‏‏العرب الذين يعتمدون في غذائهم على أطعمة "غربية" أكثر عُرضة للإصابة بالسرطان‏

‏‏العرب الذين يعتمدون في غذائهم على أطعمة "غربية" أكثر عُرضة للإصابة بالسرطان‏
رام الله - دنيا الوطن
قال خبراء طبيون إن الطعام الجيد، لا الجينات الجيدة، هو ما يكمُن وراء انخفاض نسبة إصابة الرجال بسرطان البروستات في الشرق الأوسط، مُحذّرين من أن تناول الكثير من الطعام على النمط الغربي يمكن أن يتسبب بارتفاع كبير في خطر الإصابة بهذا المرض.‏

‏‏ويُعتبر سرطان البروستات ثاني أكثر أشكال السرطان شيوعاً في العالم، والأكثر شيوعاً في البلدان الغنية، مع تباين واضح في معدلات الإصابة بين البلدان. وأظهرت دراسة بحثية أجرتها منظمة الصحة العالمية ونُشرت الشهر الماضي أن معدل الإصابة بسرطان البروستات في النرويج والسويد وإيرلندا أعلى بعشر مرات منه في المملكة العربية السعودية أو مصر أو الأردن.‏

‏‏وقال الدكتور ديفيد ليفي، طبيب أمراض المسالك البولية في كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة، إن الخطر يمكن أن يتغير بسرعة إذا اعتمد الرجال في الشرق الأوسط نظاماً غذائياً على الطريقة الغربية، بدلاً من الوجبات التقليدية التي يتناولها أبناء المنطقة. وأظهرت دراسات أجريت في الولايات المتحدة أن الجيل الثاني من الأمريكيين العرب يعانون مستويات أعلى بكثير من سرطان البروستات مقارنة بنظرائهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك بعدما أصبح نظامهم الغذائي "أمريكياً أكثر".‏

‏‏وأوضح الدكتور ليفي قائلاً إن تناول المشروبات الغازية وعصائر الفواكه السكرية بكثرة، إضافة إلى السكاكر والحلويات والبروتين الحيواني، يرفع عوامل مقاومة الأنسولين في الجسم، ويُغيّر مؤشر نسبة السكر في الدم، ويُؤثر سلباً على نسب الحمض الدهني، معتبراً أن المرء عندها يكون قد "غيّر البيئة التي تعيش فيها الخلايا تغييراً كاملاً"، وأضاف: "من شأن هذا التغيير أن يُحدث بدوره تغييراً في السلوك الوراثي، وما ذاك إلاّ تجاوبٌ للجسم مع التغيّرات الحاصلة في نمط الحياة، ما يؤدي إلى تغيّر بيئي، يمكنني القول بثقة إنه يحفّز الإصابة بسرطان البروستات".‏

‏‏ ‏‏‏ولاحظ الدكتور ليفي أنه عندما ينتقل الرجال العرب لأول مرة إلى أمريكا الشمالية أو شمال أوروبا، فإن معدلات الإصابة بسرطان البروستات لا تتباين تبايناً واسعاً في البداية عن تلك التي لدى نظرائهم في الوطن. ومع ذلك، فإن أبناءهم الذين يُولدون وينشأون في الغرب، يُظهرون مستويات إصابة بالمرض مماثلة لما لدى أقرانهم من أصل أوروبي. وقال: ‏‏"‏‏عندما يتبنى الرجال من أصول شرق أوسطية وشمال إفريقية نمط حياة غربي، فإن الخطر الذي يكونون عُرضة له يُصبح هو ذاته الذي يتعرض له غالبية السكان الغربيين، وهو أعلى بكثير مما في بلدانهم، وأعتقد أن العوامل الغذائية تلعب دوراً كبيراً في ذلك".‏

‏‏ ‏وتتوافق ملاحظات الدكتور ليفي مع نتائج دراسة أُجريت في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث أجرى الباحثان لارا هلال ومحمد شحيط بحثاً تناول الاختلافات في عوامل الخطر ومعدلات الإصابة والتوزيع والسيطرة على المرض بين دول الشرق الأوسط العربية وبعض الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية. ونشر الباحثان نتائج دراستهما بعنوان ‏‎Prostate Cancer in the Arab World: A View From the Inside‎‏ (نظرة من الداخل على حالة سرطان البروستات في العالم العربي). وقد ورد في النتائج، مثلما ذكر الدكتور ليفي، "تناقض المتلازمة الأيضية، والأثر الوقائي للحمية المتوسطية على مجموعة فرعية من السكان العرب".‏

