أصحاب "الراية الحمراء" يحتفلون بعيدهم الـ51.. كيف أوجعت "الجبهة الشعبية" إسرائيل؟

أصحاب "الراية الحمراء" يحتفلون بعيدهم الـ51.. كيف أوجعت "الجبهة الشعبية" إسرائيل؟
أرشيفية
رام الله - دنيا الوطن
تحتفل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اليوم، بالذكرى الـ51 لتأسيسها كحركة مقاومة للوجود الإسرائيلي في فلسطين.

يرتبط تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بـ "إقليم فلسطين" في حركة القوميين العرب، الذي بدأ، منذ مطلع الستينيات، الاهتمام بالتدريب العسكري عن طريق تشجيع الشبان المنتمين إليه على الالتحاق بالكليات الحربية في كل من مصر، وسوريا، والعراق، وعن طريق الاتفاق مع القيادة المصرية على تنظيم دورات تدريب عسكري في "أنشاص" بمصر.

 وفي نهاية سنة 1964، انطلق النشاط العسكري لـ "إقليم فلسطين" وسقط أول الشهداء، وهو خالد أبو عيشة، في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1964، كما استشهد، في سنة 1966، كلٌ من محمد اليماني، ورفيق عساف، وسعيد العبد سعيد، وأسر المناضل سكران سكران. 

وجرت عمليات "إقليم فلسطين" العسكرية عبر مجموعات "أبطال العودة"، التي ضمت مناضلين من حركة القوميين العرب ومن جيش التحرير الفلسطيني، أو عبر التتنظيم الفدائي الذي شكّله الإقليم باسم "شباب الثأر". بيد أن تلك العمليات ظلت محدودة في تلك الفترة ولا يُعلن عنها غالباً، وذلك تجنباً لتوريط الدول العربية، وتحديداً مصر وسورية، في حرب مع إسرائيل ليستا مستعدتين لها، وهو ما عبّر عنه شعار "فوق الصفر وتحت التوريط".

في تموز/يوليو 1967، وبعد أسابيع قليلة على هزيمة حزيران، اتخذت اللجنة التنفيذية لحركة القوميين العرب قراراً بأن يشق "إقليم فلسطين" طريقه في الكفاح المسلح، فشرع، منذ مطلع آب/أغسطس 1967، في القيام بعمليات عسكرية في قطاع غزة في إطار "طلائع المقاومة الشعبية"، كما تمّ إنشاء خمس قيادات عسكرية محلية في الضفة الغربية مرتبطة بقيادة ميدانية في رام الله على رأسها مصطفى الزبري (أبو علي مصطفى). 

وفي 11 كانون الأول/ديسمبر 1967، أُعلن عن تأسيس الجبهة الشعبية لتحريرفلسطين باندماج ثلاثة تنظيمات فدائية، هي " شباب الثأر"، و" أبطال العودة"، و "جبهة التحرير الفلسطينية"، التي تأسست، في سنة 1964، بقيادة الضابط الفلسطيني السابق في الجيش السوري أحمد جبريل. كما شارك في تأسيس الجبهة الشعبية مجموعة من الضباط الناصريين الأردنيين، على رأسهم الضابط أحمد زعرور، وبعض الشخصيات المستقلة. وكان الهدف الأولي لقيادتها أن تكون نواة "جبهة وطنية" واسعة، بيد أن التطورات التي شهدتها منظمة التحرير الفلسطينية، وتمثّلت في هيمنة الفصائل الفدائية، وخصوصاً حركة "فتح" عليها، دفعت قيادة الجبهة الشعبية إلى التخلي عن هذا الهدف والانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

وسرعان ما تعثرت مسيرة هذا الإطار الجبهوي نتيجة خلافات سياسية، وخصوصاً بين "جناح" القوميين العرب، بقيادة جورج حبش ووديع حداد ومصطفى الزبري وأحمد اليماني وغسان كنفاني وفؤاد المراغة وعبد الرحيم ملوح وتيسير قبعة، الذي راح يتحوّل نحو اليسار، و"جناح" جبهة التحرير الفلسطينية، بزعامة أحمد جبريل وطلال ناجي وفضل شرورو، التي قررت، في تشرين الأول/ أكتوبر 1968، الانسحاب وتشكيل إطار جديد باسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة". 

