أيها العرب: أوقفوا التطبيع

أيها العرب: أوقفوا التطبيع
نبض الحياة 

أيها العرب: أوقفوا التطبيع

عمر حلمي الغول 

لن اسمي دولة بإسمها، ولا ملكا أو أميرا أو رئيسا بإسمه، وسانحو نحو التعميم ليس تهربا، ولا خشية من التسمية، إنما لإن اللوحة العربية العامة باتت باهتة وبائسة وسوداء. وقوى التغيير مخصية، ومتآكلة وتكرر ذاتها في بيانات صفراء وممجوجة، لا تسمن ولا تغني من جوع. والبيانات الرسمية العربية من الدول، أو من مؤسسة الجامعة العربية وقممها أيضا وقعها على الشارع العربي يثير الغضب والإستياء، هناك شعور بالغثيان من الحال البائس، الذي يعيشه العرب نتاج ركضهم في متاهة التطبيع المجاني مع دولة الإستعمار الإسرائيلي، وتبعيتهم للولايات المتحدة الأميركية. 

لم يعد هناك موقفا عربيا يعكس روح الدفاع عن هوية الأمة، ولا عن شعوبها المنكوبة والمستلبة والمطحونة بنيران الحروب اللبينية، التي أشعلتها أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية وأداوتهم من الأنظمة الفاسقة ومعها جماعة الإخوان المسلمين وأدوات إيران الفارسية. حتى باتت فلسطين، قضية العرب المركزية، القضية الأكثر هامشية وثانوية في أجندة أهل النظام الرسمي العربي، ولا يغرن المرء ما يسمع وما يقرأ من بيانات ولا تلهيه عنوان الصحف ونشرات الأخبار في الفضائيات المسمومة، والمروجة للتطبيع المجاني مع دولة إسرائيل الإستعمارية، العدو الأول للعرب، والإنصياع لمشيئة إدارة ترامب المتصهينة، التي تقود بشكل مباشر الحرب على فلسطين وشعبها وحقوقه السياسية، وعلى الشعوب العربية كلها. 

ومن يدعي، أو يحاول ان يحمل القيادة الفلسطينية المسؤولية عن التطبيع، بإعتبار انها كانت رأس جسر لذلك، فهو مخطىء، وهذا ليس دفاعا عن القيادة، رغم كل الأخطاء، التي وقعت فيها، وإنما إنصافا للحقيقة، لإن الدول العربية مجتمعة منذ ما قبل إجتياح لبنان الشقيق في العام 1982، وبتعبير أدق منذ التوقيع على إتفاقية كامب ديفيد 1978 (المصرية الإسرائيلية)، وتفكيك مسارات التسوية الإسرائيلية العربية، ومن ثم حرب الخليج الأولى والثاني وتداعياتها التدميرية على فلسطين والعراق والخليج العربي عموما، وسيناريوهات أميركا إسرائيل ومعها كل حلفائها الطوعيين من العرب والعجم تمهد الطريق للتطبيع المجاني مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وبالتالي لم تكن القيادة الفلسطينية وذهابها إلى مؤتمر مدريد أولا ثم أوسلو ثانيا (انا ضد أوسلو، لكني مع التعامل مع إفرازاته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المشروع الوطني) خيارا فلسطينيا إرادويا، انما كان ممرا إجباريا، دفعتها إليه كل القوى العربية الرسمية والولايات المتحدة ودول الإقليم من العالم الإسلامي بشقيه السني والشيعي، حرصا منها (القيادة الفلسطينية)على حماية الرأس الفلسطيني من التبديد، وفرض الحضور الفلسطيني في الجغرافيا السياسية لتكريس الحقوق والأهداف الوطنية في الواقع. 

لكن البعض يقرأ الكتاب من آخر صفحة، وليس وفق التسلسل المنطقي لتطور الأحداث. ومع ذلك القيادة الفلسطينية رفضت وترفض التطبيع المجاني مع إسرائيل، وتطالب العرب جميعا دون إستثناء بالتقيد بأولويات مبادرة السلام العربية، وعدم قلبها رأسا على عقب، كما تريد إسرائيل. وإستغلال بعض العرب زيارات القيادات الفلسطينية لبلدانها لتمرير ما ليس مقبولا، أمرا مرفوضا، ومدانا. ولا توافق عليه القيادة الفلسطينية. 

وعلى اهمية الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني الرافض للتطبيع، فإن الضرورة تملي على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني والقطاعات والنخب السياسية والثقافية والفنية والأكاديمية وضع رؤية برنامجية للتصدي لخطر التطبيع المجاني مع إسرائيل. ولا يجوز ان تمر زيارة أي مسؤول عربي سريا أو علنيا لإسرائيل مرور الكرام، بل يفترض وضع قائمة سوداء بأسماء ومواقع المطبعين العرب والمسلمين، وملاحقتهم قضائيا وسياسيا وثقافيا، وتعريتهم أمام شعوبهم وامام العالم العربي كله. لإن الطريقة المتبعة في التعاطي مع المطبعين، طريقة سطحية، وغير مجدية، ولم يعد يعيرها أي مسؤول عربي إهتماما، لا بل كأنه لم يسمع بها. لهذا لا بد من تغيير قواعد اللعبة مع المطبعين العرب والمسلمين، وهو ما يفرض إظهار العين الحمراء لهم. كيف؟ هذة مسؤولية القوى الوطنية والقومية والديمقراطية في الساحة الوطنية وفي الساحات العربية. 

آن الآوان ان يوقف العرب عملية التطبيع كلها من ألفها إلى يائها، لإنهم جميعا يعلمون ان الهدف تصفية القضية الفلسطينية. وإن كانت ضمائرهم مازالت تحمل نبضا ولو محدودا من الوطنية والقومية، فليتوقفوا عن الركض في متاهة إسرائيل الإستعمارية، أداة أميركا والغرب الرأسمالي الأولى في سحق وقهر وتمزيق وحدة الأمة العربية وشعوبها. وعلى العرب أن يميزوا بين الموقفين الرسمي والشعبي الفلسطيني. فالديبلوماسية الفلسطينية تختلف إختلافا جذريا عن فلسفة ومنطق الشعب العربي الفلسطيني. فهل يدرك القادة العرب ذلك؟

[email protected]

[email protected] 

التعليقات