في الذكرى الـ 62 لمجزرة كفر قاسم.. كتاب إسرائيلي يكشف حقائق جديدة

في الذكرى الـ 62 لمجزرة كفر قاسم.. كتاب إسرائيلي يكشف حقائق جديدة
توضيحية
رام الله - دنيا الوطن
في ذكراها السنوية الثانية والستين، يؤكد كتاب إسرائيلي جديد أن إسرائيل اقترفت مجزرة كفر قاسم داخل أراضي 1948 في عام 1956، بهدف تهجير من تبقى من فلسطينيي الداخل على غرار وسائل التهجير في النكبة.

ويوضح  الباحث الإسرائيلي الدكتور آدم راز في كتابه الجديد "مجزرة كفر قاسم: سيرة سياسية" أنه اكتشف أن الكتابة عن التاريخ النووي في إسرائيل أسهل من الكتابة عن سياساتها تجاه مواطنيها العرب".

ويستند الكتاب الجديد على الوثائق المتاحة في الأرشيفات ومحاضر اجتماعات الهيئات الإسرائيلية، ومقابلة أشخاص لهم علاقة بالقضية، منهم الأشخاص يسخار شيدمي، قائد لواء 17 في المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي، عندما وقعت المجزرة الرهيبة، في 29 تشرين الأول/أكتوبر العام 1956، في اليوم الأول  للعدوان الثلاثي على مصر.

يُذكر أن محكمة عسكرية إسرائيلية أدانت 8 من أصل 11 ضابطا وجنديا في كتيبة حرس الحدود، وفرضت عليهم عقوبات بالسجن، لكن تم إطلاق سراحهم جميعا بعد فترة وجيزة، وتم تعيين قسم منهم في وظائف رفيعة، وبينهم قائد الكتيبة، شموئيل ميلينكي، الذي تم تعيينه مسؤولاً عن الأمن في مفاعل ديمونا. أما شيدمي، ورغم إدانته بالمسؤولية عن مقتل نصف الشهداء في المجزرة، فقد كانت عقوبته بدفع غرامة مبلغها قرش واحد مما يرمز لاستباحة السلطات الإسرائيلية الدم الفلسطيني.

محاكمة صورية

وقال شيدمي في شهادته هذه، إن هذه كانت "محاكمة صورية"، غايتها إزالة المسؤولية عن المجزرة عن القيادة الأمنية والسياسية العليا في حينه، وبينهم رئيس الحكومة، دافيد بن غوريون، ورئيس أركان الجيش، موشيه ديان، وقائد المنطقة الوسطى ورئيس الأركان لاحقا، تسفي تسور، الملقب بـ"تشارا".

ويؤكد شيدمي في الكتاب أن الهدف من المحكمة استعراض مشهد كاذب حول تحقيق العدالة أمام المجتمع الدولي، وإزالة الموضوع عن الأجندة العامة. لكن المؤرخ راز مقتنع بأن الهدف الحقيقي للمحاكمة الصورية أكثر خطورة، وتتمثل بمحاولة إخفاء "عملية الخُلْد" (الخلد حيوان يحفر في الأرض)، وهي عبارة عن خطة سرية لطرد العرب الفلسطينيين في منطقة المثلث إلى الضفة الغربية، والتي لم يتم الكشف عن تفاصيلها حتى اليوم.

ورسمياً صدرت الأوامر لشيدمي، في اليوم الأول للعدوان الثلاثي على مصر، بالاستعداد للدفاع عن مقطع من الحدود الإسرائيلية – الأردنية، وبدوره أصدر أمراً بفرض حظر التجول على القرى العربية الخاضعة لسيطرة لوائه، وبينها كفر قاسم عند الخامسة مساء.

الله يرحمه

وقال قائد كتيبة حرس الحدود ميلينكي إن الأمر الذي أصدره شيدمي قضى بإطلاق النار على كل من يخرق حظر التجول. واقتبس ميلينكي من الأمر العسكري الذي أصدره شيدمي له، بأن "كل من يشاهَد خارج البيت، يخرق حظر التجول، تطلق النار عليه، ويفضل أن يسقط عدد منهم، لكي يتعلموا الدرس للمرات المقبلة". عندما سأل ميلينكي عن مصير السكان الذين يعودون من عملهم إلى القرية ولا يعرفون بفرض حظر التجول، قال له شيدمي: "لا أريد مشاعر، ولا أريد اعتقالات"، وبعد أن أصر ميلينكي على تلقي إجابة واضحة، قال له شيدمي: "الله يرحمه".

يشار إلى أن المحكمة العسكرية أدانت شيدمي ببند إجرائي، بأنه "خرق صلاحياته" عندما أصدر تعليمات حول ساعة بدء حظر التجول وطبيعته، علما أن تعليمات كهذه هي من صلاحيات الحاكم العسكري. وبعد انتهاء المحكمة، أقيم حفل كبير لشيدمي في مستوطنة "سدوت يام"، بحضور بن غوريون ورئيس أركان الجيش، واستقبل فيه شيدمي كبطل.

وقال شيدمي في شهادته، العام الماضي، إنه لم يفاجأ من قرار الحكم والغرامة المفروضة عليه، وأن المحاكمة كانت صورية من أولها إلى آخرها فقد تم التعهد له منذ البداية بتوفير أفضل دفاع قانوني، من خلال تعيين المحامي يعقوب سولومون، وهو أحد كبار المحامين الإسرائيليين حينذاك، وكيلا له، بتمويل من الدولة.