وفي شباط/فبراير 1969، وعلى خلفية التقرير السياسي الذي صدر عن مؤتمر آب/أغسطس 1968 وآذن بتحوّل الجبهة الشعبية نحو اليسار الماركسي، زعم عدد من قياديي الجبهة، على رأسهم نايف حواتمة، أن من المستحيل تحوّل " تنظيم برجوازي صغير إلى تنظيم ماركسي- لينيني"، وقرر الانشقاق عن الجبهة وتشكيل تنظيم جديد باسم "الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين"، التي صارت تحمل، بعد سنوات قليلة، اسم "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين". ثم انشقت عن الجبهة، في آب/أغسطس 1970، مجموعة الضباط الناصريين بقيادة أحمد زعرور وشكّلت "منظمة فلسطين العربية" التي انضمت بعد ذلك إلى حركة "فتح". وفي آذار/مارس 1972، انشق عدد قليل آخر من أعضاء الجبهة "اليساريين"، وشكّلوا "الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين"، التي لم تعمر طويلاً.

منطلقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

في بيانها التأسيسي، أكدت الجبهة الشعبية أن هزيمة الجيوش العربية في حزيران مثّلت "بداية مرحلة جديدة من العمل الثوري تباشر فيه الجماهير دورها القيادي والمسؤول في مقارعة الإمبريالية والصهيونية [بسلاح] العنف الثوري". لكنها لم تطرح، لدى تأسيسها، رؤية يسارية أو اشتراكية، وإنما انطلقت من منطلقات وطنية عامة. وشيئاً فشيئاً، صارت الجبهة الشعبية تنحو منحى يسارياً واضحاً، وتضفي طابعاً اجتماعياً على النضال الوطني. 

وتكرّس هذا الانعطاف اليساري في مسيرتها لدى انعقاد مؤتمرها الأول، في آب/أغسطس 1968، الذي تمخض عن انحيازها الواضح إلى "إيديولوجية البروليتاريا". وفي المؤتمر الثاني الذي عقدته في شباط/فبراير 1969، تبنت الجبهة الشعبية، استناداً إلى كتابات الزعيم الصيني ماوتسي تونغ والزعيم الفيتنامي الجنرال جياب، "طبعة" من طبعات "الماركسية الآسيوية" التي تركّز على أولوية الكفاح المسلح على النضال السياسي، واندفعت على طريق تعميق تمايزها عن الأحزاب الشيوعية العربية. 

فحدد التقرير الصادر عن ذلك المؤتمر أعداء الثورة الفلسطينية "في إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية والإمبريالية العالمية والرجعية العربية"، واعتبر أن العمال والفلاحين الفلسطينيين هم "عماد الثورة ومادتها الطبقية الأساسية وهم قيادتها"، وأكد ترابط النضال الفلسطيني مع النضال التحرري العربي، ودعا إلى تحالف الثورة الفلسطينية مع حركة التحرر الوطني في فيتنام، ومع الوضع الثوري في كوبا وكوريا الشمالية، ومع جميع حركات التحرر المناهضة للإمبريالية.

 وأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التزامها "بالمنهج المادي الجدلي التاريخي، بوصفه جوهر النظرية الماركسية، وأداة أساسية لفهم وتحليل ظواهر الطبيعة والمجتمع"، واعتبرت نفسها "فصيلة طليعية متقدمة للطبقة العاملة الفلسطينية، ولعموم الكادحين الفلسطينيين، تناضل مع الفصائل اليسارية والديمقراطية الفلسطينية الأخرى، لبناء حزب الطبقة العاملة، لتأدية دوره التاريخي في تحرير الجماهير الفلسطينية من الاستبعاد القومي والطبقي". 

ومن جهة أخرى، حددت الجبهة الشعبية الهدف الاستراتيجي للنضال الفلسطيني، في مرحلة التحرر الوطني، في "تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني الاستعماري، وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس". وقدّرت أن الوحدة الوطنية الفلسطينية في مرحلة التحرر الوطني "تعتبر شرطاً ضرورياً ولازماً لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني".

