الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية.. هل يتم تقليص رواتب الموظفين العموميين بالضفة كغزة؟

الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية.. هل يتم تقليص رواتب الموظفين العموميين بالضفة كغزة؟
خاص دنيا الوطن - صلاح سكيك
تمُر السلطة الفلسطينية بأوضاع اقتصادية صعبة، منذ أن بدأت الولايات المتحدة الأمريكية، بعمليات تقليص مساعداتها التي كانت تمنحها للسلطة بشكل دوري على مدار الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، ولكن بعد مجيء دونالد ترامب، تعاني السلطة من أزمات مالية متلاحقة، حتى إن الكثيرين، أكدوا أن السلطة قد تضطر إلى أن تُقلّص رواتب موظفيها في الضفة الغربية، على غرار موظفيها العموميين في قطاع غزة، والذين تم تقليص رواتبهم في البداية بنحو 70%، ومن ثم تم الوصول إلى تقليص بنسبة 50%، وهو الوضع السائد للشهر الخامس عشر على التوالي.

في نهاية آب/ أغسطس الماضي، قطعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكثر من 200 مليون دولار، كانت ستصل إلى السلطة، ويتم ضخها لصالح مشاريع في الأراضي الفلسطينية، إضافة لصرفها كرواتب للموظفين، الأمر الذي اعتبرته السلطة ابتزازًا لها، بسبب مواقفها المتعنتة من الإدارة الأمريكية، في قضيتي القدس واللاجئين، ليقوم بعد ذلك بوقف دفع نحو 65 مليون دولار من أموال كانت تدفعها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في إطار معاقبة السلطة.

الأزمة المالية التي تمُر بها السلطة، ليست جديدة، بل لها عقدان من الزمن، ولكنها الآن تزداد اتساعًا، حتى إن البعض ذهب نحو إمكانية أن تبدأ السلطة الفلسطينية، بإجراءات تقشفية شديدة، قد تطال رواتب الموظفين في الضفة الغربية، على غرار رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة، والذي بدأت أزمتهم في آذار/ مارس من العام الماضي، برواتب بنسبة 70%، ومن ثم أصبح الخصم بنسبة 50%، على جميع الموظفين.

وفي وقت لاحق، قالت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية: إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقع على قانون جديد، سيعمل على إنهاء المساعدة المالية لقوات الأمن الفلسطينية.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني د. رامي الحمد الله، آنذاك: إن رواتب موظفي قطاع غزة الأساسية لم تمس، وإنما تم خفض بعض العلاوات، وتم إبقاء بعض العلاوات، حتى نستطيع إدارة الأزمة المالية التي نعاني منها".

واوضح الحمد الله، أن الحكومة بدأت تقشفاً على المصروفات منذ العام الماضي في الضفة الغربية، وكان القطاع الأول الذي تم البدء به هو قطاع الأمن، حيث تم تخفيض نفقاته بمقدار 25%، بالإضافة إلى تخفيض ميزانيات العديد من القطاعات، نظراً لانخفاض المساعدات الخارجية بنسبة 70%، ونعاني أزمة مالية كبيرة".

 اذًا أمام هذه المعضلة، فما يمكن أن تفعله السلطة للخروج من الأزمة، وهل تضطر فعلًا لأن تُخفض مرتبات موظفيها الكبار، أم أن التقليص ممكن أن يطال فقط موظفي الدرجات الدنيا؟

مصدران في السلطة الفلسطينية، أكدا لـ"دنيا الوطن" في أحاديث منفصلة، أن الأزمة المالية للسلطة الفسلطينية، تتراكم وأن هنالك حلولًا وضعت، معظمها لم يحن موعد تنفيذها.

وقال أحد المصدرين: إن تقليص رواتب الموظفين العموميين في الضفة من ضمن الخطوات الموضوعة ليس لحل الأزمة المالية برمتها، وإنما لتخفيف العبء المالي الحالي، مشيرًا إلى أن التقليص على المرتبات، سيكون لفترة أشهر ولن تتخطى سنة.

