مخاطر التهريب الجمركي والتهرب الضريبي وأثرهما على الخزينة والسوق الفلسطينية وسبل الحد منهما

مخاطر التهريب الجمركي والتهرب الضريبي وأثرهما على الخزينة والسوق الفلسطينية وسبل الحد منهما
"مخاطر التهريب الجمركي والتهرب الضريبي وأثرهما على الخزينة والسوق الفلسطينية وسبل الحد منهما
رام الله - دنيا الوطن
عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) في مقره برام الله يوم أمس الأربعاء الموافق 14/11/2018 لقاء طاولة مستديرة بعنوان "مخاطر التهريب الجمركي والتهرب الضريبي وأثرهما على الخزينة والسوق الفلسطينية، وسبل الحد منهما" شارك فيه مدعوون من القطاعين العام والخاص ومن ذوي الاختصاص. وتأتي هذه الجلسة ضمن سلسلة لقاءات الطاولة المستديرة التي يعقدها المعهد لمناقشة قضايا اقتصادية واجتماعية هامة وذات أولوية لصانع القرار الفلسطيني.

واعد الباحث في ماس مسيف جميل مسيف، ورقة خلفية عن هذا الموضوع، بين من خلالها أهمية الموضوع والآثار السلبية لهذه الظاهرة على الخزينة وعلى تشويه الاسعار في السوق لما لها تأثير على ربحية التجار الملتزمين ضريبيا، وقدم المداخلات الرئيسية في الجلسة كل من السيد سهيل جابر نقيب أصحاب محطات الوقود، والمقدم لطفي ناصر مدير دائرة المكافحة والتفتيش في الضابطة الجمركية، والرائد أمجد براهمة مدير دائرة البترول في الضابطة الجمركية، والسيد غسان صوفان ممثلاً عن المجلس التنسيقي للقطاع الخاص. وقد ادار الجلسة د. بلال فلاح، مدير البحوث في "ماس.  

وفي عرضه للورقة، بين السيد مسيف أن التهريب هو ادخال بضائع الى السوق بدون وثائق، في حين أن التهرب هو ادخال بضائع بوثائق ولكن يتم الافصاح عن قيم غير حقيقية، وذكر أن السلع المهربة هي سلع استراتيجية وحساسة مثل، المحروقات، السجائر، مواد البناء، والسلع الزراعية، وذكر أن هذه الظاهرة في تنامي مستمر حيث قدر الخبراء ان حجمها يصل ما بين 30-35% من قيمة الاستيراد من إسرائيل (ما يزيد على مليار دولار)، وأن عدد القضايا الجمركية في العام 2017 وصل الى 5672 قضية، في حين تنامت الى أكثر من 6300 قضية في العام 2018 لغاية شهر تشرين الأول الماضي.

وبين الباحث أهم الأسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة التهريب الجمركي والتهرب الضريبي الناتجة عن شروط وشكل العلاقة التجارية مع إسرائيل التي ادت الى ضعف الدور الرقابي، وضعف تطبيق سياسات تجارية، وتحكم إسرائيل بالمعابر، كما أن القيود الاسرائيلية على التجارة الخارجية أدت الى التوجه للشراء من السوق الاسرائيلي وبالتالي زيادة نسبة التهريب من السوق الإسرائيلية، وأن العامل الجغرافي والسياسي (حدود مفتوحة، منطقة ج، المستعمرات) بالإضافة إلى العبء الضريبي المرتفع، وارتفاع الجمارك على بعض السلع مثل السجائر والتبغ والسولار، وضعف القوانين الرادعة والامكانيات البشرية والتقنية واللوجستية والعديد من الأسباب الأخرى أدت إلى تنامي هذه الظاهرة.

وفي حديثه عن قطاع المحروقات ذكر الباحث أن هذه الظاهرة تفشت بشكل كبير في اخر أربع سنوات في مناطق "ج"، بحيث وصل عدد النقاط العشوائية الى أكثر من 90 نقطة. وتصل نسبة التهريب في السولار بين 17-25% من الكمية المستهلكة، وتقدر الخسائر ب 120 مليون دولار سنويا. وعزا ذلك إلى الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات، وتواطئ التجار الإسرائيليين، بالإضافة إلى فارق الأسعار بين السولار المطابق للمواصفات والمهرب.