تطوّر مواقف الجبهة الشعبية السياسية والكفاحية

سعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعد هزيمة حزيران 1967، إلى بناء قواعد ارتكازية لممارسة الكفاح المسلح داخل الضفة الغربية، وساهمت من خلال مجموعاتها المسلحة، بقيادة محمد الأسود (جيفارا غزة)، مساهمة بارزة في تحويل قطاع غزة إلى ساحة مواجهة يومية مع القوات الإسرائيلية، وذلك حتى أواخر سنة 1971 تقريباً. واعتباراً من 23 تموز/يوليو 1968، بدأ "فرع العمليات الخارجية" التابع لها، برئاسة وديع حداد، سلسلة عملياته، خلف شعار "وراء العدو في كل مكان"، وذلك عندما قامت مجموعة مسلحة تابعة لها باختطاف طائرة لشركة "العال" الإسرائيلية كانت تقوم برحلة ما بين مطارَي روما واللد وأجبرتها على الهبوط في مطار العاصمة الجزائرية. كما راح هذا الفرع يوجّه ضربات عسكرية للمصالح الإمبريالية، كعملية تفجير خط أنابيب النفط المار بالجولان، وعملية ضرب ناقلة النفط "الكورال سي" وغيرها من العمليات.

وبعد انحسار ظاهرة العمل الفدائي في المناطق الفلسطينية المحتلة، خططت الجبهة الشعبية كي يكون الأردن هو قاعدة الإسناد الخارجية للمقاومة الفلسطينية المسلحة، وطرحت فكرة تحويل عمان إلى "هانوي" عربية. ثم عارضت موافقة كل من الأردن ومصر على "مشروع روجرز" في حزيران/يونيو 1970، وقامت ما بين 6 و 9 أيلول/سبتمبر 1970، بخطف ثلاث طائرات أميركية وسويسرية وإنزالها، في "مطار الثورة" بالقرب من الزرقاء في الأردن، ومن ثم تفجيرها في 12 أيلول، ما دفع اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى تجميد عضويتها في اللجنة.

واعتبرت الجبهة الشعبية، بعد خروج قوات المقاومة الفلسطينية من الأردن، أن أحد الأخطاء الرئيسية لحركة المقاومة هو التركيز على الطبيعة "القطرية" للثورة الفلسطينية، وعجزها عن تحديد "موقف ثوري" من الجماهير الأردنية، وطرح نفسها بصفتها "البديل الكامل للحركة الوطنية الأردنية"، معتبرة أن خضوع المقاومة لقيادة تمثّل "تحالف البرجوازية والبرجوازية الصغيرة إجمالاً" هو الذي أوقعها في هذه الأخطاء. وبعد أن نقلت الجسم الرئيس من مقاتليها إلى لبنان، أكدت أن وضع المقاومة في لبنان، واستراتيجيتها وتكتيكها، يختلفان عن وضع المقاومة في الأردن، حيث غالبية السكان من الفلسطينيين، بحيث أن هدف المقاومة في لبنان "هو التواجد وحرية ممارسة كافة أشكال القتال ضد العدو الإسرائيلي بالدرجة الأولى". 

واستطاع وديع حداد أن يدير شبكة تحالفات بين "فرع العمليات الخارجية" وبين العديد من الحركات الراديكالية مثل: "الجيش الأحمر الياباني"، و"مجموعة بادر ماينهوف" الألمانية، و"الألوية الحمراء" الإيطالية. وفي أواخر أيار/مايو 1972، قام مقاتلو هذا الفرع، بالتعاون مع وحدة من "الجيش الأحمر الياباني"، بالهجوم على مطار اللد ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.

 واتخذت قيادة الجبهة الشعبية، بعد هذه العملية، قراراً بوقف عملياتها الخارجية، إلا أن إصرار وديع حداد على مواصلتها، وقيامه بتدبير عملية خطف طائرة فرنسية واقتيادها إلى مطار "عنتيبي" في أوغندا، في حزيران/يونيو 1976، دفعت قيادتها إلى فصله من عضويتها ومعه كل أعضاء الفرع.