وقال المصدر الآخر: إن السلطة تعمل في الوقت الحالي على إعادة الأموال التي بحوزة الجانب الإسرائيلي وهي أموال الضرائب، وهذه الأموال لو عادت إلى السلطة ليست فقط ستوقف فكرة تقليص رواتب موظفي الضفة، وانما ستُعيد الرواتب الكاملة لموظفي السلطة بغزة، طبعًا بعد الأخذ بالاعتبار الوضع السياسي "وهنا يقصد المصالحة الفلسطينية"، مبينًا في الوقت ذاته، أن تقليص رواتب موظفي الضفة الغربية، هي آخر تلك الخيارات المطروحة، ولن يتم الذهاب إلى هذا الإجراء إلا بعد استنزاف كل الخيارات التقشفية الأخرى.

إسراف مالي تنتهجه السلطة

أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، معين رجب، أكد أنه من الطبيعي حدوث أزمة مالية للسلطة الفلسطينية، لأنها تعودت على أن نفقاتها وايراداتها السنوية تتضخم عامًا بعد عام، هذا يؤدي لحدوث عجز يجب تغطيته، لكن من الواضح أن السلطة والحكومة غير قادرتين على تغطية العجز، في ظل عدم ايفاء الدول المانحة لالتزاماتها المالية.

وأضاف رجب لـ"دنيا الوطن": هذا الوضع دعا السلطة الفلسطينية للاقتراض، من البنوك المحلية، وكذلك من الخارج، وهذا الاقتراض زاد من اتساع الأزمة المالية، ولم يؤدِ إلى أي تحسن يذكر في هذا الخصوص، متابعًا: نتحدث بصراحة، يوجد إسراف مالي كبير في النفقات، كما أن المسؤولين في السلطة، تعودوا على رواتب مرتفعة، واذا قمت بتخفيض رواتبهم لن يقبلوا بذلك.

وأوضح أن المسألة الأهم من ذلك ليس ارتفاع رواتب كبار السلطة وانما أيضًا الامتيازات والبدالات والمنح والهدايا، التي يحصلون عليها، وكذلك الاقتراض الذي يحصلون عليه مرتفع جدًا، مقارنة مثلًا بموظف عادي، أقصى ما يحصل عليه من قرض هو عشرة آلاف دولار.

وقسم رجب، رواتب الدولة إلى قسمين: رواتب الوزراء ومن يتلوهم من موظفين، وهذه رواتب طبيعية ومُحبّذة في الكادر الوظيفي، والقسم الآخر، هو المؤسسات الأخرى شبه الحكومية، كسلطة الطاقة، والبيئة، والمياه، والأراضي، هذه المؤسسات من يرأسها هم برتبة وزراء، ويتقاضون أضعاف رواتب الوزراء، بدون سند، وهذه الهيئات تزداد في كل عام أعدادها، ويتم الحاقها بالحكومة.

واعتبر أن نفقات الأجهزة الأمنية، هي من ضمن أعلى نفقات الدولة، ورواتب قادة هذه الأجهزة، في ارتفاع كبير، ومقارنة ببعض الدول الإقليمية، نرى أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ميزاتها أعلى بكثير، لذا فقبل أن تتخذ السلطة تخفيض رواتب الموظفين العموميين، عليها أن ترشد نفقاتها وتخفض رواتب قادة الأجهزة والوزراء، لاسيما رؤساء الهيئات.

تقليص مرتقب في الرواتب

بدوره، قال الخبير في الشأن الاقتصادي نهاد نشوان: إن السلطة الفلسطينية حاولت الخروج من الأزمة المالية عبر تفعيل مشروع غاز غزة، الذي كان متوقعًا أن يدُر مليارات الدولارات لخزينتها، لكن عدم نجاح هذا المشروع لأن المصالحة لم تتم، كل هذا أدى لأن تستمر الأزمة بل وتترسخ، ولأن تأخذ إجراءات تقشفية، وكان آخر تلك الإجراءات محاولة انعاش قانون الضمان الاجتماعي، وأيضًا تضغط السلطة كي تأخذ أموالها المستحقة من الجانب الإسرائيلي، حيث تزيد تلك الأموال عن 8 مليار دولار.

