الديمقرطيون والفوز الناقص

الديمقرطيون والفوز الناقص
نبض الحياة 

الديمقرطيون والفوز الناقص

عمر حلمي الغول 

جرت الإنتخابات الأميركية النصفية في السادس من نوفمبر الجاري (2018)، التي علق عليها الكثير من المراقبين الآمال في هز موقع الرئيس دونالد ترامب خصوصا والحزب الجمهوري عموما، أو على أقل تقدير التيار المحافظ في الحزب. غير ان النتائج لم تحمل مفاجآت غير متوقعة، العكس صحيح، حيث جاءت وفق ما ذهبت إليه إستطلاعات الرأي، وجميعها أجمع على فوز الديمقراطيين بمجلس النواب (الكونغرس) فقط، ومواصلة الغلبة للجمهوريين في مجلس الشيوخ. وهو ما حصل فعلا. 

مع ذلك يعتبر فوز الديمقراطيين بالغلبية في الكونغرس 219 مقابل 194 للجمهوريين خطوة بالإتجاه الصحيح نسبيا لضبط إيقاع عملية التشريع عموما، وحماية ما سنته إدارة باراك أوباما السابقة وخاصة فيما يتعلق بالتأمين الصحي (اوباما كير)، وأيضا لكبح شطط الرئيس الشعبوي، الذي كان يعتقد انه طليق اليدين والصلاحيات فيما يريد من توجهات وقرارات. لا سيما وانه خلال العامين الماضيين من ولايته كان يتمتع بدعم الجمهوريين في المجلسين (النواب والشيوخ) دون معارضة حقيقية. وبالتالي فوز الديمقراطيون بمجلس النواب يعطيهم القدرة على مواجهة أية قرارات لا تخدم الولايات المتحدة الأميركية، أو تؤثر سلبا على مكانة أميركا الداخلية والأممية. 

غير ان فوز الديمقراطيين، كان فوزا ناقصا، وعكس عدم تمكنهم من تغيير قواعد اللعبة مع الإدارة الجمهورية الفاشلة من وجهة نظرهم، لإن عدم تمكنهم من الغلبة في مجلس الشيوخ أثر سلبا على قوتهم وتوجههم بالتسريع بعزل ترامب. لا بل ان القراءة الموضوعية تشير إلى ان قاعدة وشعبية الرئيس الجمهوري الشعبوي، مازالت تحافظ على قوتها، ولم تهتز نهائيا بالمعنى الدقيق للكلمة. وهو ما منح بعض المراقبين الإستنتاج بأن إمكانية فوز ترامب بولاية ثانية، هي إمكانية واقعية، وليس المحافظة على بقائه طيلة سنوات الدورة الحالية. 

وعليه فإن المعادلة الجديدة في الساحة الأميركية، رغم انها غيرت موازين القوى بين الحزبين لصالح الديمقراطيين، الذين غابوا عن الأغلبية في الكونغرس طيلة العقد الماضي تقريبا، لكنها عكست تمكن الجمهوريين من الإمساك بقرون السياسة الأميركية، لإن الدستور الأميركي يسمح لساكن البيت الأبيض في حال تصادم مع الأغلبية البرلمانية في الكونغرس بتجاوز ذلك، والمصادقة على أي قرار أو قانون، مع أن ذلك يوسع الفجوة بين الحزبين، ويعمق الإنقسام داخل الشارع الأميركي، ويضاعف من الأزمات العميقة، التي تعصف بالولايات المتحدة منذ نهاية عام 2008. 

لكن الإنتخابات الأخيرة حملت في طياتها مجموعة من الملامح الإيجابية النسبية، مثل: أولا زيادة الإقبال في اوساط الشعب الأميركي على الإنتخابات وخاصة بين الملونيين والسود والمسلمين المستهدفين من قبل الرئيس الأميركي وإدارته والبيض العنصريين، وتمكنوا من الدفع بعضوتين عربيتين إلى الكونغرس، وهن الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، والصومالية إلهان عمر. وهي المرة الأولى لوصول المرأة العربية لمنصة التشريع؛ ثانيا وصول عضوتان من السكان الأصليين ايضا لسدة الكونغرس؛ ثالثا إنتخاب مئة إمرأة لعضوية الكونغرس، معظمهن من الحزب الديمقراطي، 84 عضوة مقابل 16 من الحزب الجمهوري؛ رابعا إنتخاب مثلي، هو جاريد بوليس، حاكم ولاية كولارادو، وهو ما يتناقض مع توجهات الحزب الجمهوري، وهو جمهوري. فضلا عن إنتخاب مناصريين للإجهاض من أوساط الجمهوريين. وهذا يكشف أن الحزب الحاكم ليس متزمتا في توجهاته الفكرية والإجتماعية. مما يضع علامة سؤال على مصداقية تمسك الحزب ببرنامجه الإنتخابي. 

في كل الأحوال الإنتخابات النصفية الأخيرة شكلت محطة في مسيرة الشعب الأميركي، رغم انها لم تحمل مفاجآت دراماتيكية. وبالتالي بقي الحال على ما هو عليه بالمعايير المعروفة والسائدة من التوازن بين الحزبين المركزيين في اميركا. 

تبقى مسألة هامة تملي الضرورة التأكيد عليها، ان ما حدث لم يقدم أو يؤخر فيما يتعلق بالسياسة الأميركية تحاه الشعب العربي الفلسطيني وقضيته السياسية، لإن كلا الحزبين لا يخلتفان في هذة المسألة، لإنهما داعمان لإسرائيل الإستعمارية. وهو ما يفرض على العرب والمسلمين ومن معهم وضع خطة عمل لإحداث نقلة إيجابية في الإنتخابات المستقبلية للتأثير على صانع القرار في الولايات المتحدة الأميركية. 

[email protected]

[email protected]     

التعليقات