بعد حرب تشرين الأول /أكتوبر 1973 العربية-الإسرائيلية التي فتحت آفاق التوصل إلى تسوية سياسية، عارضت الجبهة الشعبية مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في جهود التسوية، واعتبرت أن الحل الذي تنشده الولايات المتحدة الأميركية، من خلال سياسة "الخطوة خطوة"، يهدف إلى تصفية ظاهرة الكفاح المسلح وإقامة دولة فلسطينية لن تكون "دولة وطنية" ولن تشكل قاعدة لمواصلة النضال. وعقب انعقاد دورة المجلس الوطني الثانية عشرة في حزيران/يونيو 1974 وتبنيها "البرنامج المرحلي"، قامت الجبهة الشعبية، في 26 أيلول/سبتمبر 1974 بسحب ممثلها من اللجنة التفيذية لمنظمة التحرير، ثم شاركت، في 15 تشرين الأول/أكتوبر 1974، مع ثلاثة تنظيمات فدائية أخرى في تأسيس "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية" التي وقفت ضد البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير.

ولدى اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، في أواسط نيسان/أبريل 1975، انخرطت الجبهة الشعبية، مع فصائل منظمة التحرير الأخرى، في هذه الحرب، وسعت إلى تعزيز علاقاتها مع الحركة الوطنية اللبنانية التي رأت فيها "الضمانة السياسية لحماية الوجود الوطني العلني للثورة الفلسطينية في لبنان". 

وعندما قام الرئيس أنور السادات بزيارة القدس في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1977، حمّلت الجبهة الشعبية جميع أطراف "التسوية السياسية"، بما فيها قيادة منظمة التحرير، مسؤولية "بادرة السادات الخيانية"، ثم أدانت في أيلول/سبتمبر 1978، في إطار إجماع وطني فلسطيني، "اتفاقية كمب ديفيد" ومشروع الحكم الذاتي. 

وبدأ انعطاف الجبهة الشعبية نحو تبني نهج المرحلية خلال انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني الرابعة عشرة في دمشق ما بين 15 و 22 كانون الثاني/يناير 1979، التي تبنت "البرنامج السياسي والتنظيمي للوحدة الوطنية"، بموافقة جميع فصائل منظمة التحرير بما فيها الجبهة الشعبية، وهو البرنامج الذي أكد حق الشعب الفلسطيني في "إقامة الدولة الديمقراطية على كامل ترابه الوطني" وحقه "في العودة وتقرير مصيره على أرضه دون تدخل خارجي وإقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني دون قيد او شرط". 

وتكرس هذا الانعطاف خلال انعقاد المؤتمر الرابع للجبهة الشعبية، في نيسان/أبريل 1981، الذي أشار في بيانه إلى أنه خلال النضال "قد تتحرر أجزاء من فلسطين تسيطر عليها الثورة، ومن الطبيعي أن تقيم عليها سلطتها ودولتها"، وذلك بعد أن انتقد مواقف الجبهة السابقة من الاتحاد السوفياتي وشدّد على ضرورة التحالف معه "بما يوفر الترابط بين الثورة الوطنية الفلسطينية والثورة العالمية"، كما أكد عزم الجبهة على بناء "أعمق وأمتن العلاقات مع الأحزاب الشيوعية العربية". وصارت الجبهة، منذ تلك الفترة، تحصل على الأسلحة من الاتحاد السوفياتي، ودول أوروبا الشرقية، بعد أن كانت تتزود بها من العراق وليبيا أو من السوق السوداء.

بعد أن شاركت، مشاركة فاعلة، في التصدي للعدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف سنة 1982، ووافقت على قرار خروج قوات منظمة التحرير من بيروت، نقلت الجبهة الشعبية مركز قيادتها إلى دمشق. كما صارت الجبهة تولي اهتماماً متزايداً لتعزيز حضورها داخل المناطق الفلسطينية المحتلة، من خلال التركيز على تطوير المنظمات الجماهيرية للشباب والعمال والطلاب والنساء. 

