في الذكرى الـ62 على مذبحة كفر قاسم.. لواء إسرائيلي يكشف تفاصيل لأول مرة

في الذكرى الـ62 على مذبحة كفر قاسم.. لواء إسرائيلي يكشف تفاصيل لأول مرة
رام الله - دنيا الوطن
في منتصف يوليو، أُقيم عرض غريب في محكمة استئناف عسكرية في قرية كفر قاسم، مقر المؤسسة العسكرية في تل أبيب.

 القاضي، وهو قيادي في جيش الدفاع الإسرائيلي، دعا عيساوي فريج، سياسي من عرب إسرائيل ويشغل منصب عضو في الكنيست عن حزب ميرتس، إلى منصة الشهود، وسأله سؤالاً واحدًا وهو: "هل نشر الوثائق السرية المتعلقة بمجزرة قرية كفر قاسم، والتي حدثت عام 1956 سيثير غضب سكانها؟".

ذكرت هآرتس أن فريج واحد من بين كثيرين فقدوا أفراد عائلاتهم بسبب المذبحة التي قامت بها شرطة الحدود الإسرائيلية، ما خلق حالة من الغضب الشديد والتي لم تنتهِ بعد مرور حوالي 62 على وقوع المذبحة.

ومع ذلك، أوضح فريج أن سكان القرية لا يرغبون في الانتقام أو الأخذ بالثأر لما حدث لهم. وقال: "ليس لدينا مصلحة في تعطيل أمن الدول، أو التخلص من أي شخص، خاصة وأن المواطنين يعلمون أي يوجد اللواء يسسخار (يشكا) شيدمي، قائد اللواء 17 في المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي".

كان شيدمي، وفقًا لهآرتس، قائد القوات والمسؤول عن المنطقة في ذلك الوقت، ونُفذت المذبحة بأوامر منه، وكان يوجد في منزله الواسع في حي رامات أفيف الراقي، عندما حدثت تلك الكارثة، ولم يكن يعلم أن اسمه سيرتبط بها في التاريخ.

تتضمن المحاكمة التي لا زالت سارية، دعوى قضائية للمؤرخ آدم راز، الذي يطالب بأن يقوم الجيش الإسرائيلي برفع الحظر عن الوثائق السرية المتعلقة بالمجزرة.

أجرى راز، 35 عامًا، العديد من المقابلات مع الشخصيات التي لها علاقة بالمذبحة، ومن بينهم شديمي، الذي توفي الشهر الماضي عن عمر يناهز 96 عامًا، ومن المقرر أن ينشر كتابه الذي يتحدث فيه عن تفاصيل تُنشر لأول مرة عن الجريمة في وقت قريب.

واستعرضت هآرتس شهادة شديمي، حسبما نقلها راز في كتابه، إذ يقول المسؤول العسكري الإسرائيلي إن محاكمته في عام 1958 كانت أمرًا صوريًا، كان الهدف منها الحفاظ على أمن إسرائيل، ورفع المسؤولية عن نخبتها السياسية، بما في ذلك رئيس الوزراء وقتذاك بن جوريون، ووزير الدفاع موشيه ديان، ومسؤولين آخرين، وُجهت لهم الاتهامات بسبب المجزرة.

قال شديمي إن المحاكمة، التي اُتهم فيها في القتل في بداية الأمر ثم تمت تبرئته فيما بعد، كان الهدف منها تضليل المجتمع الدولي، وإظهار إسرائيل في صورة الدولة التي تسعى إلى تطبيق العدالة.

فيما يرى راز أن المحاكمة كانت خدعة ومحاولة للتغطية على "عملية الخلد" والمعروفة باسم (الترانسفير)، وهي الخطة السرية التي عملت عليها إسرائيل لطرد العرب في منطقة المثلث إلى الأردن، والتي لم يُكشف عن تفاصيلها حتى اليوم.

قال شديمي إن الأمر برمته بدأ في 29 أكتوبر عام 1956، في اليوم الأول مما تطلق عليه إسرائيل حملة سيناء. وكان هو مسؤولاً عن لواء القيادة المركزي، والمسؤول عن الدفاع عن المنطقة المحاذية للحدود مع الأردن. وأصدر أمرًا بحظر التجول، ليبدأ في وقت أبكر من المعتاد في ذلك اليوم في القرى العربية المجاورة ومن بينها كفر قاسم.

وأشار شموئيل ميلينكي، قائد كتيبة حرس الحدود، في وقت لاحق خلال محاكمته هو والجنود الذين تورطوا في المذبحة، إلى أن شديمي أصدر أوامر بإطلاق النار على أي شخص ينتهك حظر التجول.

وعندما سُئل عن مصير المدنيين الذين يعودون إلى القرية بعد تطبيق حظر التجول، قال مالينكي إن شديمي أخبره التالي: "لا أريد أن يشعر أي منكم بالتعاطف معهم، من يأتي متأخرًا (الله يرحمه)".

وفي محاكمته في الخمسينيات، نفى شديمي ما تردد عن إصداره أوامر بالتخلص من أي شخص ينتهك حظر التجول.

وبغض النظر عن هوية الشخص الذي أصدر الأوامر، فإن النتائج كانت كارثية. تستعرض هآرتس ما حدث ليلة المذبحة، وتقول إنه في حوالي الساعة الخامسة أو السادسة مساءًا في ذلك اليوم المشؤوم، قُتل حوالي 47 عربيًا كانوا عائدين إلى منازلهم في كفر قاسم، فتيات وصبيان ورجال ونساء، جميعهم أطلق عليهم قوات حرس الحدود الرصاص، علاوة على وفاة شيخ طاعن في السن إثر إصابته بأزمة قلبية عندما علم أن حفيده قُتل.

ووفقًا لأهالي القرية فإن إجمالي عدد القتلى وصل إلى 51 شخصًا.

أُدين ثمانية من ضباط الحدود وجنود جيش الدفاع الإسرائيلي الأحد عشر بتهمة اطلاق النار، وأُرسلوا إلى السجن، وبحلول عام 1960 أُطلق سراحهم جميعًا دون أن ينهوا فترة عقوبتهم، فيما حصل بعضهم على وظائف حكومية مرموقة، وتقاضوا رواتب جيدة.

وبعد مرور حوالي عامين على المذبحة، تقول هآرتس إن شديمي بات الضابط الأعلى رتبة الذي تتم محاكمته، ووُجهت إليه الاتهامات بقتل 25 قرويًا، أي ما يعادل نصف الضحايا.

وفي نهاية الأمر، تم تبرئة شديمي من تهمة القتل، إذ أعلن القاضي أن الاتهامات الموجهة إليه غير مُثبتة بشكل عام ومبدئي، وتم اتهامه بأمر واحد فقط وهو تجاوز صلاحيته، وإصدار أوامر بشأن ساعات ومظاهر حظر التجول، في حين أنه يحتاج إلى تفويض الحاكم العسكري لتحديد موعد بدء وانتهاء حظر التجول، وفُرضت عليه غرامة مادية أغضبت سكان القرية بأكملها، وهي دفع عشرة قروش.

التعليقات