وتوقع نشوان، خلال حديثه لـ"دنيا الوطن"، بأن تقوم السلطة رغم أزماتها المالية، بتكثيف موازنتها في الضفة الغربية، وهذا سيتم على قاعدة تقليص الخدمات المعيشية للمواطنين، وهذا بالطبع سيأتي على حساب خدمات البنى التحتية والمرافق العامة، وخدمات الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى تقليص رواتب الموظفين العموميين بوزارات ومؤسسات الضفة.

وأشار إلى أن الأزمة المالية، ليست جديدة، وإنما منذ تولي الرئيس أبو مازن الحُكم، بدأت الأزمة تأخذ مراحل أكثر اتساعًا، كما أنه بسبب بعض سياساته أدى ذلك، لتراكم بعض الديون على السلطة.

وأضاف نشوان: السلطة اتخذت إجراءات في قطاع غزة، بحجة المصالحة وفرض العقوبات، لكن في حقيقة الأمر هنالك التزامات مالية على السلطة غير قادرة على الايفاء بها، والقطاع يعتبر فاتورة على خزينة السلطة.

خنق دولي للسلطة الفلسطينية

أما الدكتور نائل موسى، محاضر علوم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، فقد أكد أن أسباب عدم وصول المنح والمساعدات الدولية إلى السلطة، جاء بعد سلسلة الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، فكمية الدول العربية المحتاجة زادت، وبالمقابل الدول المانحة انخفضت أعدادها، وتغيرت اهتماماتها، فمن كان يمنح السلطة بسبب القضية الفلسطينية، ذهب لمنح اليمن والعراق وسوريا، وكذلك ليبيا.

وقال موسى لـ"دنيا الوطن": كما أن الرؤية المالية الدولية هي بالأساس مُنحازة لإسرائيل، والمال الممنوح للسلطة هو أصلًا مال سياسي، وليس اقتصاديًا، وهؤلاء الداعمين يريدون أن يروا السلطة تختنق، ولكن لا يردونها أن تموت، وبالتالي هذا يضع السلطة في موقفين حرجين، هما: زيادة التمويل الداخلي أصبح أمرًا صعبًا، أولًا لأن الاقتصاد الفلسطيني ضعيف، وثانيًا أصبحت قدرة السلطة على تحصيل الضرائب من المواطنين لم يعد بالأمر السهل، لأن المجتمع الفلسطيني أصلًا يُعاني.

وأشار إلى أن السلطة ستواجه مشكلة كبيرة في حال أرادت تقليص نفقات مؤسساتها بما في ذلك تقليص رواتب الموظفين، لأن السلطة بشكل سنوي بحاجة لموظفين أكفاء، وأيضًا هنالك أجور مرتفعة لبعض مسؤولي السلطة، ومقارنة بالدول الإقليمية هؤلاء يتلقون رواتب مضاعفة جدًا.

ورغم ذلك، اعتبر الخبير الاقتصادي، أن الوضع المالي رغم الصعوبات التي تواجها السلطة إلا أنه شبه مستقر، فالموظفون يتلقون عند مطلع كل شهر رواتبهم، والاحتجاجات في أدنى مستوياتها، وكذلك الأجهزة الأمنية تقوم بأعمالها المنوطة بها، متابعًا: حتى لو تأخرت الرواتب في الضفة شهر أو شهرين أو حتى ثلاثة، سيتم تغطيتها في الأشهر اللاحقة، وبأثر رجعي، وهذه مصلحة إسرائيلية أمريكية دولية، ولكن بالتأكيد ستبقى السلطة مشغولة بكيفية تدبير الأموال.

وعقّب موسى على جزئية أن الداعمين الدوليين لا يريدون قتل السلطة الفلسطينية، وإنما خنقها بالقول: هؤلاء يريدون بقاء السلطة في الحكم، بمعنى أنهم سيتفقوا فيما بينهم على إيجاد دولة أو مؤسسة مانحة لتغطية تكاليف خزينة السلطة لفترة معينة، ومن ثم يتم تكليف دولة أو مؤسسة أخرى للتغطية وهكذا، مؤكدًا أن هذا الوضع ليس شفقة على السلطة بقدر ما هو مصلحة لهم جميعًا بقاؤها، والدليل على ذلك، هو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علّق إيصال المعونة الأمريكية للسلطة، ولكن في ذات الوقت استثنى الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

التعليقات