"ازدواجية معايير" ... مزدوجة

كتب عريب الرنتاوي
تناصب عواصم عربية وازنة، جماعات الإخوان المسلمين أشد العداء، وهذا شأنها، وافقناها الرأي أم خالفناه ... لكن حملاتها على الجماعة الإسلامية الأكثر تنظيماً والأكثر حضوراً على الساحة العربية طوال تسعين عاماً، تتميز بقدر ظاهر من "الازدواجية" ... الإخوان شرٌ مستطير في بلدانهم، وهم كذلك في بلدان أخرى مثل تونس وتركيا (مع أن النهضة والعدالة والتنمية يغردان خارج سرب الإخوان عموماً).
بيد أنهم "حلفاء" موثقين في الحرب على الحوثي في اليمن (الإصلاح)، يلقون الدعم والإسناد ويستقبلون على مستوى القمة، وهم – الإخوان - أعضاء فاعلون في برلمانات دول شقيقة وحليفة مثل البحرين والكويت، ويدعمون حكومات بلادهم وسياساتها الداخلية والخارجية وإن بتحفظ لا يرقى إلى مستوى المعارضة الجدية.
الازدواجية ليست حكراً على هذه العواصم وحكوماتها فحسب ... فالجماعة الإخوانية ذاتها، مضروبة بهذا الداء كذلك ... تجدهم في دول عدة، ينصابون النظام في مصر أشد العداء، وهم حلفاء موثوقين لأنظمة وحكومات، تعد حليفة وشريكة للرئيس عبد الفتاح السيسي ... وهم إذ يبدون في بعض الدول، قدراً من الامتعاض لمجريات الحرب في اليمن، نرى فرعهم هناك، يتصدر جبهات القتال في الحرب اليمنية، وينسق من داخل غرف العمليات المشتركة ضد جماعة أنصار الله.
يصنفون إخوان بلدانهم جماعة إرهابية، ويحكمون على منتسبيها بأغلظ العقوبات وأشدها، بيد أنهم يديرون وساطات مع فرعها الفلسطيني ممثلاً بحركة حماس، لإخراجها من مأزقها في القطاع، وإن تحت شعار، إخراج القطاع من مأزقه مع حكم حماس، لدرجة أنك تشعر أحياناً بانحياز الوسيط لصالح الجماعة على حساب سلطة في رام الله، مصنوعة من قماشة الأنظمة العربية ذاتها.
حماس بدورها ليست محصنة ضد مفاعيل "مرض الازدواجية" ... تكثر من الحديث عن المقاومة والممانعة والتحرير، وتتقرب إلى عواصم وحكومات، تعرف ونعرف جميعاً، أنها أبعد ما تكون عن هذه اللغة ومفرداتها ... حتى أن "أوراق الحل" التي تمتلكها حماس، باتت في أيدي قادة هذه الدول ورؤساء استخباراتها وأمناء صناديقها ... وكان لافتاً أن نصر المواجهة الأخيرة في قطاع غزة، قد أهدي للعقيد المنشق عن حركة فتح، بالسماح له بتنظيم أكبر استعراض جماهيري، وبمشاركة نشطة من فصائل محور المقاومة، فأية رسالة أريد بعثها ولمن، وأي ازدواج في المعايير أكثر من هذا، ودائماً على حساب فتح والسلطة ونكاية بمنظمة التحرير الفلسطينية وسعياً لإضعافها.
قد يقول قائل، إن الحكومات تعمل بقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، وهذا صحيح، لكن الصحيح كذلك، أن التعامل بهذه القاعدة، ينزع عن جماعة الإخوان "التهمة المعلبة الجاهزة" و"التنميط العقائدي" الذي أودى بها إلى القائمة السوداء للجماعات الإرهابية، ما يعني أننا بإزاء حركة، نتفق معها ونختلف معها وعليها، بيد أنها ليست شراً مستطيراً ومستداماً بالضرورة، ولا شيطاناً لا هوادة في الحرب عليه والبراءة منه.
وقد يقول إن الجماعة ليست كذلك كتلة صماء متجانسة، وأن فروعها المختلفة هي وليدة سياقات مختلفة، وتسلك نهجاً مختلفاً ... وهذا صحيح أيضاً، فحكاية "التنظيم الدولي" أو "هيئة الأركان المشتركة" للإخوان المسلمين، لم نأخذها يوماً على محمل الجد ... لكن الدرس المستفاد من هذه التجربة، أن "لا قواعد شرعية في علم السياسة"، وأن لغة التحريم والتحليل ليست صالحة أبداً في هذا الحقل، وأن تديين السياسة، كتسييس الدين، لعبة حبالها قصيرة.
التعليقات