهي اللغُة المنزّه بين الألسنة من كل نقيصة، والمُعلّى من كل خسيسة، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً »؛؛ أما من أقوال العجم عن اللغُة العربية نذكر منها  وبإيجاز قول المستشرقة الألمانية الدّكتورة في الفلسفة أنا ماري شيمل، والتي ترجمت القرآنَ الكريمِ الى الألمانية : « إن اللغةُ العربيةُ لغةٌ موسيقيّةٌ للغايةِ، ولا أستطيعُ أن أقول إلاّ أنها لا بُدَّ أنْ تكونَ لغةُ الجنّةِ »؛ وقال المستشرق الفرنسي رينان  عنها: « من أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللغةُ القوميّةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّةٍ من الرُحّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّةِ معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها، ولم يُعرف لها في كلّ أطوار حياتها طفولةٌ ولا شيخوخةٌ، ولا نكاد نعلم من شأنها إلاّ فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبارى ولا نعرف شبيهاً بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرّج وبقيت حافظةً لكيانها من كلّ شائبة »؛؛ وكذلك قال المستشرق الألماني يوهان فك: « إن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة ، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، ولقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل اللغات الأُخرى،، و قال المستشرق الألماني كارل بروكلمان : « بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع مدىً لا تكاد تعرفه أيُّ لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن العربية وحدها اللسانُ الذي أُحِلّ لهم أن يستعملوه في صلاتهم ..» و قال د. جورج سارتون :« وهبَ اللهُ اللغة العربية مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدوّن الوحي أحسن تدوين ... بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن تُعبّر عنه بعباراتٍ عليها طلاوة، وفيها متانة »؛ وللأسف اليوم أُمة العرب وأهل اللغة العربية أُمة اقرأ لا تقرأ.

     الكاتب والباحث المفكر العربي والمحلل السياسي
الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
 دُكّتوُراَه الفلسفة في مناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
 الأستاذ الجامعي غير المتفرغ، عضو اتحاد الأُدباء والكُتاب العرب

التعليقات