الذكرى 101 للوعد المشؤوم

الذكرى 101 للوعد المشؤوم
نبض الحياة 

الذكرى 101 للوعد المشؤوم  

عمر حلمي الغول 

تحقق الوعد البلفوري المشؤوم، وتم بناء وطن للصهاينة الإسرائيليين على 78% من فلسطين التاريخية، وليس على 56% كما نص قرار التقسيم. ومع ذلك الدولة الإستعمارية الإسرائيلية لم تشبع جشعها من الأرض الفلسطينية، ومازال المشروع الكولونيالي الإجلائي والإحلالي  الصهيوني قيد التنفيذ وفق مخططات قيادته التاريخية. كما أن الغرب الإستعماري وخاصة الإمبريالية الأميركية ومعها كل طغم رأس المال المالي العالمي مازالوا يقفوا إلى جانب الرؤية الجهنمية الإستعمارية الإسرائيلية، ولم يتوانوا عن التشمير عن سواعدهم، وفتح جيوبهم ومواردهم المالية والإقتصادية والثقافية، ومخازن اسلحتهم، ومواصلة إصدار الوعود الجديدة للدولة البغيضة، وحمل راية إسرائيل المارقة في المنابر الأممية وحيثما كان لملاحقة المصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية. 

مائة وواحد عام مرت على الذكرى الفاجعة، ذكرى وعد جيمس آرثر بلفور، وزير خارجية بريطانيا المشؤوم، الذي تم التوافق عليه بين أقطاب رأس المال الغربي عشية إصداره في الثاني من نوفمبر 1917، وخاصة بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى، والذي نص على إقامة وطن "قومي لليهود في فلسطين التاريخية، ومنح باقي الأقليات حقوقا مدنية ودينية". وتم الدفع بمئات الآلاف من اليهود المسحوقين والمظلومين والمنتهكة حقوقهم السياسية والثقافية والدينية من قبل الشعوب الغربية الرأسمالية، لإستعمالهم وظيفيا في خدمة رأس المال الإستعماري في الوطن العربي، بهدف تمزيقه وتفتيته ونهب ثرواته على حساب مشروع العرب القومي النهضوي. 

ولم يكتف الغرب ممثلا بدولة الإنتداب البريطانية في البداية بتأمين المتطلبات البشرية واللوجستية والعسكرية والمالية والإقتصادية والقانونية لإقامة الوطن "القومي لليهود"، بل فتحوا له كل الأبواب المغلقة للسيطرة على أوسع مساحة جغرافية من أرض فلسطين التاريخية. مع أن اليهود لم يكونوا بحاجة لوطن، بل بحاجة للإنعتاق من القوانين والممارسات اللا إنسانية الجائرة والظالمة للدول والشعوب، التي إنتموا إليها قوميا، وعاشوا بين ظهرانيها تاريخيا، وتشربوا ثقافاتها ولغاتها (ثقافتهم ولغتهم). ولكن قادة الدول الرأسمالية ونخبها السياسية والإقتصادية والمالية أرادوا ذلك، وقرروا في مؤتمر كامبل نبرمان 1905/ 1907 وجود "الوطن القومي"، ونفخوا في روح الصهيونية الشريرة لتقود محرقة بشرية جديدة ضد الشعب العربي الفلسطيني بشكل خاص وضد الكل العربي بشكل عام. لإن الإستهداف الفلسطيني لم يكن سوى المدخل لإستباحة العرب من المحيط إلى الخليج، وها نحن نعيش مرحلة الإنحطاط غير المسبوقة في التاريخ العربي، التي توجت بوعد دونالد ترامب الجديد، الذي جاء بعد مائة عام بالتمام والكمال من وعد بلفور المشؤوم. 

ورغم كل الظلم التاريخي المفضوح والمكشوف، الذي وقع على رأس الشعب الفلسطيني، ونتج عنه نكبة العام 1948، التي شرد نتاجها حوالي مليون إنسان فلسطيني من وطنه الأم، وباتوا الآن قرابة ستة ملايين لاجىء في أرجاء الأرض، قبلت القيادة الفلسطينية بالمساومة التاريخية، ليس على أساس قرار التقسيم رقم 181 الأممي، الذي أقرته الشرعية الدولية في 29 نوفمبر 1947، بل على نصف ما تضمنه ذلك القرار، أي إقامة الدولة الفلسطينية على مساحة ال22% من فلسطين التاريحية، وعاصمتها القدس الشرقية، وتقرير المصير عليها، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لإبناء الشعب الفلسطيني داخل دولة الإستعمار الإسرائيلية. غير أن الدولة الإسرائيلية ونخبها السياسية اليمينية العنصرية والفاشية، رفضت ذلك، وكما أشير آنفا، فإن إدارة الرئيس ترامب تماهت معها في توجهاتها الإستعمارية، ليس هذا فحسب، بل  باتت تقود هي حربا شعواء ومجنونة على الحقوق والثوابت الفلسطينية متحدية بذلك كل المواثيق والقرارات والمعاهدات الأممية ومرجعيات عملية السلام.

ولكن إذا كانت الشروط الفلسطينية والعربية والدولية أتاحت للغرب تمرير وعد بلفور الملعون، فإن الوعد الترامبي لن يمر، رغم ان العوامل المحلية والقومية والإقليمية تميل بشكل فاضح لصالح دولة الإستعمار الإسرائيلية. غير أن العامل الفلسطيني الممسك بزمام الأمور قادر على لي ذراع ترامب، وإستطاع بحكمة القيادة عموما والرئيس عباس خصوصا من القول بصوت واضح وعال: لا لترامب، ولا لوعده، ولا لسياساته وإنتهاكاته الخطيرة للمصالح الفلسطيني، والقدس ستبقى فلسطينية عربية، وحق العودة للاجئين لن يموت مهما طال الزمن، والدولة الفلسطينية سترى النور رغما عنه وعن نتنياهو وإئتلافه اليميني المتطرف.

وفي الذكرى ال101 تملي المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية على بريطانيا العمل على الآتي: أولا الإعتذار عن وعد بلفور الإجرامي؛ ثانيا الإعتراف فورا بالدولة والحقوق السياسية الفلسطينية، لاسيما وان الغالبية من أعضاء مجلس العموم البريطاني وافقوا على الإعتراف بالدولة الفلسطينية، كما ان قطاعات واسعة من الشعب البريطاني ونخبه السياسية والحزبية وخاصة حزب العمال تدعم بشكل واضح الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية؛ ثالثا تقديم الدعم المالي والإقتصادي والقانوني والسياسي والديبلوماسي لكفاح الشعب الفلسطيني في مختلف المنابر والهئيات الدولية؛ رابعا فرض العقوبات الإقتصادية والعسكرية على دولة إسرائيل الإستعمارية، بإعتبارها دولة عنصرية بإمتياز بعد سن قانون "القومية ألأساس" في ال19 من تموز / يوليو 2018، وتهربها من إستحقاقات عملية السلام. 

[email protected]

[email protected]   

التعليقات