الوجع الفلسطيني بصراحة

الوجع الفلسطيني بصراحة
الوجع الفلسطيني بصراحة 
بقلم الشيخ السيد بركة

ما أسهل النطق وما أصعب الكلام عموماً، وحول أمّ القضايا المعاصرة - قضية فلسطين - خصوصاً !

كنتُ ولا زلت أردّد أننا ننتمي إلى دينٍ عظيم وقضيةٍ مقدّسة، والأصل أنّنا كلما خدمنا هذا الدين بوعي وإخلاص، وكذلك القضية المقدّسة والعادلة - فلسطين - كلما ازددنا عظمةً وقوةً ونفوذاً وشرفاً وتأثيراً في هذا العالم؛ ومِن ثَمَّ يفترض أن تُترجم تلك الخدمة الواعية والمخلصة لقضيتنا، قضية الأمّة وقضية الأحرار في العالم، إلى أن تصبح القضيةُ مع الوقت ومع تواصل مشروع الجهاد والثورة والتضحية في حالة تقدّم نحو الهدف المنشود، وهو التحرير، وبالتالي زوال الكيان الصهيوني.

إلا أنّ واقع الحال الفلسطيني والعربي عموماً يؤكد بمرارة قاسية عكسَ ذلك، فالعربُ أصبحوا أمّة متخصصة في إضعاف نفسها وتمكين عدوّها منها، وبالتالي فعلت بنفسها أكثر بكثير مما كان عدوّها يحلم أن يفعلَ بها !

وها هي اليوم، بعد سبع سنينَ عجاف من عُمر ما سُمِّي زوراً وبهتاناً وخداعاً بالربيع العربيّ، قد خرَّبت بيتها بأيديها في ليبيا والعراق واليمن وسورية ومصر، وها هي اليوم تشوّه مفاهيم الثورة والقيم المقدّسة من خلال إنتاج داعشَ وأخواتها، وتمكينها بين عشيةٍ وضحاها لتصبح أكبر وأخطر ضربة موجّهة إلى قلب وجسد الأمة قاطبةً، ولتصبح داعش وأخواتها هي النسخة المعاصرة لإعادة إنتاج الفتنة الكبرى المدمّرة للروح والثقافة والحضارة وكيان الأمة في العصر الحديث.

وبعد تدمير وإعاقة حواضر وعواصم الحضارة في الوطن العربي، دمشق وبغداد والقاهرة، أصبحت الكلمة الأولى للبترودولار الأمريكي، ولأمراء الجهل والتخلف والاستبداد والفساد، الذين وجّهوا وجوههم قِبَل الكنيست الصهيوني، وليس قِبَلَ الأقصى الأسير والنازف روحاً ودماً، وأعطَوا ظهورهم لفلسطين وللعروبة وللإسلام، ولكل قيّمنا الحضارية الراقية.

وبالتالي أصبح النظام القَبَلي الاستبدادي المتخلّف في الخليج هو الذي يقود المنطقة على أشلاء دول ما سُمّي بالربيع العربيّ؛ وأمّا الوضع الفلسطينيّ فرغم البطولة الاستثنائية والأسطورية التي سجّلها ولا يزال شعبنا الفسطينيّ على مدار قرن من الزمان، وخصوصاً منذ انتفاضة الحجارة عام 1987م، مروراً بانتفاضة الأقصى عام 2001م، وبالصمود الأسطوري أمام ثلاثة حروب مدمرة: عام 2008م، و2012م، 2014؛ وليس انتهاءً بمسيرات العودة التي يُشعل فيها الفلسطينيّ النار في جسده كي لا تُطفأ شعلة الجهاد والثورة، شعلة الشرف والكرامة، وسطَ حالة محلّية وإقليمية ودولية من الخذلان والتواطؤ والانبطاح أمام الكيان الصهيوني، وأمام أمريكا ترامب اللعين.

ورغم كل هذه البطولات الشعبية فشلت قيادة الشعب الفلسطيني حتى الآن في ترجمتها إلى مكاسب سياسية تؤهل المقاومة الفلسطينية لأن تكون رقماً صعباً، إن لم تستطع أن تكون الرقم الصعب في معادلة القوة في المنطقة الذي يحفظ كرامة الشعب من جهة، ويراكم مكتسباته من جهة أخرى، حتى أصبح الوضع الفلسطيني رغم كل التضحيات والبطولات - في ظل حالة الانقسام المشؤوم - منفعلاً أكثر منه فاعلاً، وأصبح في أحسن حالاته في حالة دفاع ملتبس عن واقع فقدَ فيه الفلسطينيّ كرامته، ولم يَعُد النموذجَ الملهم وعياً وثقافةً وسلوكاً لمحيطه العربي والإسلامي والعالمي، خصوصاً بعد سقوط المقاومة الفلسطينية في فخّ "أوهام السُّلطة والدولة" في غزة ورام الله على حدٍّ سواء، حتى أصبحت السلطتان عبئاً قاتلاً لكل ما هو جميل في الشعب الفلسطينيّ.

التعليقات