"لودميلا".. قناصة شابة أنهت حياة 309 نازيين في الحرب العالمية الثانية

"لودميلا".. قناصة شابة أنهت حياة 309 نازيين في الحرب العالمية الثانية
لودميلا ميخائلوفنا بافلوتشينكو
رام الله - دنيا الوطن
لودميلا ميخائلوفنا بافلوتشينكو.. قناصة سوفييتية شابة سطرت قصة من ملاحم الحرب العالمية الثانية وهي في الـ25 من عمرها فقط بعدما نجحت في قنص عدد كبير من جنود هتلر.



ولدت لودميلا عام 1916 في بلدة بيلا تسيركوف الأوكرانية لأب عسكري وأم استغلت إجادتها للغة الإنجليزية لتعلمها للصغار، أما لودميلا نفسها فكانت طالبة متفوقة، حصلت على دبلوم في العلوم التاريخية بجامعة كييف الوطنية بعد أن انتقلت إلى العاصمة الأوكرانية لمتابعة الدراسة، ومن ثم قررت أن تستكمل دراستها وتقدم أطروحة لنيل درجة الماجيستر، لكن لم يمهلها الوقت، إذ اندلعت الحرب العالمية آنذاك، وبدأت جيوش هتلر النازية في اجتياح الحدود الغربية للاتحاد السوفييتي.


مع اندلاع الحرب، باتت القوى العسكرية السوفييتية تبحث عن جنود أكفاء، وكلفت مجموعة من القناصين المتمرسين بمهمة البحث عن عدد من القناصيين الذين يمكن للجيش السوفييتي الاستعانة بهم في حربه ضد النازية، لفتت لودميلا انتباه الباحثين بقدرتها المميزة على القنص خلال إحدى المسابقات التي أقامتها الجامعة أثناء دراستها، فقد تفوقت على كل زملائها الذكور في أحد حقول الرماية.

بداية جديدة

بدأت لودميلا فصلا جديدا من حياتها حين التحقت بدورة تدريبية مكثفة للرماة المحترفين مدتها 6 أشهر لتحسن من مهارتها في القنص في أحد المعاهد العسكرية، وفي الـ22 من يونيو/حزيران عام 1941 انضمت لودميلا للجبهة.


تقول لودميلا في كتابها الذي نشر عام 1958 إنها لم تلق قبولا على الجبهة في البداية، إذ لم يتقبل زملاؤها وجود فتيات في أحد أخطر فرق الجيش السوفييتي وهي فرقة الطوارئ الـ25، لكنها لفتت الأنظار مجددا إلى براعتها خلال أيامها الأولى كجندية سوفييتية، فنالت الترحاب بل والامتنان لوجودها الذي أثمر عن فوائد جليلة للجيش السوفييتي.

كانت القناصة الشابة تنتظر حتى دنو الفجر، ثم تخرج من وحدتها العسكرية حاملة بندقيتها ومنظارها وتتجه إلى الجبهة دون أن تلقي أي اهتمام لحالة الطقس، وتنتظر الجنود النازيين حتى يقعوا في مرمى نيرانها، ثم تطلق العنان لمهارتها القاتلة.

أمضت لودميلا 255 يوما على الجبهة أردت فيها 309 جنود من الجيش النازي من بينهم 36 قناصا، خلال الفترة من يونيو/حزيران 1941، وحتى يوليو/تموز لعام 1942، أي خلال عام واحد من انضمامها للجيش.

لم تكن بطولات لودميلا لتتوقف لولا أن داهمتها إصابة بميدان الحرب خلال معركة سيفاستوبل.



لودميلا خارج الميدان

بعد إصابتها سحبتها القيادة العسكرية من الجبهة، وتم إرسالها رفقة الوفد السوفييتي الرسمي الذي سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا لإقناع الحلفاء بتسريع التدخل في غمار الحرب وفتح جبهة قتال جديدة ضد النازيين، وفي تلك الزيارة قابلت لودميلا الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وتعرفت إلى زوجته وكانت من أوائل المواطنين السوفييت الذين استقبلهم الرئيس الأمريكي بالبيت الأبيض.


خلال تواجدها بالولايات المتحدة لقبها الصحفيين لقبا باتت تعرف به إلى يومنا هذا وهو "سيدة الموت"، وفي مؤتمر صحفي بولاية شيكاجو، أمطرها الصحفيون بوابل من الأسئلة، وقد كان في قبضتها ورقة أعطاها لها المندوب السوفييتي فيها ما يجب أن تقوله عن بطولات الاتحاد السوفييتي وجوزيف ستالين، لكنها تجاهلت كل ذلك وقالت بلغة إنجليزية سليمة تماما: "أيها السادة، أنا في الـ25 من عمري، وقد قضيت على 309 من النازيين الغزاة، ألا يبدو لكم أنكم ولمدة طويلة اختبأتم خلف ظهري".

تم ترقية لودميلا إلى رتبة "رائد"، ولم تمارس القنص مجددا، لكنها عملت في تدريب القناصين حتى نهاية الحرب، وفي عام 1943 منحت الوسام الذهبي لبطل الاتحاد السوفييتي، وطبعت صورتها على إحدى طوابع البريد كنوع من التكريم.



بعد نهاية الحرب لم تنس لودميلا رغبتها في استكمال الدراسة، فأنهت دراستها في جامعة كييف وعملت بمهنة التأريخ، وفي الفترة من عام 1945 وحتى 1953 شغلت منصبا مهما بالبحرية الروسية وهو مساعد القائد.


توفيت لودميلا في الـ10 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1974 عن عمر 58 عاما ودفنت في العاصمة الروسية موسكو، وقد ألهمت قصتها العديد من صناع الأفلام، فاستعان المخرج الروسي سيرجي موركيتسكي بالكتاب الذي كتبته بنفسها لإخراج فيلم مدته 120 دقيقة يحكي قصتها تحت اسم "معركة سيفاستوبل" وهي المعركة التي أردت فيها عددا كبيرا من ضحاياها بالإضافة إلى وقوعها جريحة، ونال الفيلم جائزة النسر الذهبي التي تقدمها الأكاديمية الروسية للسينما والفنون عام 2015.

 


التعليقات