جحافل من الجراد ومجاعة نادرة.. "حين أكل اللبنانيون لحوم أولادهم

جحافل من الجراد ومجاعة نادرة.. "حين أكل اللبنانيون لحوم أولادهم
توضيحية
رام الله - دنيا الوطن
 قليلون في العالم المحتفل، اليوم الأحد، بمرور 100 عام على نهاية الحرب العالمية الأولى، يعرفون ما قد لا يصدقه أحد، مع أنه حقيقي معزز بأدلة، وهو أن لبنان كان أكبر من لحقت به خسائر في الأرواح زمن الحرب التي بدأت في 1914 وانتهت في 11 تشرين الأول 1918 بتسونامي دموي من الأسوأ، ففيها قضى أكثر من 16 مليون قتيل وما يزيد عن 21 مليون مشوّه وجريح من عشرات الجنسيات والأعراق والدول.

إلا أن أياً من الدول التي شاركت بالحرب أو تضررت منها مباشرة، لم يفقد خمس سكانه سوى بلد واحد فقط، هو لبنان، فمع أن أرضه "تدر لبناً وعسلاً" وفقاً لما وصفه مؤرخون قدماء، إلا أن مجاعة نادرة الاحتدام عمته بعد عام من بداية الحرب واستمرت إلى نهايتها، وكان ضحاياها 200 ألف من سكانه البالغين مليوناً تقريباً ذلك الوقت، معظمهم من "متصرفية جبل لبنان" وكانت تتمتع بالحماية الفرنسية، فيما كانت بقيته تحت الاستعمار العثماني.

جحافل الجراد وصلت والتهمت كل شيء

وفي كتاب صدر بالفرنسية قبل 5 سنوات، ألفه مؤرخان وباحثان هما الدكتور كريستيان توتل وزميله القسيس بيار ويتوك، نجد معلومات وصورا ومستندات مهمة عن المجاعة التي عملا سوياً طوال سنوات للتعرف إلى تفاصيلها، فقاما في 2013 بنشرها لأول مرة منذ اندلاع الحرب الكونية في الكتاب الذي سمياه "الشعب اللبناني ومآسي الحرب العالمية الأولى" وفيه شرح صادم عن المجاعة التي بدأت بجحافل جائعة من الجراد وصلت "والتهمت كل شيء" وجعلت اللبنانيين يطلقون على 1915 اسم "عام الجراد" الذي كانت مكافحته مستحيلة، فاستوطن الجوع ومعه مسببات المرض في كل مكان.

مما رواه المؤرخان، استناداً إلى مذكرات كتب معظمها "الآباء اليسوعيون" في لبنان، أن الناس كانوا بفعل الجوع والأمراض"ينهارون على الأرض ويتقيأون دماً (..) وكانت جثث الأطفال ترمى بين أكوام النفايات" وأن أحد الكهنة وجد في 1917 أرملة ميتة منذ 3 أيام مع طفلها البالغ 10 سنوات "والفئران قضمت أذنيهما ووجنتيهما، وكان بطن الطفل مفتوحاً". كما يسرد الكتاب حالات أكل لحوم بشر، منها رجل "قتل طفليه البالغين 8 و10 سنوات ليقتات منهما"، في إشارة إلى أنه كان يأكل من لحمهما كل يوم.

كان يأكل من لحم ابنيه كل يوم

ويبدو أن دور العثمانيين خلال الحرب كان مصادرة المحاصيل، كما والحيوانات التي كانت تستخدم في النقل "ولم يقتصر الأمر على الجوع، لأن قرى بأكملها خلت بعد وقوعها فريسة أمراض التيفوئيد والكوليرا التي انتشرت بفعل حصار مزدوج، واحد فرضته الحرب والثاني الجراد". كما يشير مؤرخ لبناني آخر، هو الأستاذ الجامعي عصام خليفة، إلى أن الوضع ازداد سوءاً "بعد حصار بحري فرضه الحلفاء على البحر الأبيض المتوسط لقطع الإمدادات عن العثمانيين"، لأن الحاكم العسكري العثماني على لبنان جمال باشا، رد بحصار بري "خنق فيه سكان منطقة جبل لبنان". 

وما يؤكد قساوة تلك المجاعة، وما نتج عنها من أمراض، وجود صور نادرة التقطها المدير العام ذلك الوقت للجمعيات الخيرية بجبل لبنان، إبراهيم نعوم كنعان، مخاطراً بحياته بسبب الرقابة العثمانية المشددة، وعنها تحدث حفيده قبل 3 سنوات إلى وكالات أنباء، منها في فيديو وفيه صور بائسة، واحدة لامرأة نحيلة برزت عظامها، وكانت تتناول قطعة خبز، وصورة أخرى لجثث هزيلة ملقاة على الأرض، وهو ما وصل صداه في 1916 إلى جبران خليل جبران، المقيم مهاجراً ذلك الوقت في الولايات المتحدة فتأثر بما علم من نكبة كبرى حلت بلبنان، فانكبّ وكتب قصيدته الشهيرة "مات أهلي" التي استمدت فيروز بعض عباراتها لتضيفها إلى ما أصبح أغنية "يا بني أمي" الشهيرة.


 


 

التعليقات