‏‏ويرجع جزء من هذا الأمر إلى الثراء، إذ إن الدخول المرتفعة تشجع الناس على تناول المزيد من الطعام ذي الأثر السيئ على أجسامهم. فقد أوضح الدكتور ليفي أن الإكثار من استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان يمثل مشكلة خاصة بسبب توزيع الأحماض الدهنية داخل هذه الأطعمة. وقال إن كلاً من أوميغا 3 وأوميغا 6 عنصر غذائي أساسي، إلا أنه حذّر من خطر تجاوز كمية الأخير في الجسم كمية الأول بأكثر من خمس مرات، وأضاف: "تتوافق نسب الأحماض الدهنية في الدم، المرتبطة باستهلاك البروتين الحيواني، مع ارتفاع التوجّهات في تشخيص سرطان البروستات. وإذا غيّر المرء نظامه الغذائي فإن استجابات نظام المناعة الواردة من الأمعاء الصغيرة قد تتغيّر، ما يؤدي إلى حدوث تبِعات وراثية متتالية في أنحاء الجسم".‏

‏‏وترتبط الحمية الغذائية التي تحتوي على الكثير من اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان والسكر بالمتلازمة الأيضية، وهي مجموعة من التشوّهات في المنظومة الكيميائية الحيوية والفسيولوجية ترتبط بالإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، التي تشمل السمنة والسكري ومقاومة الأنسولين وارتفاع ضغط الدم والكولسترول.‏

‏‏ ولدى الرجال الذين يعانون من كل هذه الحالات احتمالية متزايدة لحدوث سرطان البروستات، بحسب الدكتور ليفي، الذي قال إنهم أكثر شيوعاً بين من يتبعون النظام الغذائي الغربي ممن يتبعون حمية البحر الأبيض المتوسط أو الحمية النباتية، مشيراً إلى أن الارتباط لا يقتصر على سرطان البروستات فقط، وإنما أيضاً مع سرطان الثدي والقولون والبنكرياس.‏

‏‏وتُعتبر أطعمة مثل البطاطا المقلية والنقانق ‏‏و‏‏البيرغر وأجنحة الدجاج غنية بحمض أوميغا 6، في حين يُعتقد بأن الحمية المتوسطية لها تأثير وقائي ضد بعض الأورام. وفي دراسات أجريت على رجال مصابين بسرطان البروستات لم يُعالج بعد، أدى الامتناع عن تناول اللحوم ومنتجات الألبان من النظام الغذائي إلى انخفاض كبير في معدل نمو خلايا البروستات. وتتميز مأكولات منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي تشمل بلاد الشام وشمال إفريقيا، بوفرة من المواد الغذائية الغنية بحمض أوميغا 3، مثل العدس والطماطم والباذنجان والجوز والفاصوليا والرمان.‏

‏‏ويطلب الدكتور ليفي أن مرضاه المصابين بسرطان البروستات الحدّ من تناول اللحوم الحمراء إلى ثلاث مرات شهرياً على الأكثر. كما يشجعهم على تناول الكثير من الفواكه والخضروات الطازجة، وخفض استهلاك منتجات الألبان والسكريات إلى الحدّ الأدنى، كما يوصى بتقليل تناول المريض للكربوهيدرات المكررة، كالخبز الأبيض والسكر والمعكرونة والأرز، واللجوء إلى الأصناف البنيّة أو أصناف الحبوب الكاملة.‏

‏‏ ‏‏وأضاف الدكتور ليفي أن انخفاض مستويات بعض العناصر الغذائية، مثل فيتامين (د)، "مشكلة عندما يترافق حدوثه مع حالات مثل المتلازمة الأيضية"، مشيراً إلى أن العاملين في الورديات الليلية والنباتيين الذين لا يتناولون أية منتجات حيوانية، لديهم نقص في فيتامين (د) الذي توجد مُركّباته في البيض والسمك ويحتاج الجسم عند تصنيعه إلى تعريض البشرة بطريقة مناسبة إلى ضوء الشمس.

‏‏وأكّد أن ارتفاع استهلاك اللحوم والسكريات ومنتجات الألبان، مع انخفاض مستوى فيتامين (د) "من شأنه أن يغير بيئة عيش الخلايا تغييراً جذرياً"، مشبّهاً الأمر بزراعة بذرة في تربة ما وإعطائها النيتروجين فقط دون الكالسيوم والمغنيسيوم والفسفور والبوتاسيوم والزنك، فهي "لن تُنبت نباتاً حسناً" على حدّ وصفه.‏

التعليقات