وبعد وقوع الانشقاق داخل حركة "فتح"، شكّلت الجبهة الشعبية "قيادة سياسية وعسكرية مشتركة" مع الجبهة الديمقراطية في حزيران/يونيو 1983 ثم شاركت، بعد وقوع الاقتتال بين طرفي الانشقاق داخل "فتح" وقيام رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بزيارة القاهرة في كانون الأول/ديسمبر 1983، في تشكيل "التحالف الديمقراطي" في آذار/مارس 1984 الذي ضم، فضلاً عنها، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والحزب الشيوعي الفلسطيني وجبهة التحرير الفلسطينية، وهدف إلى العمل على "حماية وحدة منظمة التحرير الفلسطينية وصيانة خطها الوطني".

 وبعد التوقيع على "اتفاق عمان" بين ياسر عرفات والملك حسين، في شباط /فبراير 1985، ساهمت الجبهة الشعبية، بالتعاون مع خمسة فصائل فلسطينية أخرى في تشكيل "جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني" في آذار/ مارس 1985، بصفتها "إطاراً مؤقتاً يعمل لاستعادة منظمة التحرير إلى خطها الوطني " و "الرد العملي على نهج الانحراف وتوغل هذا النهج في الطريق الأميركي ".

 ومهّد إلغاء "اتفاق عمان"، بعد فشل مبادرة التنسيق السياسي الأردني-الفلسطيني في سنة 1986، الطريق أمام انعقاد الدورة التوحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، في نيسان/أبريل 1978، بمشاركة الجبهة الشعبية.

بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في كانون الأول/ديسمبر 1987، انخرطت الجبهة الشعبية في فاعلياتها النضالية، كما كانت طرفاً في "القيادة الوطنية الموحدة" للانتفاضة، التي ضمت، فضلاً عنها، حركة "فتح" والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والحزب الشيوعي الفلسطيني. بيد أن الجبهة الشعبية، التي شاركت في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشرة التي عقدت في الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر 1988، تحفظت على موافقة تلك الدورة على قرارَي مجلس الأمن رقم 242 و 338، كما عارضت الاعتراف بإسرائيل، وشاركت مع تسعة تنظيمات فلسطينية أخرى، كان من ضمنها حركتا "حماس" و"الجهاد" الإسلاميتان، في إصدار بيان، في 24 تشرين الأول /أكتوبر 1991، يعارض مبدأ المشاركة الفلسطينية في مؤتمر مدريد للسلام، ثم أدانت، في إطار "الفصائل الفلسطينية العشرة"، "اتفاق أوسلو" لدى التوصل إليه في 13 أيلول/سبتمبر 1993. 

واستمرت الجبهة الشعبية حتى اليوم في سياستها الرامية إلى مناهضة نهج قيادة منظمة التحرير الذي أفضى إلى هذا الاتفاق، مع تأكيدها أهمية الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، والتصدي لأية مخططات تعمل على خلق بدائل لها.

مؤتمرات الجبهة الشعبية                                

عقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الأول في آب/أغسطس 1968 في غياب قائدها جورج حبش، الذي كان قد اعتقل في دمشق في 19 آذار/مارس 1968، وبقي معتقلاً حتى 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1968 عندما تمكنت مجموعة من الجبهة، بإشراف وديع حداد، من تدبير عملية اختطافه وإخراجه من سورية.  

وعُقد المؤتمر الثاني للجبهة الشعبية في شباط/فبراير 1969، وأقر وثيقة "الاستراتيجية السياسية والتنظيمية" التي شكّلت محطة مهمة على طريق تحوّل تنظيمها القائم إلى تنظيم ماركسي – لينيني مقاتل. وارتباطاً بهذا التوجه أقامت الجبهة مدرسة بناء الكادر الحزبي في الأردن، وأصدرت "مجلة الهدف" التي ترأس تحريرها غسان كنفاني عضو مكتبها السياسي، الذي اغتالته إسرائيل في بيروت في تموز/يوليو 1972.

وكانت الجبهة الشعبية عقدت، في آذار/مارس 1972، مؤتمرها الوطني الثالث الذي أقر وثيقة "مهمات المرحلة الجديدة" و"النظام الداخلي" الجديد، الذي نص على أن "كل مقاتل سياسي وكل سياسي مقاتل"، وبلور الهيكل التنظيمي القيادي على النحو التالي: المؤتمر الوطني العام، واللجنة المركزية العامة، ولجنة الرقابة المركزية، والمكتب السياسي والأمين العام .