وعثر راز على وثيقة في الأرشيف حول إحدى جلسات محاكمة شيدمي، وجاء فيها إن شيدمي يقول الآن إنه أدرك بعد هذه الجلسة أنه بات ممثلا في مسرحية أكبر مما توقع. وكان شيدمي يعتقد أن المحاكمة هدفها منع وصول القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي وعن ذلك يقول في الكتاب الجديد: "لقد أوضحوا لي أنه يجب إجراء محاكمة، لأن من حوكم في بلاده وأدين، ولو حتى بقرش، فإنه لن يذهب إلى لاهاي… وإذا لم يحاكموني، أو لم يدينوني، فإنني سأحاكم في لاهاي. وهذا أمر لم أكن أنا والدولة نريده. ويوضح راز أن تعامل بن غوريون مع مجزرة كفر قاسم تدل على أن القيادة الإسرائيلية “كانت قلقة جدا من رد فعل دولي محتمل".

ومقابل أدائه في المحاكمة، حصل شيدمي على تعويض، ويقول إن "تشارا حمله على كفوف الراحة وقد حصل على كل ما أراد، مرجحا أن هذا كان ينطوي على فساد بحجم هائل. ويتابع: "أصبحت بعد ذلك مقاولا كبيرا لوزارة الأمن  وكسبت مالا كثيرا من هذه الأعمال، وأن تسور اهتم بي بسخاء".

خطة الترحيل

ويؤكد راز بأن الغاية من إجراء محاكمة صورية لشيدمي هي حماية مسؤولين أرفع مستوى منه، وذلك من أجل محاولة التستر على وجود خطة سرية إسرائيلية باسم "عملية الخلد"، التي تهدف إلى تنفيذ عملية ترانسفير، تهجير العرب في المثلث، وبينهم سكان كفر قاسم، إلى الأردن.

ويقول راز إن التفاصيل الكاملة لخطة الترانسفير هذه لم تُكشف وما زالت تخضع للسرية والرقابة العسكرية لا تسمح بكشفها وهي محفوظة في أرشيف الجيش الإسرائيلي. وخلال البحث الذي أجراه، تمكن راز من كشف بعض تفاصيل خطة الترانسفير هذه، بواسطة وثائق كانت بحوزة محامي أشخاص ضالعين في المجزرة ومقابلات معهم وبمساعدة معهد "عاكيفوت" المتخصص بكشف وثائق أرشيفات متعلقة بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وعثر بين وثائق محامي ميلينكي على وثيقة احتوت على الجمل التالية: "أولا، تطويق القرية. ثانيا، إبلاغ مسنّي القرية بالإجلاء مع إعطاء إمكانية عبور الحدود حتى الوقت المحدد، بثلاث ساعات".

تجربة الولايات المتحدة في اليابان

ووضع راز يده على وثيقة محفوظة للضابط برتبة لواء أبراهام طمير، الذي كتب خطة الترانسفير هذه، وبموجبها أن "بن غوريون طلب وضع خطة حول ماذا نفعل بالسكان العرب في المثلث" في حال نشوب حرب بين إسرائيل والأردن.

وكان بن غوريون قال بنفسه في العام 1953 إنه "يوجد حل لعرب المثلث، وهو متعلق بما إذا كانت ستنشب حربا أم لا". وكشف طمير في وثيقته أنه في خطة الترانسفير "أخذت ما فعله الأمريكيون باليابانيين في الحرب العالمية الثانية (حبسهم في معسكرات كي لا يشكلوا طابورا خامسا).

وبكلمات بسيطة، فإنه إذا بدأت حرب، فإن من لا يجري نحو الأردن يتم إجلاؤه إلى معسكرات اعتقال في الجبهة الداخلية ولن يبقوا عند الحدود”.

يشار إلى أن الجيش الإسرائيلي نشر قواته عند الحدود مع الأردن، قبيل شن العدوان الثلاثي، كي يخدع مصر، وكأن إسرائيل تريد مهاجمة الأردن. ويقول راز إن "مجزرة كفر قاسم لم تنفذها مجموعة منفلتة من الجنود، مثلما هو الادعاء الرسمي منذئذ وحتى اليوم.

ويضيف: "من وجهة نظر مرتكبيها، هم نفذوا الأمر العسكري الذي كان هدفه طرد سكان القرى".

ويوثق راز بالاستناد إلى وثائق لقاءات بين قائد الكتيبة ميلينكي وضباط كبار، قبل المجزرة، وناقشوا خطة "الخلد " مباشرة، وأحيانا من خلال ذكر اسمها الصريح.

يشار أن منطقة " المثلث" كانت قد منحها الأردن لإسرائيل بناء على طلب الأخيرة في اتفاق الهدنة في رودوس عام 1949، وكانت تريدها كونها شريط جبلي مهم من الناحية العسكرية، ولاحقا ونتيجة المخاوف الديموغرافية، صارت إسرائيل تبحث عن طريقة للتخلص من سكان المثلث.

يشار أيضا أن التسمية "المثلث" هي بالأصل تسمية المنطقة الأم الواقعة بين المدن الثلاث طولكرم، جنين ونابلس. كما يشير الكتاب الى إمكانية طرد عرب النقب أثناء حرب مستقبلية مع الأردن كانت سياسة يمكن تطبيقها بالنسبة لبن غوريون وديان وآخرين.

واقتبس من أقوال ديان أنه عبر عن أمله "بأنه ربما ستكون في السنوات القريبة إمكانية أخرى لتنفيذ ترانسفير لهؤلاء العرب من أرض إسرائيل".

التعليقات