من جانبه أشار السيد سهيل جابر الى الخسائر الفادحة التي يتحملها مستهلكو السولار المهرب نتيجة الأعطال التي تطال مركباتهم بسبب عدم مطابقته للمواصفات الفنية الالزامية. كما وضح فداحة الأضرار التي لحقت بأصحاب محطات الوقود الرسمية نتيجة توسع ظاهرة تهريب السولار. وقد حذر أيضا من وجود أنواع مغشوشة من الوقود في السوق ناتجة عن خلط كميات ضئيلة من السولار مع مواد كحولية من أجل تعظيم الأرباح. وأثار أيضا وجود مشكلة في التوزيع الجغرافي لمحطات الوقود الرسمية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الاعتماد على محطات الوقود الإسرائيلية في المناطق التي تفتقر إلى محطات وقود فلسطينية، إضافة إلى الاعتماد على السولار المهرب. وأخيراً، أشار إلى الافتقار إلى قوانين واضحة وعقوبات رادعة لمعاقبة المهربين وأن هناك ضرورة ملحة لتبني قوانين ونظام بت في النزاعات لحل هذه المشكلة.

وفي إطار الإجراءات التي تتخذها جهات الاختصاص الحكومية في التعامل مع مسألة التهريب، أوضح الرائد أمجد براهمة الإجراءات العملية التي يتبعها جهاز الضابطة الجمركية في مكافحة ظاهرة التهرب الجمركي وشدد على ضرورة تغليظ العقوبات ضد المهربين اسوة بما تم اتخاذه لمكافحة ظواهر سلبية أخرى مثل تهريب المخدرات. وتطرق الرائد براهمة كذلك الى العديد من العوائق التي تحد من فعالية مكافحة ظاهرة التهريب، وأبرزها عدم جدية سلطات الاحتلال في مكافحتها وافتقار جهاز الضابطة الجمركية الى عدد كاف من المستودعات الخاصة لحجز ما يضبطه الجهاز من السولار المهرب. وأخيرا، أشار الى أن انتشار المحطات العشوائية غير المرخصة التي تبيع محروقات مغشوشة ومهربة في مناطق "ج" ما يعيق جهود الضابطة الجمركية في ضبطها والتعامل معها. ومن جانبه أشار المقدم لطفي ناصر إلى أهمية تزويد الضابطة الجمركية بمختبرات متنقلة لفحص جودة السولار ومدى مطابقته للمواصفات الفنية الإلزامية. وشدد المقدم ناصر على أهمية التعاون القائم بين الأجهزة الأمنية المختصة للحد من ظاهرة التهريب.  

 وفي إطار النقاش حول التهرب الضريبي، بين السيد غسان صوفان ان هناك تكاليف مرتفعة وإجراءات معقدة ومطولة يتحملها المستورد عند استيراد السلع من دول أجنبية (غير إسرائيل) وتتعلق بالإجراءات الخاصة بالتخليص الجمركي. وفي المقابل، لا يواجه المستوردون من إسرائيل مثل هذه التعقيدات، مما يدفع المستوردون الفلسطينيون الى الاستيراد غير المباشر عن طريق وكلاء إسرائيليين لتفادي التعقيدات الجمركية مما يزيد ظاهرة التهرب الضريبي. كما أشار السيد صوفان إلى المبالغة في الرقابة على الملتزمين ضريبيا، مقابل عدم وجود ملاحقة كافية لغير الملتزمين. وأوصى بضرورة التوسع في الرقابة الضريبية بشكل أفقي ليشمل مختلف القطاعات.

وتخلل الجلسة العديد من المداخلات من قبل الحضور حيث أشاروا إلى وجود مجموعة من المعيقات والمشاكل التي من شأنها مفاقمة مشكلة التهريب والتهرب الضريبي. ومن أبرزها عدم وجود تنسيق بين الجهات الرقابية المختلفة ووجود تداخل وتضارب في عملها. هذا بالإضافة إلى تدني مستوى الالتزام الضريبي لدى المواطنين نتيجة ضعف الثقة بسياسات الحكومة. وكذلك تم التأكيد على أن ظاهرة التهريب السلعي والتهرب الضريبي يصعب حلها من خلال إجراءات منفردة وينبغي ان يكون التعامل معها ضمن اصلاح اقتصادي شامل.