وفي نهاية نيسان/ أبريل 1981، انعقد المؤتمر الوطني الرابع للجبهة تحت شعار "المؤتمر الرابع خطوة هامة على طريق استكمال عملية التحول لبناء الحزب الماركسي- اللينيني، والجبهة الوطنية المتحدة، وتصعيد الكفاح المسلح، وحماية وجود الثورة، وتعزيز مواقعها النضالية، ودحر نهج التسوية والاستسلام، وتعميق الروابط الكفاحية العربية والأممية".

أما المؤتمر الوطني الخامس للجبهة، الذي انعقد في شباط/ فبراير 1993، فقد شهد سجالاً عميقاً، وقرر أن الجبهة "ترزح تحت وطأة أزمة تنظيمية متعددة الجوانب، وأن الأوان قد آن للعمل بجدية على تغيير أشكال ووسائل العمل، بما يؤمن تطوير الحياة الحزبية، وتوسيع أشكال ممارسة الديمقراطيةً".

وفي المؤتمر الوطني السادس للجبهة، الذي انعقد في تموز/ يوليو 2000، انتخب مصطفى الزبري (أبو علي مصطفى) أميناً عاماً للجنة المركزية، خلفاً للدكتور جورج حبش، الذي قرر التخلي عن موقعه هذا بعد أن شغله منذ تأسيس الجبهة، وتوفي في عمان في 26 كانون الثاني/يناير 2008. وكان "أبو علي مصطفى" قد عاد، مع عدد كبير من أعضاء الجبهة وكوادرها للاستقرار في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبرز بصفته واحداً من أبرز قادة "انتفاضة الأقصى"، ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى تدبير عملية اغتياله في 27 آب/أغسطس 2001 عبر قيام مروحية أباتشي بإطلاق صاروخ على مكتبه في مدينة البيرة. 

وبعد استشهاده، انتخبت اللجنة المركزية للجبهة أحمد سعدات أميناً عاماً جديداً للجبهة، وعبد الرحيم ملوح نائباً للأمين العام. وبعد قيام الجناح العسكري للجبهة، المعروف باسم "كتائب أبو علي مصطفى"، باغتيال الوزير الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي، اعتقلت أجهزة السلطة الفلسطينية أحمد سعدات وعدد من رفاقه، وتم نقلهم إلى معتقل أريحا تحت حراسة أميركية – بريطانية. وفي آذار/مارس 2006، قامت القوات الإسرائيلية باقتحام سجن أريحا، واختطفت سعدات، ومجموعة من السجناء الفلسطينيين، ليتم اعتقالهم في سجن عوفر.

وانعقد المؤتمر الوطني السابع للجبهة الشعبية ما بين 28 تشرين الثاني/نوفمبر و 3 كانون الأول/ديسمبر 2013، فناقش مظاهر "الأزمة الخاصة" التي عانت منها الجبهة "والمرافقة للأزمة الوطنية العامة"، وحدد سبل الخروج منها. 

كما ناقش البرنامج السياسي مؤكداً "استمرار كفاح شعبنا لتحقيق الهدف الاستراتيجي الذي تخوضه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لتحرير كل شبر من الاحتلال الصيهوني الاستعماري الكولونيالي لإقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني"، ودعا إلى "العمل على تطوير وتعزيز وحدة الشعب الفلسطيني باعتبارها السلاح الأمضى في الكفاح الوطني من أجل تحقيق المهام الوطنية والخروج من دائرة الانقسام" الذي وقع في حزيران/يونيو 2007 ما بين حركَي "فتح" و "حماس" وأسفر عن حدوث قطيعة ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة بعد سيطرة "حماس" بصورة كاملة على القطاع. وأعاد المؤتمر انتخاب أحمد سعدات، وهو في سجنه، أميناً عاماً للجبهة، وانتخب اللواء فؤاد المراغة (أبو أحمد فؤاد) نائباً له.


 


 



التعليقات